ذكر شيخ عشائر الدليم في الأنبار، الشيخ على حاتم السليمان، بأن القاعدة موجودة في معسكرات معروفة للجميع في صحراء الأنبار، ولم تكن موجودة داخل المدن الاهله بالسكان قبل احداث الاسبوع الماضي في الرمادي والفلوجة. كما اكد ان الحكومة لا تستهدف الإرهاب الحقيقي في الصحراء وانما المدن، مضيفاً بان الحكومة تستفيد من هذه المعسكرات ” كمبرر” لضرب المدن واستهداف خصومها السياسيين بدلا من الإرهابين.
يعيدنا هذا الحديث الى ما قالة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زيارته الاخيرة لواشنطن حيث تحدث في معهد السلام عن ضرورة قيام حرب عالمية ثالثة ضد الإرهاب. لكن السؤال المطروح هو ماذا يقصد المالكي بالإرهاب؟ هل المقصود هو الإرهاب المتمثل بتنظيم القاعدة او داعش، اما انه يعني ضمنياً كل خصومه السياسين الذين ينافسوه على منصب رئيس الوزراء بما فيهم المشاركين في العملية السياسية في العراق؟ وماذا عن المليشيات الاخرى المتمثلة بكتائب حزب الله التي تستهدف المصالح الاجنبية في العراق والقوات التي يقودها واثق البطاط والتي قصفت المملكة العربية السعودية قبل اشهر من داخل العراق؟ وماذا عن عصائب اهل الحق التي تستهدف بعض الشخصيات السياسية او الفعّالة؟ للاجابة على هذا التسؤالات يجب مراجعة مجموعة من الافكار:
الفكرة الاولى : تجري في العراق حوالي 68 عملية إرهابية شهريا ينتج عنها بمعدل 1000 قتيل عراقي، وهناك مفهوم اعلامي سائد بان الفاعل هو دائماً القاعدة من دون الاستناد الى اي تحقيق. فهل المقصود تظليل هوية الفاعل؟ ام ان الفاعل والمجرم الوحيد هو القاعدة؟
لا يمكن ان يختلف اثنان عاقلان على ان تنظيم القاعدة هو تنظيم اجرامي يتبنى فكراً مريضاً ولا يعترف بالاخر، لكن هناك ضرورة قصوى لان نعرف هوية الفاعل الحقيقية. لا يجوز ان نفقد عقلنا ونتبع الاعلام السائد والمدفوع له ثمنا للترويج لفكرة ولاضاعة فكرة اخرى، كما لا يجوز لنا ان نتخذ من القاعدة الشماعة التي تعلق عليها كل الجرائم دون اي تحقيق بالرغم من ان القاعدة مسؤولة عن معظم العمليات الاجرامية.
الفكرة الثانية : يتذكر الجميع جريمة سامراء حيث تم تفجير مرقد الامامين العسكريين في شباط 2006 والذي أدى الى ما يشبه حرب أهلية حقيقية قتل على اثرها الآلاف من العراقيين، وتوالت وسائل الاعلام العراقية و العربية و من ثم العالمية لتناول الموضوع على أساس ان تنظيم القاعدة هو الذي فجر مرقد الامامين. لكن الفاجعة كانت كبيرة لنا عندما تحدث الجنرال جورج كيسي، رئيس أركان الجيش الأميركي الاسبق والقائد السابق لقوات التحالف في العراق، اثناء وجوده في باريس 2013 لحضورة مؤتمر نحو الحرية معترفاً بامكانية ان تكون ايران هي من فجر المراقد الشيعية في سامراء: ” لم نبدأ برؤية الاثر الكامل للنفوذ الايراني الا بعد تفجير ضريح العسكريين في سامراء في شباط 2006.” ان هذا الاعتراف الخطير لشخصية عسكرية هو دليل قاطع يثبت ان من قام بهذا التفجير هي جهة إرهابية لبست قناع القاعدة.
الفكرة الثالثة : في مقابلة تلفزيونية لقناة العربية مع النائب في البرلمان العراقي الدكتور طلال حسين الزوبعي ، وهو أستاذ في العلوم السياسية، اعترض الدكتور الزوبعي على تقرير اخباري بثته قناة العربية تحدث عن تفجير خمسين مقهى في بغداد على يد خمسين انتحاريا، قائلاً بانها لم تفجر من قبل انتحاريين وانما تم تفجيرها من خلال خمسين عبوة ناسفة زرعت في المقاهي، وبان هناك من يريد ان يضيّع المجرم الحقيقي من خلال القول بان القاعدة هي من تقف وراء التفجيرات. الدكتور الزوبعي يقصد بان هذه المقاهي فجرت من قبل مليشيات تقوم بزراعة هذه العبوات اثناء الليل وبحراسة من بعض قوات الامن المتواطئين مع هذه المليشيات.
الفكرة الرابعة : اعلن المالكي قبل عدة ايام عن هجومه في الأنبار ضد تنظيم القاعدة في وادي حوران والصحراء الا انه سرعان ما غيرت قوات المالكي اتجاهها نحو مركز مدينة الرمادي التي تبعد 300 كيلو متر عن مكان الهدف الحقيقي – اي تنظيم القاعدة الإرهابي المتواجد في الصحراء. اتجهت القوات نحو منزل النائب في البرلمان العراقي الدكتور احمد العلواني- صاحب خطاب سياسي ذات مضامين معادية لايران- وهاجمت منزله وقتلت شقيقه كما جرحت شقيقته قبل الاعتداء على النائب بشكل وحشي. فهل كانت هذه العمليات مجرد تصفية حسابات سياسية ولكن بتغطية ما يسمى مكافحة الإرهاب؟
يبدو ان العملية العسكرية التي كانت تهدف الى مكافحة الإرهاب في الأنبار مجرد “اكذوبة كبرى” واستهداف سياسي قبل الانتخابات البرلمانية القادمة. ويمكن تحليل هذا الهجوم من خلال ثلاث عوامل رئيسية:
العامل الاول : لقد ذكر الكثير من المحلّلين ان المالكي قد يجدد لولاية ثالثة وبان هناك احتمال بان يتحالف مع كتلة متحدون التي يقودها رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي الذي قد يحصل على رئاسة الجمهورية مقابل بقاء المالكي في رئاسة الوزراء. الا ان هذا التحليل اصبح غير فعّال خاصة بعد ظهور شخصية جديدة وهي الشيخ خميس الخنجر رجل الاعمال العراقي الذي يشبه دوره في العراق دور مارك حنا النافذ في تاريخ الولايات المتحدة. وكان الشيخ الخنجر يدعم القائمة العراقية ماليا واستشاريا بعدما شعر بان ايران ستكون الطرف الاقوى في العراق في حال تحققت حكومة المالكي – النجيفي. فبادر الشيخ الخنجر الى انشاء تحالف جديد اسماه “الكرامة” وحدد برنامج سياسي يمثل مطالب المتظاهرين في ساحات الاعتصام. وكان الدكتور العلواني الرجل الذي يعمل في الميدان لانشاء هذا الائتلاف الذي كان يهدف الشيخ الخنجر من خلاله الى اضعاف امكانية تحقق سيناريو المالكي النجيفي.
العامل الثاني : يبدو ان المالكي قد اخطأ خطأً فادحا في هجومه حيث قامت عشائر الأنبار بثورة عارمة وسلم 60 مقاتلا عراقيا انفسهم للعشائر دون قتال لانهم شعروا بانهم يقاتلون اخوتهم. هذا الامر دفع النجيفي الى الغاء وثيقة الشرف الموقعة مع المالكي واستقال 66 نائبا من كتلته البرلمانية، وبذلك الغى فكرة التحالف مع المالكي عمليا. بالاضافة الى ذلك، فان دعوة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي لاستقالة الوزراء وضعت المالكي في ورطة سياسية كبيرة غير محسوبة العواقب.
العامل الثالث : ظهور داعش الكبير والمفاجىء بعد مهاجمة الجيش العراقي لمدينة الرمادي واعتقال النائب العلواني وايضاً اقتحام ساحات الاعتصام -حيث تم قتل 17 متظاهرا مسالما- اغضب العشائر الأنبارية التي شعرت بان الجيش لا يقاتل القاعدة لاجلها بل انه جاء لقتال العشائر متذرعاً بوجود القاعدة. وفعلا، انسحب الجيش العراقي واعلن المالكي عن الانسحاب لتلافي مظهر الهزيمة خاصة بعد مطالبة منظمة هيومن رايتس وتش بالتحقيق في عمليات القتل وعملية اقتحام ساحات الاعتصام. في هذه الاثناء، ظهرت داعش بقوة ويبدو انها كان تنتظر التوقيت المناسب للدخول من الاراضي السورية ومن الصحراء العراقية.
هناك اكثر من مجرم في العراق والقاعدة واحدة منهم. لكن المشكلة الحقيقية والأساسية هي ان المجرمين الاخرين غائبون او مغيبون في الاعلام وهم مستمرون بعملياتهم من دون اي عقاب والقاعدة وحدها التي تظهر في الصورة.
* كاتب عراقي و مدير شركة الشرق للبحوث والتدريب في بغداد