18 ديسمبر، 2024 8:51 م

ما الذي قدمته الجامعة التقنية الوسطى لطلبتها من الخريجين ؟!

ما الذي قدمته الجامعة التقنية الوسطى لطلبتها من الخريجين ؟!

اعتادت الجامعات بمختلف أماكنها وتخصصاتها وبضمنها الجامعات العراقية بإقامة احتفال سنوي لطلبتها الخريجين يسمونه ( حفل التخرج ) ، وفي مثل هذه المحافل التي يحضرها قادة الجامعات والممولين ويشارك بها الخريجون وأساتذتهم ترفع الشعارات ومعالم الزينة والاحتفاء ، كما يرتدي المحتفلون ازياءا مختلفة ربما تتباين بحسب الجامعات والكليات من الأرواب والقبعات وغيرها من الإكسسوارات ، وتتضمن تلك الاحتفالات استعراضا لمواكب الخريجين وإلقاء الكلمات البروتوكولية ثم يردد قسم المتخرجين بان يوفوا بوعودهم في خدمة المجتمع مما تعلموه ، وبعدها توزع الجوائز والهدايا على المتفوقين المخصصة من الجامعة نفسها او من جهات أخرى والمتبرعين ، وكل ما ذكرناه يعد تقليدا اعتياديا وربما مر به العديد منا ممن تخرجوا من المعاهد او الكليات ، وغالبا ما تنتهي الاحتفالات بشكلها التقليدي بمغادرة المكان وإعادة الحال لساحاتها في اليوم التالي ، ونادرا ما يتم الاهتمام بموضوع غاية في الأهمية وقد يغيب عن بال الكثير ولكنه يدخل في اهتمام مختلف قيادة الجامعات ، وهو ماذا قدمت الجامعة لطلبتها الخريجين فهل هي شهادة جداريه تعلق على الحيطان أم أشياء أخرى لم يتم حسابها من قبل المحتفلين وعوائلهم ومحبيهم من الأهل والأصدقاء والزملاء لانشغالهم بمعالم البهجة والسرور .
وهذا السؤال حاولنا أن نجد له الإجابات المناسبة في وجوه المحتفلين عند حضورنا قبل أيام لحفل تخرج طلبة الجامعة التقنية الوسطى من دفعة العام الدراسي 2020 \ 2021 ، فأكثر ما يدخل في اهتمامات الخريج هو اجتيازه لمتطلبات الدراسة بنجاح وانشغاله بما سيترتب عليه من التزامات ومسؤوليات بعد أن أوصلته عائلته ومن دعمه لمرحلة التخرج ، وهي مرحلة جديدة في الحياة تتفوق فيها الالتزامات على الذات والاعتمادية كما إنها مرحلة تجعله بموقف المسؤول عن اغلب ما يقوم به من التصرف والاختيار ، أما الجامعة فأكثر ما يدخل في اهتماماتها هو التخطيط لديمومة وتطوير عملها بتقديم دفعات التخرج عاما بعد عام بمستوى الجودة التي تقتضيها الواجبات الوطنية والوظيفية والمهنية وبما يجعل الخريج فاعلا في أسواق العمل لكي يشق طرقه في الحياة ، فتخرج دفعة من الطلبة يعني الكثير للجامعة من حيث إثبات قدرتها على الاستمرار وقبول مخرجاتها في مختلف البيئات ، بمعنى إن ( فرحة ) الجامعة بكل مكوناتها من القيادات والتدريسيين والمدربين وباقي العاملين تفوق فرحة جميع الطلبة وان كانت لا تظهر هذه البهجة ، لأنها تجيرها لصالح الخريجين لزرع الأمل والطاقة الايجابية في نفوسهم فهي تعتبر ذلك جزءا من مسؤولياتها كونها مصدرا لبناء الشخصية وملهمة للعطاء .
وفي حالة الجامعة التقنية الوسطى فمن حقها أن تفخر بأنها استطاعت من عبور كل الازمات والصعوبات لإيصال الخريجين لما هم عليه من النواحي التربوية والعلمية والوطنية ، فهناك العديد من الأشياء التي لا يدركها الطالب وربما بعض الجهات في المجتمع لما تعنيه كلمة التخرج للجامعة ، فالجامعة هي من الجامعات التقنية الفتية التي ولدت في عام 2014 بما احتواه ذلك العام من أزمات في الجوانب الأمنية والمالية ، كما إنها جامعة يتواجد مقرها في بغداد ولكن تشكيلاتها من الكليات والمعاهد التقنية تتوزع في 5 محافظات ( بغداد ، الانبار ، ديالى ، صلاح الدين ، واسط ) وترتبط بها عدد من التشكيلات منها 12 معهدا و5 كليات وتتوزع دراستها في عدد من التخصصات ( الطبية والصحية ، الهندسية ، الإدارية ، الزراعية ، الفنون التطبيقية ) ،وتضم دراسات بعدة مستويات تقنية ( الدبلوم ، البكالوريوس ، الدبلوم العالي ، الماجستير ، الدكتوراه ) ، وفيها تنوع من الطلبة ( ذكور ، إناث ) ، وهي تقبل الطلبة من خريجي الفروع ( المهنية ، الإحيائي ، التطبيقي ، العلمي ، الأدبي ) ، وهؤلاء الطلبة تتباين معدلاتهم عند القبول فهي تتراوح مابين أكثر من 50% إلى 99% ، وتحتوي اغلب تشكيلات الجامعة على نوعين من الدراسة ( الصباحية ، المسائية ) ، وهذا التنوع في مدخلات الجامعة وفي تفاصيل عملها يفرض عليها كثيرا من التحديات لا تتشابه به إلا مثيلاتها من الجامعات التقنية ، فالتنوع والتوسع والامتداد يتطلب مزيدا من الموارد والإمكانيات بما ينسجم مع فعالياتها العلمية تدريسا وتدريب ، كونها جامعة تقنية يدخل في مفردات تخصصاتها الجوانب التطبيقية التي يجب أن تواكب ما يحدث في العالم من تطور وتغيير لتكون مخرجاتها قادرة على تلبية مختلف الاحتياجات بضوء هدفها المعلن ( الجامعة للمجتمع ) ، وفي ضوء الإمكانيات المتاحة لها من الجهة التي ترتبط بها وهي وزارة التعليم العالي فان هناك الكثير من المعانات ( كحال العديد من الوزارات ) من حيث التمويل وتغطية النفقات ، وهو ما جعلها تتفوق في تجسيد هدف ( الجامعة المنتجة ) لتوفير ما تحتاجه من متطلبات خارج التمويل المركزي ، في مجالات الإضافة والتحديث والتطوير في التقانات الحديثة وفي الأبنية من القاعات والورش والمختبرات وما يجب أن تضيفه في مجالات الحاسبات وتقنيات المعلومات وفي المناهج وطرائق التدريس والبحوث وتنمية ملاكاتها من العاملين بمختلف المستويات والاختصاصات .
وبتخرج الدفعة الجديدة التي رفعت شعار ( تعلمنا هدفنا ) ، فإنها تسجل اجتيازا فاعلا لمعظم التحديات التي واجهتها سواء ما ذكر منها في أعلاه او ما يتعلق بالتحدي الأكبر في مواجهة أخطار جائحة كورونا التي ابتدأت منذ عامين و لا تزال تداعياتها قائمة لحد اليوم ، والتي اضطرتها لإيجاد وسائل مبتكرة في مواظبة الطلبة واستمرارهم في الدراسة بما يتماشى مع أوامر الجهات الصحية العليا في البلد بفرض حظري التجوال الكلي والجزئي ، وكان كل إجراء يمثل تحديا وابتكار إذ تم ولوج التعليم الالكتروني للتواصل مع الطلبة في المحاضرات و في الامتحان رغم انه أسلوب لم يكن شائعا فيها وفي بقية الجامعات ، كما إنها التجأت إلى التعليم الحضوري المدمج مجبرة على ذلك نظرا لوجود دروس تطبيقية تتطلب الحضور ، والتعليم الحضوري تم بموجب شروط و تحوطات منها التباعد المكاني رغم إن معظم فروعها تعاني الاكتظاظ العددي ، مما جعلها مضطرة لتوزيع الطلبة على عدة وجبات وإعادة توزيع الجهد على كوادرها من التدريسيين والمدربين وان كلف ذلك كثيرا من الجهود والتضحيات ، وتعد وجبة الدبلوم التقني التي تخرجت قبل أيام هي من وجبة الجائحة إلى حد كبير لان مدة الدراسة فيها سنتين وتزامنت مع ظهور وتطور الوباء ، وتشترك وجبة البكالوريوس بنصف المدة لان الدراسة فيها أربع سنوات ، وقد تم الحرص على تطبيق جميع المعايير العلمية على الطلبة الخريجين وتلك ميزة تسجل لصالح التعليم التقني في العراق بشكل عام ، وهناك أمور وتفاصيل يصعب الخوض لذكرها جميعا وهي تمثل قدرة شعبنا على التعامل والتفاعل مع مختلف الظروف ، ومنها الظروف التي مرت بها بعض تشكيلات الجامعة التي تقع في المناطق الساخنة التي خضعت لتخريب عصابات ( داعش) ولتي دمرت كلا او جزءا و تمت إعادة تأهيلها وإعادتها للحياة بمختلف الوسائل والأساليب .
وخلاصة القول إن الجامعة بدفعتها الحالية لم تضيف شهادات جامعية لطلبتها فحسب رغم أنها منحت إليهم بكل جدارة واستحقاق وبعد اجتياز كل المتطلبات ، وإنما أضافت لهم ولها دروسا في كيفية التحدي ومجابهة الصعاب ومجارات مشكلات الحياة ، وقد بذل الطلبة الخريجون سواء من شارك منهم في الدفاع عن الوطن عند تطوعه في الحشد الشعبي او في اجتياز الصعوبات التي رافقت إحداث كورونا وما سببته من الإصابات بالوباء وفقدان الأحبة ضمن ضحيا الوباء كل ما بوسعهم ليتوافقوا مع الجامعة في مساراتها المطلوبة ، وما يثلج الصدور إن الجامعة إضافة لما حققته من عبور للازمات فإنها دخلت جداول تصنيفات الجامعات العالمية في مجال التعليم رغما عن كل الظروف ، ونتمنى أن يستفيد الطلبة الذين تحولوا إلى خريجين من مجمل ما واجهوه من مصاعب ليصلوا لطموحاتهم بما يثلج صدورهم وصدور عوائلهم وذويهم ، ونتمنى إن يكن كل ذلك حافزا لهم في مواجهة مصاعب الحياة وهم يدخلون ميادين العمل والبناء كونهم من أبناء هذا البلد العظيم ، ومن ابرز علامات النجاح في تحدياتهم الجديدة هو صنع فرص العمل لأنفسهم من خلال ما تعلموه من معارف ومهارات دون التعويل على التعيين بشكل كلي ، فهم من التقنيين الذين تم إعدادهم معرفيا ومهاريا لتمكينهم من العمل بمختلف البدائل والظروف ، ونبارك لهم ولجامعتهم ما تحقق في تخرجهم ، فالتخرج مسؤولية يتوجب بلوغ مستوياتها المطلوبة وليست ميزة فحسب ، والجامعة قدمت ما عليها في التكيف مع الظروف وتقديم التضحيات وبذل الجهود المعتادة وبالاستثناء وكل ما يتطلبه البناء العلمي والتربوي والوطني بشكله الصحيح ، وهي مستمرة بهذه المهام دون انقطاع بإذن الله وهمة الأوفياء .