انطلى على الكثير من ان سبب تنحية عمران خان مواقفة المناهضة الى امريكا حيث حاول عمران تضخيم قضية أمريكا وراء نهايته وأن تدخل قوى أجنبية تقف وراء الإطاحة بحكومته “المنتخبة ديمقراطياً” لكي ينال الشعبية التي ربما تساعده في حال الذهاب لانتخاب مبكرة .. ولكن السبب الرئيسي وراء اقالته تتمثل في اتجاهين الاول سبب اقتصادي والسبب الثاني علاقته بايران، حيث منذ وصول خان إلى سُدّة الحكم في إسلام أباد، اتخذ قراره بالوقوف مع الصين وروسيا وبطبيعة الحال مع إيران، الأمر الذي أدّى لتوقّف المساعدات الأمريكية والعربية التي تقودها السعودية، غير أن خان واصل رهانه على تلك الدول، إلا أنه اختار الرهان على الفرس الخاسر، فالصين التي وعدته بقروض كبيرة ومشاريع استراتيجية من خلال مشروع الحزام والطريق، حيث وعدت بيجين إسلام أباد بتمويل مجموعة من مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء باكستان والتي تهدف إلى التحديث السريع لشبكات النقل الباكستانية والبنية التحتية للطاقة والاقتصاد الا ان هذا لم يحصل لذلك بدأت مُحاولات العزل بعد تحميله مسؤولية تدهور الاقتصاد وعدم الوفاء بوعوده الانتخابية، حيث تمكنت المعارضة من جمع 174 صوتاً في مجلس النواب المؤلف من 342 عضواً لدعم اقتراح سحب الثقة من خان، وقبلها حاولت المعارضة إقناع الجيش بالتخلي عن عمران، مستغلة مرور البلاد بضائقة اقتصادية شديدة، بعد توقف المساعدات الخليجية والأمريكية للبلاد، والأكثر من ذلك وقوف عمران بجانب الروس في حربها على اوكرانيا التي قضت على توجهاته السياسية، خصوصاً بعد زيارته الى موسكو قُبيل الحرب بيوم وإعلانه الوقوف إلى جانب بوتين، وهو الأمر الذي أغضب أمريكا الحليف التاريخي لباكستان، ومن أخطاء خان ايضاً انه تنكر الى علاقاته مع العرب وخصوصاً السعودية ودول الخليج وذهب بتوسيع علاقاته مع ايران وزيادة التعاون معها في مجال الاقتصاد والطاقة وتم فتح معبرين حدوديين جديدين بين باكستان وإيران خلال العام الاخير الذي ادى الى مزيد من التسهيل في مجال التنقل بين الجانبين، والاكثر من ذلك لعب دور في التقارب بين ايران وافغانستان، والذي قال إن باكستان وإيران بلدين جارين يمكنهما لعب دور مهم في إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان. بالاضافة الى التعاون العسكري مع ايران من خلال استقباله رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية اللواء محمد باقري في إسلام أباد التي وصفت في غاية الاهمية خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز أمن الحدود المشتركة .. وقبلها اعتبر عمران خان الحظر الاميركي المفروض على الشعب الايراني بانه يعد خطوة جائرة وغير عادلة مطالبا الرئيس الاميركي دونالد ترامب في حينها بالغاء هذا الحظر. ومن جانبه أعرب وزير الخارجية الباكستاني عن تعازيه لاستشهاد الفريق سليماني وتحطم الطائرة الركاب الأوكرانية، معتبرا أن اغتيال الفريق سليماني كان مروعًا جداً وأن باكستان لن تسمح باستخدام أراضيها لتهديد البلدان الأخرى وخاصة إيران، مؤكدا أن اسلام آباد تعتبر نفسها شريكا مع طهران في السلام والاستقرار. ومن جهة اخرى قال عمران خان خلال لقائه بسادن العتبة الرضوية الشيخ أحمد مروي ان باكستان ترغب في رفع مستوى علاقاتها مع ايران مشيداً بجهوده كرئيس الوزراء لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الى أفضل ما يمكن، واضاف ان “باكستان تمر بمرحلة صعبة ونريد إدارة البلاد وفقاً للمبادئ والتعاليم النبوية”، كما اعرب سادن العتبة الرضوية عن بالغ ترحيبه برئيس الوزراء الباكستاني وتبركه بالامام الرضا في هذه الزيارة متمنيا ان تشمل بركات الامام علي بن موسى الرضا الشعبين الايراني والباكستاني، ووفقا لوكالة مهر للأنباء اوضح متولي العتبة الرضوية ان مودة الشعب الباكستاني للثورة الاسلامية والامام الخميني (رضوان الله عليه) وكذلك قائد الثورة الاسلامية هي ظاهرة منقطعة النظير وفرصة استثنائية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين .. هذا التقارب مع ايران كان السبب في حالة الفتور والبرود وربما التوتر في العلاقات السعودية الباكستانية، وهي التي لم تتعكر يوماً. وقبل الحديث عن تفاصيل توتر العلاقات مع السعودية لابد من استعراض الجذور التاريخية للعلاقات السعودية الباكستانية التي تعود إلى حقبة الستينيات عندما درب عناصر من الجيش الباكستاني القوات المسلحة السعودية في تلك الفترة، وتلاها مزيد من التعاون العسكري في فترة السبعينيات والثمانينيات، وايضاً خلال تلك الفترة دفعت السعودية لباكستان ملايين الدولارات عندما كانت تسعى فيها باكستان لبناء قنبلة نووية، وعندما أصبح الوضع الاقتصادي في باكستان في حالة أكثر فوضوية زاد اعتمادها على السعودية، حيث أجلت السعودية مدفوعات القروض لواردات النفط، وساعدت في بناء شبكة كبيرة من المدارس الدينية، وخففت من آثار العقوبات بعد التجارب النووية الباكستانية في 1998، وفي المقابل حصلت السعودية على المساعدة العسكرية الباكستانية. ولكن عند وصول خان الى الحكم امتنع من الانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ورفض المشاركة في إرسال قوات في “مهمة التدريب لتقديم المشورة للتحالف السعودي وهو ما أغضب الرياض .. وبعد المزيد من الضغط زار عمران خان السعودية لحضور منتدى “دافوس في الصحراء” واللقاء مع الملك سلمان بن عبد العزيز ومن خلال تلك الزيارة حصلت باكستان من المملكة على حزمة من المساعدات بقيمة 6.2 مليار دولار، منها 3 مليارات دولار من المساعدات النقدية واخرى إمدادات نفط وغاز بقيمة 3.2 مليار دولار على دفعات مؤجلة. ولكن سرعان ما عاد التوتر من جديد، إذ قبل مغادرته لحضور القمة، أعرب خان عن قلقه إزاء مقتل خاشقجي، والاكثر من ذلك قرر حضور مؤتمر في ديسمبر 2018 في كوالالمبور، نظمته ثلاث دول تشترك في علاقة سيئة مع السعودية، وهي تركيا وماليزيا وإيران ليكون بديل عن المؤتمر الاسلامي الذي اسسته السعودية من 41 دولة اسلامية ولكن قرر في اللحظة الاخيرة عدم الحضور لانه علم مسبقاً بفشل المؤتمر قبل انعقاده بسبب عدم تلبية الحضور لكثير من الدول . . ولغرض ازالة التوتر زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العاصمة إسلام آباد في فبراير 2019، وعقد فيها عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية بقيمة 20 مليار دولار، وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قالت وكالة الأنباء السعودية إن الصندوق السعودي للتنمية سيودع ثلاثة مليارات دولار لدى البنك المركزي الباكستاني لمساعدة الحكومة الباكستانية على دعم احتياطاتها من العملة الأجنبية، وأضافت الوكالة أن توجيها صدر أيضا للصندوق بتمويل تجارة المشتقات النفطية الباكستانية بمبلغ مليار ومئتي مليون دولار خلال السنة، وبذلك تلقت العملة الباكستانية دعما من الوديعة السعودية، وزادت روبية واحدة مقابل الدولار وبذلك اعرب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أعرب عن امتنانه للسعودية لإيفائها بالتزاماتها،
لكن التوتر عاد مجدداً في أغسطس 2020، عندما حذّر وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، من بحث إسلام آباد عن دعم إقليمي في مكان آخر إذا لم تدعُ السعودية إلى عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن أزمة كشمير مع الهند.
بينما قالت أوساط خليجية إن زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى السعودية واستقباله على مستوى عال لا يعني أن الأمور ستعود إلى نصابها كما كانت من قبل، وأن القيادة السعودية تريد اختبار مدى جدية خان في العودة ببلاده كحليف استراتيجي حقيقي للمملكة بعد الهزات التي عرفتها العلاقات الثنائية منذ استلامه رئاسة الحكومة في 2018. وأشارت تلك الأوساط إلى أن السعودية تريد عودة قوية للعلاقة مع باكستان، لكنّ الأمر متروك إلى خان إن كان سيقدر على الالتزام بهذا التحالف والتوقف عن اللعب على حبال متعددة خاصة ما يتعلق بالتحالف مع إيران وتركيا في سياق مسار ابتزاز السعودية والضغط عليها لضخ المزيد من الأموال والاستثمارات لحكومته دون أيّ التزام بمواقف داعمة لها في القضايا الإقليمية الخلافية، ولفتت إلى أن القيادة السعودية قد قطعت مع مسار سابق يقوم على إغداق الأموال على دول إسلامية، وعلى رأسها باكستان، دون مقابل، وأن الاستراتيجية الحالية تقوم على معادلة واضحة وهي تبادل المصالح والدعم المالي مقابل المواقف الواضحة في القضايا الإقليمية، وهي المعادلة الصعبة التي وجدها خان أمامه في الرياض، إذ لا يمكن أن يكون حليفا للسعودية وتكون مواقفه أقرب إلى إيران في موضوع اليمن، أو خادما لخطط تركيا في بناء منظمة إسلامية مناوئة لمنظمة التعاون الإسلامي بهدف استهداف الزعامة الإسلامية للسعودية حيث جاهر خان إعجابه بسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويمتدح كل ما يتعلق بتركيا وهو إعجاب مدعوم من قطر التي تعمل على إبعاد إسلام أباد أكثر عن الرياض. ولا يختلف الأمر مع الإمارات والكويت الذي توترت العلاقات بسبب حرب اليمن مما أدى إلى تقليص الإمارات المساعدات التي كانت تقدمها لباكستان، وزيادة علاقاتها مع عدوها الهند، وهو ما حاول خان التخفيف منه بعد زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الى باكستان في يناير 2018، والتي وافقت الإمارات على منح إسلام آباد قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن يزور عمران خان، أبوظبي في نوفمبر 2018، ثم زيارة أخرى أجراها بن زايد في يناير 2020 .. لذلك اعتبر الشعب الباكستاني سياسة عمران خان الجاحدة مع الاصدقاء وخروجاً عن المألوف في العلاقة التاريخية مع الدول العربية وخصوصاً السعودية ودوّل الخليج والتقارب مع ايران على حساب تلك العلاقات مما اثار استياء الشعب الباكستاني والقوى الاسلامية الذين وقفوا بالمرصاد لتلك التوجهات، فقام البرلمان بعزل عمران خان الذي اخذ يتذرع ويشيع ويضخم ان امريكا وراء نهايته وأن تدخل قوى أجنبية تقف وراء الإطاحة بحكومته وان عملاء امريكا سبب ازاحته من السلطة حسب الاسطوانة التي ترددها ايران .. بينما ما تقدم هي القصة الحقيقية وراء عزل عمران خان عن السلطة وليس كما اعتقد البعض بأنه بطل قومي مجرد ما يشاع كونه اتخذ مواقف مناهضة لامريكا .