18 ديسمبر، 2024 10:04 م

لا وحدة وطنية بدون وحدة السوق

لا وحدة وطنية بدون وحدة السوق

وقعت وزارة الزراعة الاتحادية مع نظيرتها في الاقليم اتفاقا يقضي باعتبار منتجات القطاع الزراعي في الاقليم منتجات محلية ! . وكانت الحكومة المركزية قبل اسابيع منعت حركة نقل السلع الزراعية والثروة الحيوانية من الانتقال من اقليم كوردستان الى بقية مناطق العراق وكأن المنتجين في هذه الرقعة الجغرافية ليس من البلد , اكثر من هذا المنع شمل ايضا انتقال المنتجات بين المحافظات الاخرى , فلا نزال نسمع شكاوى الفلاحين في نينوى من عدم سماح السلطات لهم بتوريد بضائعهم الى بقية انحاء البلاد فيما لهيب اسعار الخضراوات وصل عنان السماء . نامل ان يكون الاتفاق شاملا .

اجراءات وزارة الزراعة وسياستها اثارت اللغط واربكت الاسواق واسهمت في ارتفاع الاسعار واستنزاف مداخيل المواطنين التي هي اصلا شحيحة ولا تكفي لسد متطلبات معيشتهم , فهي اغلقت المنافذ الحدودية الجنوبية وفتحت المنافذ الحدود الشمالية , ثم اضطرت , بعد ان اثارة ضجة , الى نشر فيديوهات على انها مفتوحة .

والاهم من ذلك ان هذا التخبط يتكرر بين الحين والاخر ويلحق ضررا بالمنتجين المحليين في طول البلاد وعرضها ويؤدي الى تلف البضائع في الحقول و نقاط المسيطرات في الوقت الذي يشكو المواطنون من الغلاء الفاحش للمنتجات .

والمصيبة الكبرى ان الحكومة تتشدق بانها تدعم القطاع الزراعي وتقدم تسهيلات للعاملين فيه , ولكن في واقع الحال ليس هناك شيئا مؤثرا او سريعا وثابتا من ذلك , فعلى سبيل المثال هي تعترف بان دول الجوار والتجار يغرقون الاسواق بمنتجات الدواجن , ولكنها تحرم انتقال المنتجات المحلية ذاتها من كوردستان الى بقية انحاء البلاد وبالعكس لأسباب سياسية ونفعية ضيقة ..

قبل الاتفاق الاخير الذي نامل ان يطبق بيسر , و ان كانت المسألة لا تحتاج الى اتفاقات , يفترض انها بديهية , ومحاسبة كل من يعرقل حركة التجارة وانتقال البضائع في السوق الواحدة للبلد الواحد لأنها من ركيزة للوحدة الرصينة , غير ذلك انه يقسمها ويشرخها ويعود بها الى ما قبل الدولة الواحدة , الى اقطاعيات ايام زمان التي غادرها العالم مع بناء النظام الرأسمالي , والى ما قبل تأسيس الدولة العراقية .

المواطن في السوق في البلد الواحد لا تتكلم او تعمل , قوميته او مذهبه او ديانته , وانما محفظته , فبقدر ما يدفع يستطيع ان يشتري بضاعته , ولا يبتز لأي سبب كان وتفرض عليه الاتاوات حسب الجهوية المقيتة وتقسيم السوق القسري , وبالتالي الوحدة الوطنية .

ان ما اقدمت عليه الوزارتان في اتفاقهما خطوة مهمة وضرورية لاستعادة بناء السوق الموحدة وحماية المنتجات المحلية وتطويرها وزيادتها وتنوعها , وعدم التراجع عنها , ولابد ان تكون تحت الفحص المستمر لتعظيم فائدتها وانتفاع المنتجين المحليين قاطبة . بلا شك هناك من سيستمر في محاولات استغلال الاتفاق لمصالحه الضيقة وحرفه عن اهدافه والحاق الاذى بالمنتج المحلي عن طريق التهريب والتلاعب والمنافذ الخارجة عن السيطرة وغيرها من الطرق غير القانونية , وهذا ما يجب ملاحقته والتعاون مع مختلف الاجهزة لضبطه ومحاسبة مرتكبيه حسابا قاسيا لانهم لا يلحقون الخسائر بالاقتصاد الوطني فقط وانما يضربون الوحدة الوطنية وسوقها الموحدة .