26 نوفمبر، 2024 8:51 ص
Search
Close this search box.

أين الطريق؟

كثير من الناس! يعيشون في هذه الدنيا في تيه، وضياع، وتخبط ، ولا يدرون إلى أين يسيرون، أو إلى أين يتجهون. إنهم يجهلون الطريق الذي يوصلهم إلى الهدف الذي ينشدونه، وإلى المحطة التي يقصدونها.
إن معرفة الطريق؛ لسلوكه والسير في جنباته.. ليس بالأمر اليسير، ولا بالمهمة السهلة، ولا يقدر عليها كل الناس.
لا يدرك الطريق، إلا أولو الحِجا، وأولو الألباب، وذوو البصيرة المبصرة، وذوو العقول المتفتحة، وأولو الأذهان النيرة.
فحينما انطلقت الجماهير في سوريا – قبل أحد عشر عاماً – في ثورتها المباركة، العفوية، اللاشعورية ضد نظام الأسد الطاغوتي، المستبد، الجبروتي.. كان هدفها الرئيسي هو: إسقاط وتحطيم ذلك النظام، والتحرر من هيمنته، وسيطرته على الحياة بكافة شؤونها لأكثر من خمسين سنة.

مواصفات هتافات وشعارات المتظاهرين

وكانت الشعارات التي رفعتها الجماهير في المظاهرات، والهتافات التي انطلقت بها حناجرهم، تحمل سمات دينية.. وهذا شيء طبيعي، ولا غرابة في ذلك على الإطلاق، وذلك للأسباب التالية:
كانت انطلاقة الثورات العربية بشكل عام، بدءاً من تونس وانتهاءً بسوريا، بإلهامٍ وإذنٍ من الله تعالى، وبمشيئته، وبتسهيلٍ، وتيسيرٍ منه؛ كي يخفف العنت عن الشعوب العربية، التي مضى عليها قرون عديدة، وهي رازحة تحت نير العبودية، والديكتاتورية، والطغيان، والاستبداد.. فأراد الله تعالى برحمته، وكرمه، أن يُهيئ لها الجو المناسب؛ لكي تتنفس الصعداء، وتتحرر من القمقم، أو السجن الحديدي، الذي سجنها فيه حكامها الظلمة، الفجرة، الكفرة.. فهيأ رجلاً تونسياً يُدعى (بو عزيزي) ليحرق نفسه أمام الملأ، ويُضحي بها؛ لكي تنطلق شرارة الثورة العربية.
ومما يؤكد، ويدعم، ويثبت صحة ذلك، أنه كان بتدبير رباني، هو قيام عشرات أو مئات الأشخاص بعده، بحرق أنفسهم، ولم يؤد ذلك إلى أي تغيير في المشهد السياسي، أو الاجتماعي، أو الميداني.
من سنن الله تعالى الثابتة، التي لا تتبدل، ولا تتغير، أنه سبحانه، يتعهد عباده جميعاً، في كل وقت وحين، بما فيهم الكافرين، والمشركين.. بأن يُهيئ لهم فرصاً للهداية، والرشاد، وسلوك طريق الإيمان؛ فيكشف عنهم بعض الضيق، والفقر، والجدب، والقحط.. ويفتح لهم أبواباً عديدة للنجاة، والإقبال على طاعة الله، وعبادته، لعلهم يكونوا من المفلحين، والفائزين كما قال تعالى: (فَيَكشِفُ ما تَدعُونَ إليهِ إنْ شَاءَ) الأنعام 41. (أمَّنْ يُجيبُ المُضَطرَّ إذا دَعَاهُ، ويَكشفُ السُوءَ) النمل 62.
حب الدين! مغروس في قلوب الشعوب العربية بشكل عام، ومتجذر في كيانها، ويجري في عروقها كجريان الدم، حتى الذين يرتكبون بعض الكبائر، والموبقات.. فإنهم إذا سمعوا اسم الله، ارتعدت فرائصهم، ووجلت قلوبهم، وارتعشت مفاصلهم.
ولذلك! لم يجد المتظاهرون من ينجدهم، ويساعدهم، ويدعمهم، ضد طاغوت الشام النُصَيْري الكافر، العدو اللدود للإسلام والمسلمين، والذي استولى على الحكم بالوراثة.. إلا أن يستنجدوا بالله العزيز الحكيم. فانطلقت حناجرهم تصدح بالتكبير، والتهليل، وتردد الشعارات الدينية – وليست الوطنية أو العلمانية – مثل (هي لله.. هي لله، لا للجاه ولا للسلطان) وأخواتها.
وصمدوا صموداً أسطورياً، أمام أسلحة البغي، والعدوان، والقمع، والقتل.. وواجهوها بصدورهم العارية، غير هيابين، ولا مبالين، بأن يتلقوا الرصاص الحي، ويُستشهدوا في سبيل الله – حسب نياتهم – ويشتروا آخرتهم بدنياهم.. لقد كانوا فعلاً عمالقةً، وأبطالاً في الصمود، والتصدي للمجرمين القتلة، والإصرار على التظاهر أسبوعياً، بالرغم مما يكتنف المظاهرات من مخاطر القتل.
لقد كان جيل المتظاهرين من الرجال الأشاوس، الشجعان، ومن الشباب المتحمس الثائر، المندفع، والمصمم بعزم، وإيمان، على تحطيم صنم الاستبداد، والطغيان الأسدي النُصَيْري، ونيل الحرية، والعزة، والكرامة، والعيش في أرض السلام، بسلام، وأمان.. ولم يأبه للدماء الطاهرة الزكية، التي نزفت من شرايينه، وسالت على أرض البطولات، وضمخت السماء بعبيرها الفواح، وأريجها المعطر بالمسك، والزعفران.. ولم يبال بالضحايا التي كانت تتساقط أمامه، وتتحول إلى أشلاء ممزقة، مبعثرة هنا وهناك.
لقد كانت نفوس المتظاهرين على العموم! أبية، عزيزة، كريمة.. وقلوبهم طاهرة كأزهار الصباح الندية، وعيونهم ترنو نحو مستقبل زاهرٍ، باسمٍ، واعدٍ.
ولكن المخابرات الأسدية، والإيرانية المجوسية، تأبى – وقد وجدت نفسها في خطر داهم، ومصير معلمها الأسد اللعين، أصبح على كف عفريت – إلا أن تفسد هذا الجو الريان، المفعم بالحيوية والنشاط.. فأخذت تدس عناصرها الخبيثة، الشريرة، بين صفوف المتظاهرين الطيبين؛ ليتظاهروا أنهم منهم، وما هم منهم، ولكنهم قومٌ مخربون، ومفسدون.. فأخذوا يحملون معاول الهدم، والتخريب، والإفساد، وبدأوا رويداً رويداً، يسيطرون على الطيبين، وهم غافلون.
إضافة إلى عناصر المخابرات، فقد اندست حثالات وشراذم من الطبقات المتدنية السفلية في المجتمع، من أفراخ المسلمين، والتي لا تؤمن بالثورة، ولا تهمها الحرية، وليس لديها خلقٌ، ولا دينٌ، ولا ضميرٌ.
واستغلت فترة تَحَوُّل الثورة إلى العسكرة، وحَمْلِ الثوار وعناصر منشقة من الجيش، للسلاح لأجل الدفاع عن المتظاهرين.. فحملوا هم أيضاً السلاح، وأخذوا يتاجرون به للإثراء على حساب دماء الشهداء، وتمكنوا بطرق ملتوية، وخسيسة، وخبيثة، وبمساعدة من جهات خارجية، من التغلب على العناصر الطيبة في الثورة – خاصة وأن هذه العناصر، بدأت تتناقص؛ نتيجة استشهادها – فازدادت أعداد السيئين، والمفسدين، والمعادين للثورة، وأصبحوا هم الغالبية، ولهم اليد الطولى، والكلمة المسموعة.
ووصلت حال الثورة – خاصة في السنوات الأربعة الأخيرة، بعد مؤامرة ما يسمى مؤتمرات أستانا وسوتشي، بين ما يسمى المعارضة السورية الهزيلة، الشكلية، الصورية، التي هي في حقيقتها مضادة، ومعارضة للثورة – وليست مؤيدة للثورة – وبين أزلام، وشراذم النظام الأسدي، برعاية الدول التي أطلقت على نفسها: الضامنة لتخفيف حدة التوتر، والصراع بين ما يسمى الثوار – الذين بطبيعتهم تلاشوا وانكفأوا على أنفسهم، وتخلوا عن الدفاع حتى عن أهلهم، وأقربائهم – وبين ميليشيات الاحتلال المتنوعة.
هذا وصف مختصر جداً لمسيرة الثورة العظيمة، التي لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها، من لحظة انطلاقتها في 15 آذار 2011 إلى هذه اللحظة، التي وصلت إليها، حيث تآكلت، وخمدت شعلتها، وانطفأ لهيبها، وفقدت زخمها، وتناقص عدد مؤيديها، إلا من قليل، ممن لا يزالون يلوكون كلمات مكرورة، ويردحون، ويُنفسُّون عن ألمهم، وعجزهم، وقهرهم، بمنشورات على منصات الإعلام المختلفة، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع.

استحالة حصول مظاهرات جديدة

من المسلمات التي أصبحت بديهية للجميع.. أن المظاهرات أصبحت من المستحيل تكرارها، وحتى لو فرضاً، وبشكل خيالي، حصلت! فإنها ستُواجه، وتُقمع بوحشية أشد، وأنكى من السابق.
وأن قرارات ما يُسمى الأمم المتحدة، أو ما صدر عن مؤتمر جنيف.. لن تطبق بشكل قطعي، ويقيني، وأنها تستخدم بين الفينة والأخرى في الإعلام، للتخدير والتضليل، والضحك على الذقون.
وأن نتائج الحرب الأوكرانية! لن يكون لها تأثير على الوضع في سوريا – إلا من خلال تخفيف القبضة الروسية الحديدية قليلاً – وأن العالم أجمع، سيبقى يتعامل بازدواجية وقحة، وصريحة، وواضحة، دون حياء، ولا خجل.. وسيبقى يميز بين أبناء الصليب، وأبناء المسلمين – وخاصة مسلمي سوريا -.
من أجل ذلك! فإن اقتلاع النظام الأسدي، وتحرير سوريا من المليشيات، والجيوش الأجنبية المحتلة.. لن يتحقق! إلا بالجهاد والقتال في سبيل الله بشكل خاص.
وبما أن الفصائل المسلحة المتواجدة حالياً في الشمال، قد أخلدت إلى الأرض، وتثاقلت إلى التراب، وقام قادتها! بترويضها، وتدجينها؛ لتكون أليفةً، وخاضعةً، ومستسلمةً، كقطيع الأغنام، وأصبحت وظيفتها محصورة، بالدفاع فقط عن المسؤولين المتحكمين في الإدارة السياسية، كما هو حال الجيش الأسدي بالضبط ، الدفاع عن الأسد. فإنها غير مؤهلة، وغير جديرة بالعمل على تحرير سوريا من الأسد وزبانيته، ومن العصابات والجيوش الأجنبية المحتلة.
وأحد الأدلة على ذلك: هذا الفيديو الذي يصرح فيه أحد عساكر ما يُسمى الجيش الوطني؛ بمنعهم من إطلاق أي رصاصة على الجيش الأسدي، أو قسد :
https://twitter.com/i/status/1491389100334665728

إذاً! ما هو الطريق؟

تشكيل جسم جديد لقيادة الثورة؛ اسمه (تجمع السوريين الأحرار) لإعادة زخمها..
ويتضمن العناصر التالية:
1- العلماءَ الربانيين، الحركيين، الناشطين الذين يؤمنون بالجهاد في سبيل الله، والمتقدة قلوبهم بنور الله، والمتعطشين إلى تحرير الناس من العبودية للعبيد، إلى العبودية لرب العالمين.
2- الحقوقيين، والقانونيين، والمحامين الناشطين، والحريصين على استعادة شعبهم على حقوقه المغصوبة كاملة، من قبل بشار، وزمرته الطاغية الفاسدة.
3- السياسيين الشرفاءَ، الأطهارَ ذوي الخبرة، والكفاءة العالية في فهم، ومعرفة، وتحليل لعبة الأمم، والقادرين على مواجهتها، وإفشالها، وتحطيمها.
4- المفكرين الناضجين عقلياً، وذهنياً، ذوي البصيرة، والنظرة الثاقبة، والرؤية الواسعة، والمتسلحين بالفكر والمنهج الرباني – ولس العلماني البشري – الذي يفسر مجريات الحياة، وأحداثها، وحوادثها، بناءً على السنن الكونية الثابتة الراسخة.
5- الإعلاميين الواعين، ذوي الخبرة والكفاءة العالية، والقدرة على فهم، وتحليل، وتشريح ما يضخه الإعلام الدولي يومياً، من ملايين الأخبار، والتمييز بين الغث والسمين، وبين الكاذب والصادق.
6- الشبابَ الناشطين، والحركيين، والثوريين القادرين على الحركة، والتواصل مع مختلف طبقات المجتمع، والمؤمنين بضرورة، ووجوب تحقيق أهداف الثورة، في بناء سوريا الزاهر الواعد.
7- الحكماء المعمرين، الذين صقلتهم تجارب الحياة، وحوادثها، وعركتهم بأنيابها، والمشهود لهم بمقارعة الطغيان، والاستبداد الأسدي، منذ اغتصابه للسلطة، قبل واحد وخمسين سنة. وليس الذين ساروا في ركابه، ودعموه، وأيدوه، وتبوؤا مناصب وزارية وسواها، وخدموه خدمة كبيرة في تثبيت أركان حكمه، ثم حينما انطلقت شرارة الثورة، انقلبوا عليه، وجاؤوا يدندنون أنهم مع الثورة! ويبكون ويتندمون، على ما اقترفته أيديهم من جرائم في حق شعبهم.
8- رجالَ الأعمال والمال المخلصين، الصادقين، الشرفاء الذين لديهم الاستعداد الكامل للتضحية بأموالهم في سبيل الله، وفي سبيل نصرة دينه، ونصرة الثورة، وتحقيق أحلام الناس في العيش بكرامة، وعزة، وإباءٍ، وأنفةٍ.
9- المقاتلين والمجاهدين في سبيل الله – سواءً الذين انسحبوا من الفصائل المسلحة حينما رأوا انحراف قادتها، وخيانتهم، وعمالتهم لجهات أجنبية، أو الذين لا يزالون يقاتلون في أرض المعركة، ويعملون فرادى، أو ضمن مجموعات صغيرة أو كبيرة، ويريدون أن يتحرروا من سطوة الجهات الأجنبية، ويعملوا باستقلالية تامة بعيداً عن التبعية لها، وتنفيذ أوامرها وتعليماتها – ويضمُ إلى جانب المقاتلين المتطوعين، الضباطَ والعساكرَ الذين انشقوا عن جيش الأسد، وبعضهم يجلس في المخيمات، بدون أي عمل، ولا يقدم للثورة أي عطاء، ولا يُستفاد من خبراتهم، وعلومهم العسكرية التي اكتسبوها في سني خدمتهم العسكرية شيئاَ.

أحدث المقالات