خاص: حاورتها- سماح عادل
“شوقية عروق منصور” كاتبة وناقدة وشاعرة وإعلامية فلسطينية، بدأت الكتابة في سن صغيرة، ونشرت زوايا ثابتة في الصحف والمواقع المحليّة، كزاوية “تقاسيم” في الصنارة، و “نصف القمر” في كلّ العرب، و” قل كلمتك وامشِ” في بانوراما، ولها مقالات أسبوعيّة في صحيفة الاتحاد ومواقع عديدة أخرى. برزت بشكلِ خاصّ في زاويتها “دبابيس” في برنامج “فنجان قهوة” على أثير صوت إسرائيل مع الإعلاميّة “إيمان القاسم سليمان”. معروفة بنشاطها السياسيّ والاجتماعيّ، وتكتب الشعر والقصّة القصيرة والمقالة الاجتماعيّة والسياسيّةَ.
صدر لها:
1 – امرأة بلا أيام – مجموعة قصصية عام 1978.
2 – خطوات فوق الأرض العارية – مجموعة قصصية عام 1980.
3- النبض في جوف محارة – همسات – 1981.
4- ذاكرة المطر – قصائد وطنية -1984.
5- شمس حضورك أسطورة – مجموعة قصائد – 1993 .
6- اسمك تهليلة زمرد – قصائد غزلية 1995 .
7- قل كلمتك وامش – مقالات – 1995 .
8- أحلام مبعثرة – مجموعة قصصية – 2002 .
9- غاب نهار آخر – مقالات سياسية – 2005 .
10- الخرائب المعلقة – مجموعة قصائد – 2006 .
11- سرير يوسف هيكل – مجموعة قصصية – 2013 .
12- قلم رصاص – 2017 .
13- المالح في زمن السكر – 2018 .
كان لنا معها هذا الحوار الشيق:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وهل وجدت الدعم من الأسرة؟
– الرجوع بالذاكرة إلى الوراء، محاولة لاختراق فضاءً نثر أبجديته على الصفحات، وكنت في البداية أحاول رسم مشوار لا يسمح للعيون التسلل إليه، لكن وجدت نفسي أجلس على رصيف العبارات.
في البدايات كنت أقرأ بنهم، كل كتاب أو صفحة من جريدة ملقاة في الشارع، أو ديوان شعر وجدته عند أحدى الصديقات، هنا أترك بعضي مع الصديقات أما روحي فتركض وراء ديوان الشعر حتى أحصل عليه أو أستعيره وأحياناً كنت لا أقوم بإرجاعه.
الكتابة بدأت في المرحلة الإعدادية، كانت مجلة الحائط، وهي عبارة عن لوح معلق على جدار الصف، نلصق ما نكتبه لمدة أسبوع، كان طلاب الصف يقرأون، قصائد، معلومات عامة، أحداث تاريخية، طرائف أدبية وعلمية، المميز أنني كنت أكتب أسبوعيا، وفي المرحلة الثانوية كانت مجلة تصدر لجميع المدارس الثانوية العربية تدعى “زهرة الشباب” كنت أكتب فيها الخواطر والقصائد وسرعان ما أصبحت في هيئة التحرير.
وبعد انتهاء المرحلة الثانوية أصبحت أكتب في الصحف والمجلات الصادرة في مجتمعنا، القدس، الشعب، الاتحاد، الأنباء، الفجر، كل العرب، الصنارة، بانوراما، الوطن، فصل المقال، البيادر، الفجر الأدبي، الحصاد، الغد، الجديد، المواكب، المواقف وغيرها.
بالطبع وجدت تشجيع من الأهل، والدي كان يعتز أن يرى اسم ابنته واسم العائلة مطبوعاً على الورق، خاصة نحن من قرية مهجرة، من قرية “المجيدل” في الطريق إلى مدينة حيفا، التي استولى عليها اليهود وخرجنا منها لاجئين، وقد حولت بعد ذلك إلى مدينة يهودية تدعى “مجدال هعيمق” كان اعتزاز أمي وأبي كبيراً محاطاً بالفخر، خاصة عندما كنت أكتب عن حياتهما، عن المعاناة، عن الفقر، عن الملاحقة والمطاردة من قبل الشرطة والمستوطنين، عن مشاعر الخوف والذعر من المستقبل الغامض.
عن عمي “جمال” الذي استشهد بدم بارد، حين أطلق عليه أحد الجنود عدة رصاصات دون أي سبب فقط للتسلية، عن جدي الذي مات وما زالت الرصاصة التي اخترقت عظم فخذه متشبثة بالعظام ولم يستطع الأطباء نزعها، وكان الحل بتر قدمه والعيش أكثر من أربعين عاماً دون قدم.
** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك؟
– قال شاعرنا محمود درويش:
(قصائدنا بلا لون
بلا طعم بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
وإن لم يفهم البسطاء معانيها
فأولى أن نذريها
ونخلد نحن للصمت).
الشعر رسالة وجدانية ووطنية، الشعر حصان الذاكرة الذي يسابق الواقع وينجح في تخطي الحواجز والفوز بالإبداع، لكن أقصد الشعر الذي يلامس شغاف القلب ويكون واضحاً، واقفاً أمام الإنسانية، ويطل على خارطة الحياة ويغرق في تفاصيل معاناتها، مثلما قال الشاعر “محمود درويش” في معنى الشعر، يجب أن يفهمه البسطاء ويكون المصباح الذي ينير عتمة الحقيقة والتساؤلات والقلوب والأفكار .
نعرف أن الشعر ديوان العرب سجلوا فيه الفخر والاعتزاز والحزن والبكاء على الأطلال والهزائم والندب والعشق والنوح والرفض والقبول.. الخ لكن الشعر الحديث عبارة رقعة شطرنج أو غابة غامضة مسلحة بالضبابية.
أنا كتبت الشعر الملتزم بقضايا الإنسان والوطن والمرأة وقد منحته حنجرتي زمناً طويلاً وما زلت أكتبه، ولكن مساحة القصة أكبر للصراخ.
** اعتدت على كتابة مقالات أسبوعية وأجريت حوارات مع شخصيات شهيرة على مستوى الأدب والإبداع..! حدثينا عن عملك في الصحافة وهل اختلف حال الصحافة في الوقت الحالي في رأيك؟
– 37سنة صحافة، أكتب المقالة السياسية والاجتماعية عدا عن الزوايا الأسبوعية فقد كان لي زاوية “تقاسيم” في صحيفة الصنارة، وزاوية “نصف القمر” في صحيفة كل العرب وزاوية “قل كلمتك وامش” في صحيفة بانوراما، نشرت في جميع الصحف العربية الصادرة في بلادنا، وقد قمت بعمل تحقيقات عن مواضيع اجتماعية هامة كان لها الصدى الاجتماعي وتغيير في القوانين الاجتماعية، مثل قضايا الزواج المبكر وقضايا الطلاق وقيمة النفقة وقضايا الأسرى السياسيين وقضايا الفساد السياسي.
لقد أجريت حوارات كثيرة مع سياسيين وشعراء وأدباء وفنانين، مثلاً أجريت حواراً مع السيد “خالد محي الدين” من الضباط الأحرار، ومع الكاتب العظيم “نجيب محفوظ” ومع الكاتبة “نوال السعداوي” والكاتبة “فريدة النقاش” والكاتب “يوسف القعيد” والكاتب “صالح مرسي” الذي كتب رواية “رأفت الهجان” والكاتبة “إقبال بركة” والكاتبة “زينب صادق” والكاتبة “حسن شاه الهاكع” رئيسة تحرير مجلة الكواكب، والكاتبة “إحسان كمال” والكاتبة “سعاد حلمي” رئيسة تحرير مجلة حواء، ومن الفنانين مع “نور الشريف ونادية لطفي وأحمد بدير وغسان مطر والمطرب وديع الصافي والفنانة سهير البابلي والفنانة تحية كاريوكا والفنان وحيد سيف والفنانة ميمي جمال والملحن كمال الطويل والشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم” وغيرهم.
حال الصحافة اختلف كلياً، اليوم الخبر يصلك خلال ثوان وتقريباً اختفت عندنا الصحافة الورقية، الناس تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى المواقع الالكترونية، لم يعد للصحافة لذة الدهشة والمغامرة واقتحام المجهول للفوز في خبر أو معلومة، اليوم كل شيء مغلف بكيس السرعة ثم رمي الخبر في سلة المهملات، لا أحد يتوقف عند التفاصيل الصغيرة، لأن إنسان العصر لم يعد يهزه شيئاً سوى رغيف الخبز الذي يتآكل يومياً حتى تحول إلى بقعة ضوء في ليل البطالة والفقر والغلاء والنزاعات الدولية. .
** تكتبين القصة والرواية والشعر والمقالة ما سر التنوع وما هي القضايا التي تحبين الدفاع عنها؟.
– عندما أكتب يدخل قلمي في حالة تنكر ويختار الزي الذي يرتديه، المهم تسيل كلماتي فوق الورق وتكون إما كلمات شرسة وحشية تمزق الواقع الفاسد المزيف وإما تكون دافئة تضمد جروح المظلومين.
أعترف قلمي كان مجنوناً في الكتابة عن القضايا الاجتماعية، وكان حنوناً على قضايا المرأة متفهماً واعياً للعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية المحيطة بها .
أما في السياسة فكنت الضجيج والضوضاء والصراخ وإضرام النار في قش التصريحات والمفاوضات واللقاءات السياسية، كنت أشعل الحرائق بكلماتي وأرفض أن تكون كلماتي صدئة متكلسة أردد ما يردده الآخرون.
بصراحة الفكرة تأخذني وتتنهد فوق الورق، فإما تكون القصة أو المقالة أما طقوس الشعر والرواية فلهما الهذيان والصلوات وتمزيق الصفحات واحتضان الأيام والأسابيع حتى تولد الكلمات والعبارات.
أحب الدفاع عن القضايا الاجتماعية وأيضاً السياسية، أشعر خلال الدفاع بقوة بالإخلاص لمبادئي وقناعاتي ورؤيتي السياسية.
** القضية الفلسطينية شغلت حيزاً كبيراً من أعمالك وتفكيرك كيف تبلورت داخل نصوصك؟ وهل خفت وجود القضية الفلسطينية في الأدب في الوقت الحالي وما هي الأسباب في رأيك؟
– أنا ابنة القضية الفلسطينية، لا يوجد أديب فلسطيني لم يعش الهم الفلسطيني ويبحر في محيطه الهادر الغاضب، كيف تريدين أن أكتب عن أي شيء وأنا ابنة قضية مظلومة منذ مئة عام، والعالم يدير لها ظهره، بالعكس العالم يكيل بمكيالين، شعب اغتصب وطرد من أرضه ويعيش لاجئاً في العالم، وعندما تنازل عن الكثير من حقه ومد يده للسلام وعبر رعاية الدول الكبرى كان الاتفاق على إقامة دولته الفلسطينية، كان الطعن في الظهر وعدم الاعتراف وأصبحت المسيرة معطلة وازدادت شهية إقامة المستوطنات ومصادرة الأرض والقتل والهدم والأسرى ما زالوا في السجون.
تبلورت القضية الفلسطينية في قصصي وفي مقالاتي، كتبت عن التهجير واللجوء والمعاناة والاستشهاد وعن سلب الحقوق والقتل والتخويف والاغتيالات، كتبت عن أم الشهيد وزوجة الأسير وعن صاحبة البيت الذي هدموا بيتها، كتبت عن التلميذ الذي قتل وهو في طريقه إلى المدرسة، كتبت عن المزارع الذي رأى بأم عينيه الجيش والمستوطنين وهم يقومون بقلع أشجار الزيتون، كتبت عن المرأة المسنة التي تبيع الخضروات على الرصيف لكي تطعم أولاد ابنها الشهيد لكن أحد الجنود أطلق عليها الرصاص فماتت وسال دمها فوق الخضار، كثيراً من المشاهد الواقعية سجلتها في قصصي.
حسب رأيي لم تخفت القضية في الأدب الفلسطيني بالعكس ما زالت مشتعلة لأن الأحداث اليومية مشتعلة، لكن بالنسبة للتضامن العربي خاصة في الأدب أعترف لقد خفتت لأسباب سياسية، أولاً: نعرف أن عدة دول عربية دخلت في عملية ما يسمى السلام وأصبح النظر إلى القضية كأنها عبء على العرب، وأيضاً الكاتب العربي يعيش اليوم همومه الخاصة والعامة وأهمها هجر بلاده بعد أن سئم الاقتتال، والأنظمة السياسية التي حولت الإنسان إلى جائع ومطارد وعاطل عن العمل وقتلت أحلامه التي تحولت إلى رموز لخيبات الأمل.
** ترجمت لك أعمال إلى العبرية ماذا يعني لك ذلك؟
– عندما تترجم الأعمال الأدبية الفلسطينية إلى العبرية نقتحم عقل وتفكير وتاريخ المواطن اليهودي، يعرف أنه اغتصب الأرض والحق، هناك من يقول لا أحد يهتم أنا أقول المثل الشعبي (العيار اللي ما بصيب يدوش) وطبعاً هم يعرفون أننا على حق، هناك من يؤيد ويناقش وهناك من يقف موقف العداء ويرفض، لكن أنا عن نفسي أفرح عندما يترجم لي لأنني أقول وصلت كلماتي لعقر دارهم.
** حين تتزوج الكاتبة من كاتب كيف تكون الحياة؟ وهل تجد الكاتبة الوقت والمساحة لتمارس مهنتها؟
– زواج الكاتبة من كاتب قد يشعل حرائق الغيرة، ليس عندنا فقط، بل أيضاً بالعالم الغربي، أعرف الكثير قد دخلوا التجربة وكان الطلاق والفراق العنوان البارز .
بالنسبة لتجربتي بصراحة كانت ناجحة وموفقة، زوجي كاتب متفهم ويشجع ويدعم، ولكن في المقابل أبذل الجهد المضاعف، يعني أنا أعمل خارج البيت وداخل البيت ورعاية الأولاد هذا جميعه يأخذ من وقتي وراحتي، اعترف زوجي كان يساعدني ولكن الحمل الثقيل علي، وأشكر الله في كل الأحوال يكفي أن تجد الكاتبة زوجاً متفهماً واعياً يدفعها إلى النجاح ولا يقلق من نجاحها.
** ما تقييمك لحال الثقافة في فلسطين في الوقت الحالي؟
الحالة الثقافية جيدة، من المعروف أن الثقافة الفلسطينية لها خصوصياتها، هناك عشرات الكتب تصدر أسبوعيا، عندنا شعراء وكُتاب قصة وكُتاب رواية ومسرحيين سينمائيين، لا يوجد دعم من المؤسسات والجمعيات، فالكاتب يصدر كتبه على حسابه الشخصي، قد تكون هناك بعض الميزانيات للمسرح أو للسينما، لكن الكتاب الفلسطيني يتيم.
هناك غياب للصحف والمجلات الأدبية، والأديب الفلسطيني قام بتعويض الغياب بالمواقع الالكترونية التي ساهمت في نشر أدبه.
** من أين تستمدين الأحداث والشخصيات في نصوصك السردية هل الواقع فرض وجوده أم الخيال يلعب دوراً أكبر؟
– في نصوصي الأحداث والشخصيات واقعية، بالطبع هناك إضافة للخيال وهذا شيء طبيعي للكاتب الذي يريد حمل الرسالة، لأن الواقعية أحياناً تكون تقريرية جافة فلا بد أن نستعين ببعض الخيال كي تصل الرسالة التي أرادها الكاتب.
** هل واجهتك صعوبات ككاتبة في وطن يفيض بالمشكلات؟
– أي كاتب في العالم لا بد أن يواجه صعوبات فكيف في مجتمع مركب، عدة طوائف ولكل طائفة تقاليدها وعاداتها، عدا عن أنك تعيش تحت سلطة وسياسة وقوانين مع شعب آخر، شعب فرض نفسه على تاريخك وحياتك ورسم خطواتك منذ ولادتك.
المسئولين اليهود من يقررون المناهج التدريسية عدا عن القوانين العنصرية الذي يقررها أيضاً، حتى اختيارك للحب يجب أن يكون حسب مزاج المؤسسة الإسرائيلية.
لا يوجد أي خيارات أمام المواطن العربي، فهو يعيش في الدائرة المفروضة عليه.
الصعوبات التي عشتها كانت تتلخص بمقولة والدتي رحمها الله (حاملة السلم بالعرض) أي أنني دائماً في الاتجاه المغاير والمعاكس والرافض، بصراحة لا أريد أن أكون مدجنة في الحظيرة السياسية، ومن حقي أن أفتح أبواب ذاكرة شعبي وذاكرة والدي وأعيش تفاصيل لجوئه وهدم قريته ومصادرة أرضه.
واجهت الكثير من الصعوبات لكن اجتزتها، كان منعي من العمل في أي مؤسسة حكومية، لأن ملفي كان مليئاً بالتجاوزات، لكن لم أهتم .
وما زالت أكتب وشعاري “قل كلمتك وامش” .