22 نوفمبر، 2024 7:26 م
Search
Close this search box.

القوى العظمى والكبرى: أعادة انتاج وتدوير للمواقع في دورة العنف والاستغلال والنفوذ

القوى العظمى والكبرى: أعادة انتاج وتدوير للمواقع في دورة العنف والاستغلال والنفوذ

ضجت الدنيا كلها بالعويل والصراخ في الاسابيع والايام الأخيرة، وبصحيات مدوية؛ اوقفوا الغزو الروسي والعدوان على اوكرانيا وشعبها. امتلأت جميع وسائل الاعلام، المرئي والمسموع والمقروء؛ بالرفض والشجب والاستنكار. جميعها تنقل بالصوت والصورة؛ الدم الذي يسيل في الدروب والطرقات وفي البيوت والساحات، ونازحون؛ هاموا على وجوههم في العراء؛ تهب لنجدتهم جميع مؤسسات حقوق الانسان. تجند الدول الاوربية جميع طاقاتها؛ لتحميهم وتوفر لهم على جناح السرعة؛ ملاذ امن وامان؛ يتوفر فيه الدفء والغذاء. لكن حين تكون من بلاد أخرى، من الركن الأخر من الكرة الارضية؛ لا يهم هنا ان تجوع وتتشرد الملايين في المنافي او في تيه الارض؛ تبحث لها عن مأوى، او اي مكان حتى لو كان بمساحة متر لا غير؛ يحميها او يسد عنها قنابل الاخوة الاعداء، او قنابل اليانكي عندما يغزو البلاد ويحتلها ويعيث فيها كل ما لا يخطر على بال، اي كان وفي اي مكان كان، وفي اي زمان كان؛ لأنهم من بلاد اخرى، هي خارج تغطية الانسان وبرامجه في حفظ حقوق الانسان. انها معادلة اللاعدالة في هذا الكون الذي تتلاعب به قوة المال والطغيان وجبروت الانسان. لم نر في جميع وسائل اعلام الغرب وعلى الراس منه؛ الاعلام الامريكي، شيئا عن جرائم اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، والذي تقترفه اسرائيل في كل ساعة وفي كل حين، على مرأى ومسامع الغرب وكل العالم، وهي جرائم بشعة تطارد حتى الاطفال والنساء والشيوخ، ناهيك عن الشباب بحجج واهية لا اساس لها من الصحة، اي لا وجود لها في الواقع. لم يهتز ضمير العالم الغربي، كما لم يهتز ضمير اعضاء مجلس الامن الدائمين لهول تلك الجرائم؛ التي تقتلع الناس من بيوتهم وتلقي بهم في العراء بلا بيت او اي مأوى، بعد ان تقتلع البيوت من اساسها بجرافات صماء،
لا ضمير لها ولا احساس؛ ليتم على انقاضها بناء المستوطنات. الدول الاوربية وامريكا وغيرهما؛ توصد كل الابواب في وجوه الفارين من مطاحن الموت في بلدانهم، تلك المطاحن التي خلقتها، أو اوجدت بيئتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ شياطين السياسة الدولية، واصحاب القرار في مركز القرارات الدولية في نيويورك، أو في واشنطن، أو في غيرهما من عواصم التحكم الكوني في مصائر الكون والناس على ظهر على هذا الكون الارضي. ان هذا وفي عرف كل انسان حين يكون انسان بكل ما في هذه الكلمة من معاني الانسانية؛ انه عنف التاريخ عندما تخط القنابل والاطماع؛ على لوحة التاريخ البشري في سفره المديد من قبل الميلاد والى الآن. لا فرق يذكر بين ما كان قبل الأف السنين، وبين ما هو كائن الآن، وفي هذه اللحظة؛ انه حقا عنف البشر وطموحه في السيادة والتمدد والاطماع على حساب الرؤية الانسانية لهذا الكون والى الأنسان في هذا الكون. انما وللحق اقول ان هناك فرقا كبيرا بين جميع العصور والعصر الذي نحن فيه الى الآن وقبل الآن بعقود، وبالذات العصر هذا، الذي نحن فيه نعيش؛ هذا الفرق لا يتجسد في؛ ان ما هو كان أو ما هو كان كائن قبل عصور خلت، على ارض الواقع، في واقع مختلف عن هذا الذي مضى وظل هناك من حصة التاريخ، مفتوح للدارسين والباحثين؛ عن ما جرى قبل عدة سنوات ومستمر يجري الى الآن؛ اسبابا ونتائجا واهدافا؛ الا بالأعلام وحرف حقائق الوجود بما يعطي الحجة والمبرر لهذا العنف الذي يروم او من مهامه هو صناعة تاريخ جديد على حساب الانسان جسدا وروحا وافكارا وآملا في الحياة، حياة افضل. بينما الحقيقة هي لا علاقة للإنسان؛ لكل هذا الذي يجري ولايزال يجري ولسوف يستمر يجري الى اجل غير مسمى في صناعة التاريخ، بالعنف والقتل والدمار من اجل السيادة والمغانم والاطماع. انها دورة تاريخية من عنف التاريخ في تبادل المواقع والادوار للقوى العظمى والكبرى على مر التاريخ، ليس فيه اي ذرة لعلاقة ما، حتى ولو كانت بأصغر جزء من مكونات الذرة للإنسان وحياة هذا الانسان على ظهر كوكبنا الذي ابتلي بعنف هؤلاء الكبار في القوة والقدرة الفائقة على التدمير، بل حتى حياة الانسان على اراضي هذه القوى العظمى والكبرى، انها حقا دورة مقيتة من دورات التاريخ العنيف في صناعة الامجاد لهؤلاء الكبار؛ وقودها هو الانسان جسدا وروحا وآملا، في صناعة واقع جديد ليس فيه؛ مقدار ذرة للناس في جميع امكنة الوجود، سواء في اراضي هذه القوى العظمى، او في اراضي دول العالم الثالث. لكن الامر او قل الاوضاع هناك في العالم الاول اي عالم هؤلاء؛ لجهتين اي انهم من مواطنيهم عندما يتعرض وطنهم وحياتهم، الى خطر المحو والازاحة، او رميهم ووطنهم، الى رف الاهمال؛ عندها ينتفض هؤلاء الذين ليس في عقلهم او في وجدانهم الانساني اي شيء مما هو له علاقة بالمحافظة على الانسانية في اصلها ابتدأً؛ ينتفضون من اجلهم ومن اجل وطنهم. تتحول هذه الانتفاضة الى فعل على ارض الواقع؛ مؤذيا اشد ما يكون عليه الايذاء على الطرف الاخر الذي سمحت له نفسه بغزو هذا الوطن اي اوكرانيا والعمل على تدميره وطنا وشعبا؛ بسبب الغباء المفرط للنظام الاوكراني، والصراع الاستراتيجي بين امريكا وروسيا. هذه الانتفاضة ليس من اجلهما؛ الوطن الأوكراني والانسان الأوكراني، بل هو صراع للهيمنة وبقاء تلك الهيمنة، والعمل على تدمير من يحاول هز قواعدها. انها عملية حسابات مادية لا علاقة لها بحاضر الناس وحياتهم وآمالهم بقدر ما لها علاقة بمشاريع السيادة، تاريخيا على الناس وعلى اوطانهم، سواء بالغزو، او الذي تصدى اقتصاديا لهذا الغزو؛ كلاهما من اجل الهيمنة والاستغلال والنفوذ. علينا ان لا نخطأ في الرؤية والتصور؛ بان القوى العالمية وهنا اقصد تحديدا امريكا؛ بأن تصديها للغزو الروسي لأوكرانيا هو من اجل اوكرانيا وطنا وشعبا، بل هو وفي حقيقته وهدفه، هو من اجل امريكا حتى تبقى هي الاقوى في العالم وهي المهيمنة على مقدرات اوطان وشعوب كوبنا الارضي هذا. لذا، فهي اي امريكا؛ جيشت الاعلام، والاقتصاد والسياسة والمال والاعمال والسلاح لكسر قوة الطرف الروسي الاخر الغازي، والعمل على افشال خططه في الغزو، ليس كما اسلفنا القول فيه، في اعلى هذه السطور المتواضعة؛ من اجل اوكرانيا، بل من اجلها هي، اي من اجل ان تظل هي القائدة لهذا الكون والمتحكمة فيه، وايضا حتى تقدم نفسها، في الوقت عينه؛ كونها هي المدافع عن قضايا الناس، جميع الناس في المعمورة وفي المقدمة منها، بل في اولها وهي الاساس فيها، هي اوكرانيا، وبقية دول الاتحاد الاوروبي. ان هذا، سواء ما كان منه في الاعلام او في الاقتصاد او في المال او في السلاح؛ هو من اجل الرؤية الاستراتيجية الامريكية، وليس لأي امر اخر، وكل ما يقال بخلاف هذا ما هو لا فرية وكذب وخداع، ليس لشعوب الكون فقط، بل الاهم هو موجه لشعوب امريكا واوروبا. المشكلة الكبرى، أو الاشكالية الكبرى في غزوات وحروب القوى الكبرى وبالذات الولايات المتحدة؛ هي استخدام الناس في تلك الحروب لقاء مبالغ من المال الذي هؤلاء المأجورين، هم في امس الحاجة له؛ من افريقيا، او من بقية دول العالم الثالث، وحتى من دولهم، اي انهم حولوا الناس الى سلع كما غيرها من السلع معروضه للبيع والمزادات في سوق اشبه ما يكون في سوق النخاسة في العصور السالفة من التاريخ البشري. هؤلاء الناس الذي قبلوا ان يتحولوا الى قتله في حرب هي ليست حربهم وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل. السؤال المهم هنا، بل هو الاكثر اهمية وخطورة من اي سؤال اخر؛ ما الذي اجبر هؤلاء الناس على بيع قدراتهم في القتال الى من يقدم لهم افضل العروض؟ انها وبكل تأكيد الرأسمالية المتوحشة، اي القوى العالمية العظمى والكبرى، باستثناء الصين التي الى الآن لم تمارس هذه السياسة، او في الاساس لم تقدم على الغزو او احتلال الدول حتى هذه اللحظة. الولايات المتحدة تحديدا وبقية الدول الغربية؛ عملت على افقار الشعوب سواء في افريقيا، او في بقية دول العالم الثالث؛ عبر سياسة النهب وافتعال الحروب الاهلية بمختلف الوسائل والطرق. في الحرب الروسية الاوكرانية او لجهة الحقيقة والواقع لناحية الاساس والمرتكز والاهداف هي حرب امريكية روسية وليست حرب روسية اوكرانية؛ يجري تجنيد الناس بأجور للقتال في هذه الحرب، سواء من روسيا او من امريكا والغرب بصورة عامة. روسيا وعلى رؤوس الاشهاد، وفي الاعلام وبلا ادنى خجل او واعز من ضمير؛ دعت المقاتلون الاجراء في الشرق الاوسط اي في سوريا او في غيرها؛ الى التطوع، اي العمل كأجراء مقاتلون للدفاع عن اهداف روسيا في هذه الحرب. امريكا والدول الاوربية؛ قامت بذات الفعل. حقا ان العالم في عصر الذكاء الرقمي او الصناعي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ ينحدر الى الدرك الاسفل من انعدام الضمير الانساني، ومن تحويل الناس الى سلع في معارض البيع؛ من اجل تحقيق اهدافهم الجيو سياسية، والتي في خواتمها؛ تسحق هؤلاء الاجراء القتلة، وتحرمهم من فرص العيش الكريم في اوطانهم التي جاءوا منها للقتال لمصلحة من سلب من اوطانهم فرص التطور والتنمية، وبالتالي السيادة والقرار المستقل، والتي ايضا؛ بفعل هذه البيئة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ حرمتهم من فرص لتنمية المعرفة وتعميق الوعي، والقراءة الصحيحة للواقع الموضوعي، القاهر والمتخلف، الذي هم فيه. اعتقد وبرؤيتي المتواضعة للتحولات الدولية المقبلة؛ على الانظمة العربية، ان تصحو قبل فوات الأوان، وتعمل في اتجاهين: اولا؛ العمل على اقامة نظام ديمقراطي حر، يكون للشعب فيه؛ دورا مركزيا عبر صناديق الاقتراع في اختيار النظام الحاكم.. ولو بطريقة متدرجة وصولا الى الهدف الكامل.. ثانيا؛ اقامة شراكات مع القوى الدولية العظمى والكبرى، سواء الحالية او التي في الطريق الى الصعود في ظل نظام دولي جديد؛ أخذ في التبلور والصيرورة ولو بعد سنوات، على انقاض النظام الدولي الحالي، والأخذ في التراجع على مسارات خروجه من الساحة الدولية؛ ليفسح الطريق للنظام الدولي القديم الجديد؟!..وليس التعامل والمهادنة والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي المهدد داخليا بالفناء والانهيار؛ فهذه مراهنة خاسرة، ستفقدهم عروشهم ويلعنهم التاريخ.

أحدث المقالات