وكالات – كتابات :
للمرة الثالثة خلال أقل من عشر سنوات؛ تضخ دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد المصري، لكن يبدو أن الأهداف هذه المرة مختلفة، فاقتصاد أكبر الدول العربية سكانًا يمر بمرحلة ضعف قد لا تُشجع على الاستثمار من الأساس.
إذ رصد تقرير لوكالة (رويترز)؛ توجيه دول عربية خليجية ما يصل إلى: 22 مليار دولار لـ”مصر”، لمساعدتها في التغلب على أزمة حادة في العُملة، وهي ثالث عملية إنقاذ من نوعها خلال أقل من عقد، لكن محللين يرون أن دول الخليج تبدو هذه المرة وكأنها تُشدد الشروط من خلال السعي إلى أصول ملموسة، بالإضافة إلى ودائع “البنك المركزي”، وهو مطلب قد يُزيد التكلفة على “مصر”.
خلال الأسبوع الماضي؛ قالت “السعودية” إنها أودعت: 05 مليارات دولار لدى “البنك المركزي” المصري، وإنها ستضخ المزيد من الاستثمارات التي يمكن أن تجلب لـ”مصر” ما يصل إلى عشرة مليارات دولار من العُملات الأجنبية.
مجلس الوزراء المصري، من جانبه؛ قال إن “قطر” تعهدت بصفقات استثمارية: بخمسة مليارات دولار، ومن المتوقع الإعلان قريبًا عن تفاصيل بشأن شراء “صندوق أبوظبي السيادي”؛ (إيه. دي. كيو)، لحصص تُشير تقارير إلى أن قيمتها تبلغ: ملياري دولار.
شركات الجيش المصري..
وكالة (بلومبيرغ) الأميركية نشرت تقريرًا عنوانه: “منافسة خليجية على محطة طاقة وشركة وقود للجيش المصري”، رصدت سعي: 03 دول خليجية لشراء حصص في شركة توزيع وقود مملوكة للجيش المصري ومحطة طاقة، وذلك في إطار تعهداتها الاستثمارية، وفقًا لما نقلته عن الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي؛ “أيمن سليمان”.
المسؤول المصري؛ أشار إلى أن: “العديد من المستثمرين الدوليين، ومن بينهم صناديق الثروة السيادية الخليجية، أظهروا اهتمامًا بالشركة الوطنية ومحطة طاقة شيدتها شركة (سيمنز-Siemens)”، وهي شركة ألمانية متعددة الجنسيات، وأوضح أن المخطط يشمل إتمام عمليات البيع هذا العام، إما عن طريق طرح إكتتاب أولي، أو عن طريق شراكة مع مستثمر إستراتيجي، أو عن طريق مزيج من الأمرين.
وفي المقابلة مع الوكالة الأميركية، أضاف “سليمان”: “أرى أن علينا تأمين وجود مستثمر إستراتيجي قبل طرح الإكتتاب الأولي. يمكن إتمام طرح الإكتتاب الأولي عبر إكتتابٍ خاص يُسند إلى صناديق ثروة سيادية”، مضيفًا أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي و”جهاز قطر للاستثمار” و”شركة أبوظبي القابضة” أعربت جميعها: “عن اهتمامها بدعم وتسريع برنامج طرح الإكتتاب الأولي”.
وبحسب التقرير ذاته؛ يستكشف “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”؛ استثمارات محتملة في “مصر”، بقيمة: 10 مليارات دولار، فيما تمضي “قطر” في صفقات بقيمة: 05 مليارات دولار مع الدولة العربية الأكبر من حيث التعداد السكاني، وكذلك أبرمت الشركة القابضة، وهي “صندوق الثروة السيادي لأبوظبي”، صفقة بقيمة: ملياري دولار لشراء حصص في شركات قطاع عام مصرية.
كانت “مصر”؛ قد أعلنت في البداية عن خطط لبيع إحدى محطات الطاقة التي شاركت في تشييدها شركة (سيمنز)؛ قبل ثلاث سنوات، وسط اهتمام العديد من المستثمرين الدوليين بشراء الأصول.
وفي عام 2020؛ وضعت في الحسبان بيع حصة من “الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية”، لتكون أولى الإيماءات في خطط لعرض الملكية الكاملة لما يصل إلى: 10 شركات يملكها “جهاز مشروعات الخدمة الوطنية”، الذي يرتبط بالقوات المسلحة المصرية.
ويُنتظر أن يُناقش الوزراء؛ هذا الأسبوع، أيًا من الشركات الحكومية سوف يجري عرضها في سوق “البورصة المصرية”؛ في عام 2022، وذلك وفقًا لما أعلنته وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية؛ “هالة السعيد”، في 31 آذار/مارس.
ما المختلف في الدعم الخليجي هذه المرة ؟
“جيمس سوانستون”، من (كابيتال إيكونوميكس)، قال لـ (رويترز)؛ إن: “فورة الاستثمارات الخليجية في مصر تُذكرنا بالفترة التي أعقبت الإطاحة بالرئيس؛ (محمد) مرسي، في 2013، عندما تعهد الخليج بمساعدات مالية قيمتها: 23 مليار دولار”.
إذ أرسلت: “السعودية والإمارات والكويت”؛ إلى “مصر” منحًا وودائع نقدية وشحنات وقود بقيمة: 23 مليار دولار؛ خلال فترة 18 شهرًا، أعقبت الإطاحة بالرئيس المنتمي لـ (جماعة الإخوان المسلمين)؛ “محمد مرسي”؛ في 2013. وأتاحت تلك المساعدات لـ”مصر” تأجيل اتفاق مع “صندوق النقد الدولي” وإنفاق المزيد على دعم “الجنيه”؛ الذي تعرض لضغوط شديدة بعد ثورة 2011؛ التي أنهت حكم الرئيس؛ “حسني مبارك”، الذي استمر 30 عامًا.
وخلال أزمة ثانية للعُملة المصرية؛ في 2016، خفضت “مصر” قيمة “الجنيه” للنصف، وأودعت “السعودية” حوالي: ثلاث مليارات دولار، وأودعت “الإمارات”: مليار دولار لدى “البنك المركزي”، وأبرمت “القاهرة” اتفاقًا مع “صندوق النقد”؛ في تشرين ثان/نوفمبر 2016.
وواصلت “مصر” تحقيق نمو خلال جائحة فيروس (كورونا)، لكن عجز المعاملات الجارية لديها زاد مع ارتفاع تكاليف الواردات وتضاؤل عائدات السياحة. وقالت الحكومة المصرية؛ الأسبوع الماضي، إنها تُجري محادثات مع “صندوق النقد الدولي” بشأن احتمالات الحصول على أموال ودعم فني للتحوط من آثار الأزمة الأخيرة.
وفي الشهر الماضي؛ زار “السيسي”؛ “السعودية”، واستقبل ولي عهد “أبوظبي”؛ في “شرم الشيخ”، وسط تعزيز “مصر” العلاقات مع الحلفاء الخليجيين ومشاركتها في محور “عربي-إسرائيلي” ناشيء.
“عمرو عدلي”؛ الأستاذ المساعد بالجامعة الأميركية في “القاهرة”، قال إن التدفقات الوافدة من حلفاء “القاهرة” الخليجيين ستطمئن “صندوق النقد”، وتشجع المستثمرين الأجانب على العودة إلى سندات الخزانة المصرية قصيرة الأجل ذات الفائدة المرتفعة، ما يجعل البلاد لا تزال عُرضة للتأثر بالصدمات المالية العالمية. وأضاف: “هذه رسالة مفادها أن لدينا أصدقاء أثرياء وأن هؤلاء الأصدقاء الأثرياء على استعداد للتخلي عن المال في أوقات الحاجة”.
وكان “البنك المركزي” المصري؛ قد سمح بتراجع “الجنيه المصري”، الذي كان مستقرًا؛ منذ تشرين ثان/نوفمبر 2020، بنسبة: 14% مقابل الدولار، في 21 آذار/مارس، بعد أن دفعت العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا”؛ مستثمرين لسحب مليارات الدولارات من أسواق أدوات الخزانة المصرية.
لكن القصة أيضًا لا تخلو من الدعم السياسي..
هناك فريق من المحللين يرون أن العُملة المصرية قد تتعرض لمزيد من الضغوط مع نمو التضخم بفعل ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا، ما يُفاقم متاعب “الجنيه”. وقال (إتش. إس. بي. سي)؛ في مذكرة: “ما زلنا نؤمن بضرورة تبني نظام أكثر مرونة لسعر الصرف للتعامل مع نقاط الضعف في الحساب الخارجي لمصر القائمة منذ فترة طويلة”.
“ولكن مع الانفراجة التي توفرها التدفقات الثنائية وعدم وجود شروط على صعيد السياسة مرتبطة بها على ما يبدو، فإن الضغط من أجل تغيير جوهري في نظام سعر الصرف قد يكون بصدد التلاشي”، بحسب تقرير (رويترز).
وقالت “مونيكا مالك”؛ من (بنك أبوظبي التجاري)؛ لـ (رويترز)؛ إنه نظرًا لأن “مصر” قد تجاوزت حصتها من الاقتراض من “صندوق النقد الدولي”، فإن أي مساعدة جديدة يمكن أن تشمل تمويلاً من مؤسسات أخرى متعددة الأطراف ومكونات ثنائية مثل دول “مجلس التعاون الخليجي”. وقالت: “من المُرجح أن تساعد إجراءات الدعم الخليجية؛ مصر، على تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي بموجب معيار الوصول الاستثنائي”.
لكن فورة الاستثمارات الخليجية المتدفقة على “مصر”؛ هذه المرة لا تخلو من البُعد السياسي، إضافة إلى الاختلافات في الشق الاقتصادي. ففي المرات السابقة، الدعم الخليجي لنظام الرئيس؛ “عبدالفتاح السيسي”، الذي كان وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس الراحل؛ “محمد مرسي”، كان عبارة عن مساعدات مالية مباشرة، لكن هذه المرة تسعى الدول الخليجية إلى شراء أصول تُحقق أرباحًا بالفعل.
وبالتالي؛ فإن سعي دول الخليج لدعم الاقتصاد المصري، الذي يُعاني من تزايد الضغوط بسبب ارتفاع أسعار السلع؛ نتيجة العملية الروسية في “أوكرانيا”، يأتي هذه المرة: بـ”أعين مفتوحة”، كما قال خبير اقتصادي مصري لـ (رويترز)، موضحًا أن الشركات المعروضة للبيع أو الاستثمار فيها شركات رابحة وفي مجالات هامة كالطاقة والتكنولوجيا، وبالتالي فإن الاستثمار فيها متوقع أن يُحقق ربحًا لأصحاب رأس المال.
وفي الشق السياسي، لا تُريد دول الخليج أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بالفعل في “مصر”، لدرجة قد تُهدد استقرار النظام، وهو النظام الذي ضخت بعض تلك الدول المليارات فيه كمساعدات وهِبات للحفاظ عليه ودعمه، وبالتالي فإن الاستثمارات هذه المرة تهدف أيضًا إلى تفادي اندلاع انتفاضة شعبية بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
وكانت وكالة الأنباء السعودية؛ قد أعلنت الأربعاء 30 آذار/مارس 2022، أن المملكة أودعت مبلغ: 05 مليارات دولار لدى “البنك المركزي” المصري، في وقت تواجه فيه “القاهرة” تحديات نقدية واقتصادية متصاعدة، فيما كشف مجلس الوزراء المصري أن حكومتي البلدين وقّعتا اتفاقية لكي يستثمر “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”؛ في “مصر”.
واعتبرت الوكالة: الوديعة “تأكيدًا لتميُّز الصلات الثنائية بين البلدين والشعبين، في جميع المجالات وعلى كل المستويات، واستمرارًا من المملكة ضمن الجهود الحثيثة ودورها الريادي الدائم، في دعم مصر”، منوهة بأن هذا الأمر جاء على خلفية توجيهات من الملك “سلمان بن عبدالعزيز”؛ وولي العهد؛ الأمير “محمد بن سلمان”.