بعد أن كان منصب رئيس الوزراء الشُغل الشاغل والمؤثر الذي يجب إختياره بعناية فائقة يتماشى مع تطلعات ورغبات قادة المكون السُني والكُردي وذلك العُرف السياسي الذي إعتادت عليه المنظومة السياسية في العراق في دوراتها الإنتخابية الخمسة التي جرت بعد عام 2003 لإختيار الرئاسات الثلاث بتقاسمها بين الطوائف العراقية بحيث تكون رئاسة البرلمان إلى المكون السُني ورئاسة الجمهورية من حصة الكُرد، كان منصب رئاسة الوزراء من حصة الشيعة الذين كانوا يتسابقون فيما بينهم لنيل رضا الطوائف الأخرى من أجل القبول بمرشحهم لمنصب رئاسة الوزراء، أصبح هؤلاء الشيعة في إرباك من مشهدهم السياسي اليوم وفوضى تسير بهم في نفق مجهول إستدرج هذا الإرباك الكُرد والسُنة ليتداخل المشهد السياسي ويزداد تعقيداً وغموضاً خصوصاً بعد أن أصبح منصب رئيس الوزراء ليس هماً للكُرد والسُنة في من يتولى هذه المسؤولية بل للشيعة فيما بينهم.
الدستور العراقي الذي كُتب عام 2005 قد يكون مَنح سُلطات تنفيذية واسعة لمنصب رئيس الوزراء تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية وهذه الصلاحيات التنفيذية جعلت الكثير من الكُتل والأحزاب الشيعية ممن يسيل لها اللعاب لنيل هذا المنصب والإنفراد به حتى أن بعض الكُتل باتت جاهزة ومستعدة للتضحية بحصصها ومناصبها وحتى وزاراتها من أجل الظفر بهذا المنصب.
إلى ذلك أراد الدستور العراقي الحدّ من صلاحيات هذا المنصب عن طريق إضافة عنوان (رئيس مجلس الوزراء) لكي لايسمح لمن يعتلي هذا المنصب التفرد بالحكم والسلطة وخوفاً من عودة الدكتاتورية التي غادرها العراق بعد عام 2003 بإعتبار أن نظامه برلماني وليس رئاسي، لذلك كان من الضروري إيجاد هذه التوصيفات للحدّ والتقنين من صلاحيات رئيس الوزراء بإعتبار أن صلاحية رئيس مجلس الوزراء ستكون مُقيّدة وربما موازية لصوت أي وزير ضمن كابينته الحكومية، لكن بالرغم من كل هذا التقييد إمتلك هذا المنصب صلاحيات واسعة وعلى مدار السنوات السابقة وضمن رؤوساء وزراء العراق الذين إستلموا الحُكم تعززت عندما أُضيفت إلى صلاحياتهم مهمة القائد العام للقوات المسلحة وهو مايعترض عليه البعض وينكره على إعتبار أن وظيفة القائد العام للقوات المسلحة هي وظيفة عسكرية يجب أن يتولاها شخصية لها تاريخ عسكري كوزير الدفاع مثلاً وليس شخصية مدنية كرئيس مجلس الوزراء.
ربما كانت هذه الصلاحيات الواسعة هي السبب الرئيسي في تذّمر وشكوى رؤوساء الجمهورية الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية العراقية فصلاحياتهم لاتعدوا كونها بروتوكولية لايحق لهم المشاركة في القرارات التنفيذية وأن تقتصر مهمة رئيس الجمهورية في أن يكون حامياً للدستور في الوقت الذي تضرب أغلب الكتل السياسية هذا الدستور بعرض الحائط.
في المحصلة فإن خلاّط العملية السياسية التي تخلط فيه الكتل السياسية والأحزاب العراقية مواصفاتها لشخصية رئيس مجلس الوزراء القادم وطوال جميع المراحل السابقة كانت تنتج خلّطة من شخصية ضعيفة مستسلمة لإرادة الكتل والأحزاب يكون مستعداً لتنفيذ رغبات وتوجيهات أغلب الكتل التي أدلت بدلوها لإنتاجه.
الكتل السياسية التي كانت تبحث عن شخصية للقيام بمهمة رئيس الوزراء حسب الطلب باتت اليوم تخشى على مستقبلها السياسي وإستمرارية نفوذها خصوصاً بعد المتغيرات السياسية التي أحدثها الواقع العراقي في تظاهرات تشرين وإنتخابات مبكرة وتغييرات دولية وإقليمية قد تكون عوامل مستقبلية في الإطاحة بالروتين السياسي الذي إعتاد عليه النظام السياسي وهو مايُثير خوفهم وحفيظتهم ويجعلهم في تنافس محموم للظفر بهذا المنصب السيادي الذي يُديم الحياة السياسية للأحزاب، لكن الاهم هو هل ستستمر دورة الحياة السياسية في العراق بهذا الإنغلاق والتكرار؟…قد تكون الأيام القادمة والأحداث هي من يُجيب على هذا السؤال.