كيف لك أن تتخيل إنني الآن أسير في شوارع مهجورة وتحت سماء ملبدة بغيوم سوداء وبين الحين والآخر أسمع دوي سقوط الشجر….
حتى أصل إلى الضفة المجاورة وأعبر حدود وهمية بخوف أنثى أخذك معي وأتسلل إلى داخل كهوف الورق وأكتب إليك حتى أختبئ من هذا الضجيج وهذا الظلام المعتم…
الآن أنا في منتصف ورق ورعب أحاول فك أزرار حديث طويل معك وأحادثك بأبجدية الكلمات لا عبر ذبذبات هواتفنا الجامدة.. تعال نخترق صوت الرعد الماطر ونحشو آذاننا بمفردات رسائلنا…
وَصفتنّيْ مرة بأنني أنثى الوقت الهاربة من الحياة وإنني ارتدي معاطف الكلمات حتى في حرائق حزيران و أركن الواقع في الزوايا الفارغة وأرتمي في شذرات الخيال.. لا يا سيدي كنت أنثى أطوق إلى ذاك الضوء الآتي من خلف الأحلام الملونة.. و أرتدي الفصول لا الأثواب وإنني أقيم كناسكة في صومعة الورق….
أنصت إلى الصوت الآتي من خلف الشبابيك ورأسي يطفو فوق سطح السطر أحاول أن اجعل من أحرفي تصلك خالية من رائحة الصمت وشبح المدن المهجورة هل تتخيل مدى تعلقي بحرف كطوقُ نجاةً صغير؟ وأنا أَكتُبكَ هنا وكأننا عالقين بين الورق الرمق…
أحتاجُ إلى قواي الورقية الآن أكثر من أي شي آخر حتى اطفئ بها أدخنة المداخن واستبدلها بأبخرة القهوة ونحن نزاحم مقاهي الطرقات وعلى نوافذها دموع المطر لا دمع بشر…
أَتَذكرُ حين أخبرتك عن البحيرات المجمدة والأزهار التي تتفتح ببطئ وعن زفرات الحياة الناعسة في رسالتي إليك من نافذة القطار؟ الآن يا سيدي لم تعد الحياة تتنفس إلا تحت الورق ليوم آخر…
وصلتُ بعد خريف سطر ورأيت زحام من الوجوه المنتظرة .. أخرج الآن من أبواب الورق لعبور سطر آخر ويوم آخر وألتقيك في الجانب الآخر..