كلنا نعرف ان اللغة العربية لغة مرجعية، وان اتقانها ومعرفة نحوها وصرفها واسرارها لا تتأتى الا القليل من المتخصصين، ويفترض ان تترسخ هذه القناعة عند المبدعين والكتّاب والاكاديميين والمؤلفين في شتى صنوف المعرفة، فلا يتجرأ احدهم على اللغة العربية فيما يكتب، وهذا لا يعني ان يتوقف هؤلاء عن التأليف والكتابة ريثما يتقنون اللغة العربية ويعرفون جميع اسرارها، ولكن المطلوب في هذا السياق ان يتواضع هؤلاء بعرض مؤلفاتهم المخطوطة على محررين مختصين لهم تجربة ودارية في التحرير اللغوي، وللعلم فانه ليس كل متخصص في اللغة العربية قادراً على انجاز هذه المهمة، فالتحرير اللغوي بحاجة الى دربة طويلة وقدرة عالية على التركيز ومعرفة جيدة باللغة العربية نحوها وصرفها، وامتلاك مستوى ذوقي جيد قادر على الصياغة الملائمة. وهذه المسألة لا يحكمها الخطأ والصواب وانما يحكمها المستوى الذوقي القادر على فهم المعنى والتعبير عنه بدقة وتأثير.
ومن الجدير بالذكر، انه لا يوجد في العراق كادر متخصص ومدرب وله تجربة عميقة في التحرير اللغوي وليس التصحيح اللغوي غير نفر قليل في بعض اقسام كلياتنا، وهؤلاء جنود مجهولون يقع على عاتقهم تحرير جميع المناهج الدراسية وعلى الرغم من خصوصية هذا العمل وخطورته فان النظرة آلية ما زالت تتسم بالتخطيط وتأخذ طابعاً تقليدياً وتخلط بين التحرير اللغوي والتصحيح اللغوي حيث يتناول الاول الصياغة والقاعدة ويكتفي الثاني بالتصويب النحوي والاملائي وشتان بين الاثنين، فالاول فني مضن والثاني مدرسي سهل.
ولا يستطيع ان يدرك خطورة التحرير واهميته غير اولئك الذين لهم تجربة موازية ومعرفة دقيقة باسرار عملهم، واذا تجرأ احد وقال غير ذلك فان الحكم ان ينشر اي كتاب منهجي/ مدرسي او غير مدرسي من غير تحرير ثم يحرر ليعرف المنكرون الفرق ويدركون ان التحرير اللغوي عناصر ومستويات تتصل باللغة والنحو والصرف والذوق.
انني هنا اهدف الى لفت انتباه مؤسساتنا العلمية والثقافية الى الهدر في الجهد والوقت والمال بسبب نشر الكثير من الكتب قبل تحريرها لغوياً حيث تكتظ مكتباتنا بالكثير من الكتب التي تبعثر مضمونها وتشوه محتواها بسبب ضعف اللغة وركاكتها، فاللغة هي الوعاء لكل الافكار والمضامين، فاذا كان هذا الوعاء مشوهاً ومخروقاً فقدَّ العمل حديثه واهميته.
كما اود ان انبه بعض الاكاديميين من اعضاء هيئات التدريس وبخاصة اولئك المختصين في العلوم العلمية وحتى الانسانية الذين لم تتح لهم الفرصة لتأهيل انفسهم في اللغة العربية ان يحتالوا لتحقيق هذا المطلب الشريف، وليس ذلك بعيب، وان رأوا غير ذلك، فعليهم الا يتحرجوا من عرض م يكتبون على محررين مختصين قبل الطبع والنشر.
وحتى يتيسر ذلك فانه يمكن ان تعمل مؤسساتنا العلمية والثقافية واتحاد الناشرين العراقيين… على تأسيس جمعية للمحررين المختصين وتمنحهم اجازات تبيح لهم ممارسة هذا العمل بعد ان تطمئن الى قدراتهم وتجاربهم وتحيل اليهم كل الاعمال قبل نشرها، ليكون ذلك شرطاً من شروط اجازة الكتب، وعند ذلك سيتوقف الهدر، وسنرى في السوق كتباً جيدة المضمون، جيدة الوعاء، ولا تذهب الاموال والجهود هدراً.
[email protected]