لم يهتز إستحيائهم أو خجلهم وهم يودعون صاحبهم رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي محمولاً بطائرة خاصة إلى المملكة الأردنية الهاشمية لغرض علاجه من وعكة صحية دون أن يُكمل علاجه في مستشفيات بغداد.
ولم تنتفض غيرة وإحساس ذلك المسؤول وهو يرى بلداً مثل الأردن لاتتجاوز ميزانيته مامقداره إيرادات شهر واحد من الأموال المستحصلة لتصدير النفط العراقي عندما أعلنت وزارة النفط العراقية أن مجموع إيرادات تصدير النفط لشهر آذار فقط بلغ (11) مليار دولار، أي مايعادل موازنة الأردن السنوية التي يتعالج في مستشفياتها أياد علاوي.
هو ربما إعلان حكومي مُبطّن أن المواطن الذي يكون غير قادر على السفر للعلاج عليه أن يكتب شهادة وفاته في بلد موازناته إنفجارية لايستطيع توفير العلاج لمسؤول في الدولة فكيف بهذا المواطن البسيط.
لم تجد الحكومات المتعاقبة حلولاً واقعية وجدّية للواقع الصحي في العراق، بل ترقيعية تدل على مديات الإستهتار بالشعب وصلت إلى حدود إنشاء هياكل وكرفانات قابلة وسريعة للإشتعال تؤوي مرضى هربوا إليها من وباء كورونا لإنقاذهم، لكن الكارثة أن النار وهشيمها إلتهمتهم قبل أن يفتك بهم وباء كورونا بسبب الإهمال والفساد.
وبالرغم من كل تلك الوفرة المالية والإيرادات المتحققة إلا إن القطّاع الصحي ظل مُهملاً بإنتظار من ينتشله من واقعه المزري، حيث لم يجد نقيب الأطباء وصف يليق بالواقع الصحي سوى مقولته (أن الأطباء يحاربون بإسلحة تم إنشاؤها عام 1985) في إنعكاس للمشهد الصحي البائس في العراق.
وبدل أن تستورد وزارة الصحة العراقية أحدث الأجهزة الطبية وآخر ماتوصلت إليه التكنولوجيا الحديثة في مجال الطب، إستوردت في عهد وزيرتها عديلة حمود بحكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي (أحذية طبية) بمبلغ (900) مليون دولار كلفة النعل الواحد (27) دولار، في الوقت الذي لايجد فيه المواطن المغلوب على أمره في هذا البلد ثمن حبة الباراسيتامول، وربما لايعلم الكثير أن مدينة بغداد الطبية التي تقع على ضفاف نهر دجلة من جانب الرصافة يرجع تاريخ بناؤها إلى عام 1961 وتعتبر من أكبر المجمعات الطبية في العراق، وقد تم تطويرها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي دون إيجاد بديل أو بدائل لهذا الصرح الطبي القديم.
ليس بجديد ولا مفاجئ إذا قيل أن الفساد وصراع الأحزاب للظفر بحصة هذه الوزارة (ذات الخُبزة الوفيرة) وميزانياتها المسروقة وإنعدام مواكبة التطور التكنولوجي في مجال الطب جعلت من القطّاع الصحي في العراق نموذجاً حياً لطريق الموت الذي يسير فيه المرضى وهم ينظرون، يأخذ في طريقه كل حياة وما أرخصها.
ففي نيسان من العام الماضي إلتهمت النيران ردهة الطوارئ للإنعاش الرئوي في مستشفى إبن الخطيب جنوب بغداد أودى بحياة (82) شخصاً من مرضى كورونا وإصابة (110) آخرين بحروق متفاوتة، وبعد هذا الحادث بأشهر لقي مايقارب (92) شخصاً حتفهم وأُصيب العشرات بعد إندلاع حريق في جناح عزل مرضى كورونا في مستشفى بمدينة الناصرية، وقبلها في آب عام 2016 إندلع حريق أنهى حياة (13) طفلاً حديثي الولادة من (خُدّج) قسم التوليد بمستشفى اليرموك في حريق أثبت أنه مفتعل وفق ماتوصلت إليه لجنة خبراء.
وبعد كل الذي قيل ويُقال ترك ذلك السياسي أياد علاوي مستشفيات العراق وغادرها إلى دولة مجاورة موازنتها تعادل موازنة محافظة عراقية واحدة، لكن ماذا يفعل المواطن الفقير الذي لاحول له ولاقوة، وماذا كانت تفعل وفعلت حكومات متعاقبة موازناتها إنفجارية إذا لم تهتم بالقطّاع الصحي جعلت أوجاع المرضى تتضاعف وتتزايد في بلد يتكالب عليه الفساد والسُرّاق واللصوص وإنعدام الخبرة والتخلف في قتل المواطن البسيط، أليست هذه كارثة تحدث في بلد غني مثل العراق يطفو على بحار من النفط؟.