20 سبتمبر، 2024 12:15 ص
Search
Close this search box.

هيمنة “الدولار” السبب .. حينما تدفع الدول النامية فاتورة “التضخم” الأميركي !

هيمنة “الدولار” السبب .. حينما تدفع الدول النامية فاتورة “التضخم” الأميركي !

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (فورين أفيرز) تقريرًا أعدَّه؛ “جيان ماريا ميليسي فيريتي”، وهو زميل أقدم في مؤسسة (بروكينغز)، حول تداعيات التضخم في “الولايات المتحدة” على أزمة الديون في الخارج.

يستهل الكاتب تقريره؛ بالإشارة إلى أن “غيروم باول”، رئيس “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، أعلن في 16 آذار/مارس، أن “البنك المركزي” سيرفع أسعار الفائدة إلى: 0.25%. ومن المُرجَّح أن يكون هذا الإجراء الأول من نوعه في سلسلة من الزيادات في الأسعار التي تهدف إلى السيطرة على التضخم المرتفع بصورة مستمرة. ومنذ بداية هذا العام، أشار رئيس “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” وزملاؤه إلى أن “البنك المركزي” سيرفع مُعدلات فائدة قصيرة الأجل، مؤكدين من جديد أن “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” يلتزم باتخاذ: “الإجراءات اللازمة” لتقليل معدلات التضخم.

كيف يُشكِّل “المجلسُ الاحتياطي الفيدرالي” الاقتصادَ العالمي ؟

وقد ناقش خبراء الاقتصاد إلى أي مدى ستأتي نوبة التضخم هذه نتيجةً للسياسة المالية والنقدية التوسُّعية، التي تتمثَّل في أسعار الفائدة والمَبالِغ الكبيرة من الإنفاق الحكومي، لا سيما التحويلات الموجَّهة إلى الأسر، أو التي ستأتي نتيجةً لعوامل خاصة بتفشِّي جائحة (كوفيد-19)، بما في ذلك تعطُّل سلاسل الإمداد العالمية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والبضائع المُصنَّعة. ولا يزال من غير الواضح هل سيكون ارتفاع أسعار الفائدة؛ التي خطَّط لها “مجلس الاحتياطي الفيدرالي”، كافيًا للسيطرة على ارتفاع الأسعار، أو مدى إسهامها في الحدِّ من النمو الاقتصادي.

ويستدرك الكاتب: لكن بغض النظر عن هذا التأثير، لن يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة في “الولايات المتحدة” فقط؛ وآية ذلك أن ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض بـ”الدولار الأميركي” في الأسواق الدولية. كما أنه سيُزيد الطلب على الأصول بـ”الدولار الأميركي” موازنةً بالأصول بعُملات أخرى، ومن ثم يمكن أن يتسبَّب ذلك في انخفاض قيمة هذه العُملات، وسيُصبح سداد الديون أكثر تكلفة في البلدان التي يكون فيها الدين الخارجي بـ”الدولار الأميركي”.

ومن المُرجَّح أن تكون هذه التداعيات أكثر حِدَّة في بعض البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وموازنةً بالدول الأكثر ثراءً، تمتلك هذه البلدان بصورة عامة نظامًا ائتمانيًّا أسوأ، فضلًا عن أن الاقتراض يُكلِّفها كثيرًا، وتُعد هذه البلدان أيضًا أكثر عُرضة للاقتراض بـ”الدولار الأميركي”.

ستكون تداعيات هذا الأمر وخيمة، لا سيما، على الأسواق النامية والناشئة التي لا تزال تتصدى للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة، فضلًا عن البلدان التي تُعد مستورِدًا صافيًا للغذاء والطاقة؛ التي ارتفعت أسعارها ارتفاعًا كبيرًا بسبب اندلاع الحرب في “أوكرانيا”. ومن المُرجَّح أن تشهد هذه البلدان مزيدًا من حالات العجز عن سداد الديون وانخفاضًا كبيرًا في قيمة العُملات، ما يعوق نموها الاقتصادي ويُزيد من صعوبة قدرتها على الحدِّ من الفقر.

السوق الكبرى في جميع أنحاء العالم..

ووفقًا للتقرير؛ تُعد السوق المالية الأميركية أكبر الأسواق المالية في العالم إلى حدٍّ بعيد، كما يُعد “الدولار” العُملة الاحتياطية الرئيسة في العالم، لأنه يُمثِّل العمود الفقري للقروض الدولية والعُملة الرئيسة التي تُستخدَم في المعاملات التجارية الدولية والسندات المُتداولة دوليًّا، ونتيجةً لذلك، تؤثِّر الإجراءات التي يتخذها “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” تأثيرًا شديدًا في اقتصادات بلدان أخرى.

وبطبيعة الحال، لا يسعى “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” إلا إلى تحديد أسعار الفائدة القصيرة الأجل بصورة مباشرة، بالإضافة إلى أن ارتفاع الفائدة على المدى الطويل في “الولايات المتحدة”، مثل العائد على السندات الحكومية التي تستحق السداد في غضون عشر سنوات، يؤثر تأثيرًا كبيرًا في النشاط الاقتصادي والمُعدَّلات ذات الأجل الطويل في بلدان أخرى، وهذا ينطبق بصفة خاصة مرةً أخرى على الاقتصادات الناشئة والنامية (الدول النامية من العالم الثالث)، ولكن عندما يُشدِّد “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” سياسته النقدية، يمكن أن يتسبب في زيادة ارتفاع هذه المعدَّلات التي ترتفع بالفعل: فقد ارتفع سعر الفائدة على سندات الخزانة الأميركية ذات العشر سنوات في المدة التي تتراوح؛ بين نهاية عام 2021 و31 آذار/مارس 2022، بواقع نقطة مئوية واحدة.

وحتى الآن، وفقًا للتقرير، يُعد هذا الارتفاع طفيفًا نسبيًّا، كما يُشير إلى أن الأسواق تتوقع حاليًا أن الزيادة في أسعار الفائدة القصيرة الأجل سوف تنخفض في مرحلة ما، ومن ثمَّ سينحسر التضخم في “الولايات المتحدة” في نهاية المطاف. وسيحمل هذا الأمر بشرى طيبة للأسواق الناشئة والبلدان النامية، وإذا استمر انخفاض الزيادة الطويلة الأجل في أسعار الفائدة، فسيتمكَّن العالم النامي من احتواء هذه التداعيات بصورة أكبر.

ولكن لسوء الحظ، لا تُعد النهاية السريعة وغير المؤلمة للتضخم في “الولايات المتحدة” نتيجةً محتومة، والدليل على ذلك أن العالم يواجه أول نوبة تضخم مؤثرة منذ عقود، ما يُمثِّل تجربة تتفاقم بسبب حالة عدم اليقين الذي يُحيط بتفشِّي جائحة (كوفيد-19) واندلاع الحرب في “أوكرانيا”.

وقد تحدى التضخم في “الولايات المتحدة” التوقُّعات بالفعل، بعد أن تجاوز توقُّعات عام 2021؛ بمعدَّل كبير. وإذا ظل الطلب قويًّا في “الولايات المتحدة” وظلَّت أسواق العمل في البلاد متعثرة، فقد يتبين أن التضخم أكثر استمرارية مما تُشير إليه معظم التوقُّعات. ومن ثمَّ، سيضطر “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” إلى أن يُشرع في رفع أسعار الفائدة على نحوٍ أسرع وأكثر حِدَّة مما تتوقعه الأسواق في الوقت الحالي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة الطويلة الأجل، وقد يتباطأ الاقتصاد الأميركي بعد ذلك تباطؤًا حادًّا، وستكون التداعيات المالية الدولية أكثر حِدَّة.

التراجع..

وينوِّه التقرير إلى أنه يصعُب على خبراء الاقتصاد التنبؤ بالمستقبل، ويحتاج المُحلِّلون إلى أن يعتدلوا في توقُّعاتهم، إذ لا يعلم أحد المسار الذي سيتخذه التضخم في “الولايات المتحدة”، وكيف سيستجيب “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” لذلك، وما العواقب الوخيمة التي ستتكبدها بلدان أخرى.

ولكنَّ الماضي قد يُتيح دليلًا توجيهيًّا لما قد تبدو عليه الأوضاع في العالم النامي؛ عندما تُشدِّد “الولايات المتحدة” سياساتها النقدية، وفي بعض الحالات، يقدِّم التاريخ بواعث أمل، فعندما رفع “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة من: 1% إلى: 5.25%؛ بين عامي 2004 و2006، لم تشهد اقتصادات الأسواق الناشئة اضطراباتٍ مالية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن الاقتصاد الأميركي والعالمي كان ينمو بسرعة.

وفي منتصف عام 2013، توقَّع مستثمرون أن “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” سيرفع مُعدَّلات الفائدة؛ (ولكنها لم ترتفع في نهاية المطاف)، ونتيجةً لذلك، ارتفعت أسعار الفائدة الطويلة الأجل بواقع نقطة مئوية واحدة، كما حدث حتى الآن. وواجهت عِدَّة أسواق ناشئة انخفاضًا في عمليات الشراء أو البيع المباشر لسندات ديون على أيدي مقيمين أجانب، كما فقدت عُملات هذه الأسواق قيمتها، غير أنَّ كلا التأثيرين تضاءلا في غضون بضعة أشهر.

ويرى الكاتب أن تأثير رفع أسعار الفائدة في الوقت الحالي قد يكون طفيفًا، إذ تمتلك عِدَّة بلدان ذات دخل متوسط، بما في ذلك معظم البلدان الكبرى، مؤسسات اقتصادية؛ (ومنها البنوك المركزية المستقلَّة)، أقوى مما كانت تمتلكه في السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي، أو حتى خلال العقد الأول من هذا القرن.

وأصبحت هذه البلدان أقل اعتمادًا على الاقتراض بـ”الدولار”، فضلًا عن امتلاكها احتياطيات أكبر من النقد الأجنبي، كما تسمح هذه البلدان بتعويم قيمة عُملاتها أكثر مما كانت عليه الأوضاع في الماضي، ما يعني أنها قد تسمح بانخفاض عُملاتها خلال الأوقات العصيبة من دون إثارة هذه التداعيات الاقتصادية المحلية الحادَّة. وبالإضافة إلى ذلك، يُساعد ارتفاع أسعار السلع الاقتصادات الناشئة والنامية التي تُصدِّر سلعًا أساسية، والتي يمكنها الآن بيع بضائعها بأسعار أعلى.

ولكن هناك عِدَّة بلدان فقيرة ليست محصَّنة بالكامل، فضلًا عن أن التضخم في “الولايات المتحدة” يبلغ أعلى مستوى له منذ عقود. وقد يكون تعديل سياسة “واشنطن” مفاجيئ أكثر من أي إجراء اتخذته “الولايات المتحدة”؛ منذ عام 1994، وقد تتفاقم الإجراءات التي يتخذها “مجلس الاحتياطي الفيدرالي”؛ بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في البنوك المركزية الأخرى، نظرًا إلى أن كثيرًا من الاقتصادات المتقدمة والناشئة تتصدى أيضًا لارتفاع معدَّلات التضخم، وسيأتي هذا التشديد في الوقت الذي لا يزال فيه الاقتصاد العالمي يتصدى لتداعيات تفشِّي جائحة (كوفيد-19)، فضلًا عن اندلاع الحرب في “أوكرانيا”.

ويختم الكاتب تقريره بالقول: منذ أن بدأ تفشِّي جائحة (كوفيد-19)، ناقش “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” وأغنى بلدان العالم؛ ضرورة عرض تخفيف أعباء الديون لأفقر الدول وغيرها من البلدان التي تواجه أشد التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشِّي الجائحة، ونظرًا إلى أن “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” يعمل على السيطرة على التضخم في “الولايات المتحدة”، فسُتصبح ضرورة هذا التخفيف أكثر إلحاحًا، وقد يكون الجزء الأكبر من العالم النامي قادرًا على تجاوز هذه العاصفة، ولكن إذا ارتفعت أسعار الفائدة الأميركية ارتفاعًا حادًّا، فسيحتاج مزيد من البلدان إلى دعم مالي دولي كما ستواجه إعادة هيكلة الديون لتفادي الانكماشات الاقتصادية الكارثية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة