وكالات – كتابات :
طرحت الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ التي بدأت أواخر الشهر الماضي، مشكلة الأمن الغذائي العربي، نظرًا لإنقطاع سلاسل التوريد، وهو ما يُحفز الدول العربية لتحقيق أمنها الغذائي سواء على الصعيد المحلي أو عبر شراكات، بحسب خبراء.
وأجمع خبراء عرب؛ لوكالة (الأناضول) التركية في تقريرًا لها، على أن مشكلة الأمن الغذائي تدفع بالدول العربية لحوافز من أجل تطوير “قطاع الزراعة”، وفي ظل آفاق للتعاون العربي تبقى التحديات السياسية حاضرة في هذا التعاون.
وفي 24 شباط/فبراير الماضي، أطلقت “روسيا” عملية عسكرية في “أوكرانيا”، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية مشددة على “موسكو”.
إنكشاف عربي مأساوي..
الكاتب والباحث العراقي؛ “نظير الكندوري”، قال إن: “الحرب (الروسية-الأوكرانية) كشفت فجوة كبيرة تُعانيها الدول العربية في نظامها الغذائي، وبيَّنت حجم اعتمادها على الخارج في تأمين احتياجات شعوبها من الغذاء؛ وخاصة في المواد ذات البُعد الإستراتيجي”.
وأضاف: “استغناء الدول العربية عن منتجات روسيا وأوكرانيا الزراعية، واستبدالها بواردات من دول أخرى، ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى شهور عديدة لتأمينها، وحتى إذا نجحت فإنها لن تكون بنفس الأسعار القديمة قبل الحرب”.
وأوضح: “كان من المفترض على أي دولة، أن تقوم بتعزيز أمنها الغذائي سواء في حالات السلم أو الحرب، لكن الذي نراه أن الدول العربية أكتفت بالاستيراد، وكثير منها لا تمتلك خزينًا إستراتيجيًا داخل صوامعها، هذا ما رأيناه في العراق؛ الذي لا يكفي خزينه من الحبوب سوى لأيام قادمة”.
وبيّن أن: “الدول الخليجية ليست دولًا زراعية؛ وتُعاني من نقص المياه، وينطبق هذا الوصف أيضًا على دول المغرب العربي إلى حدٍ ما، لكن فيما يخص: العراق ومصر والسودان وبعض دول الشام، فرغم تمتعها بالأراضي الصالحة للزراعة وتوفر المياه، لكنها لم تُعطِ الأمر أهمية قصوى”.
أنظمة لن تستوعب الدرس..
وردًا على سؤال حول توقعاته بأن تُشكل الأزمة حافزًا لتطوير الزراعة، قال “الكندوري”: “لا أعتقد ذلك، ولن تأخذ الأنظمة العربية من الأزمة الأوكرانية درسًا يجعلها تُفكر جديًا في تأمين احتياجاتها الغذائية، وهذا ما لاحظناه في تصريحات المسؤولين العرب”.
وأوضح أن المسؤولين: “أحيانًا لا يُشيرون إلى تلك المشكلة الغذائية؛ وإذا أشاروا لها، فإنهم يعتبرونها مشكلة وقتية سرعان ما سترجع الأمور إلى طبيعتها”.
وعن فرص التعاون العربي أفاد: “لا توجد أي ملامح على تعاون (عربي-عربي) في مجال الاستثمارات الزراعية، بالرغم من أن هناك فرصًا كبيرة وواعدة لهذا التعاون الذي من شأنه يجعلها تتخطى أزمة الإمدادات الغذائية العالمية”.
وختم بالقول: “الدول العربية قادرة على تأمين احتياجاتها الغذائية، فالدول النفطية التي لا تمتلك أراضي صالحة للزراعة ولا مياهًا، بإمكانها الاستثمار في الدول العربية التي تمتلك تلك الخاصيتين؛ لكنها تفتقر إلى الأموال مثل: مصر، والسودان، والعراق، وسوريا، ومن الممكن للدول العربية تطوير منشآتها التخزينية”.
تحدي الأمن الغذائي..
من جانبه؛ قال الكاتب والمحلل السياسي السوري؛ “هشام منور”: “الحرب في أوكرانيا وضعت الدول العربية أمام تحدٍ كبير يتمثل في تأمين الأمن الغذائي لشعوبها في ظل نقص إمدادات سلاسل الغذاء عالميًا، وارتفاع أسعار القمح”.
وأردف: “يجب على الدول العربية تعزيز التعاون الزراعي البيني؛ وتوظيف الأراضي الزراعية الشاسعة فيها، وتوظيف الاستثمارات اللازمة لزيادة إنتاجها من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية: كالقمح والذرة والأرز، والتفكير بمآلات الحرب فيما يتعلق بتنويع سلة الغذاء العربي”.
وشدد على أنه: “يمكن للدول العربية القيام بشراكات إستراتيجية بينية لتوظيف الموارد المالية التي تمتلكها بعضها، والمساحات الزراعية الكبيرة في بعضها الآخر لإنتاج شراكة زراعية اقتصادية نوعية”.
وأوضح ذلك بأنه: “لمواجهة سيل الأزمات العالمية المتفجرة في أكثر من مكان حول العالم؛ وعدم انتظار وقوع الكارثة أو المجاعة كما حذرت الأمم المتحدة بخصوص أوكرانيا، واستباق ذلك من خلال إعداد خطط مستقبلية لتحقيق الأمن الغذائي لشعوبها”.
الإصلاح الزراعي..
وحول عملية تحفيز الإصلاح الزراعي، قال “منور”: “أعتقد أن المسألة يمكن أن تأتي في مرحلة لاحقة على تحقيق الشراكات في المجال الزراعي لمواجهة نقص إمدادات الغذاء في الدول العربية جراء الحرب في أوكرانيا”.
وزاد: “المطلوب الآن حلول إسعافية عاجلة لمواجهة خطر نقص المخزون الإستراتيجي من القمح والغذاء، ويمكن تاليًا بعد نجاح تحقيق الشراكات؛ التوجه إلى استصلاح مزيد من الأراضي التي يتهددها خطر البوار نتيجة الإهمال والحروب، فضلاً عن تأمين الموارد المائية اللازمة”.
وأكد أن: “الحديث عن المقومات الزراعية الكبيرة التي تمتلكها العديد من الدول العربية؛ يصطدم بالإرادة السياسية لهذه الدول التي لم تتمكن زمن السلم عالميًا من تحقيق التكامل الزراعي، وإذا ما تحقق هذا التكامل بدافع من الخوف على الأمن الغذائي للشعوب فقد نشهد إنفراجًا في تحقيق الإكتفاء الذاتي لهذه الدول غذائيًا”.
وختم قائلاً: “المطلوب تحرك عاجل ودراسة متأنية لما يجري في أوكرانيا على كل الأصعدة، ومع الأسف لم تجتمع دول الجامعة العربية حتى الآن؛ ولو في قمة طارئة على مستوى وزراء الخارجية، لدراسة تبعات ومآلات ما يجري”.
طاقات الأمم..
الكاتب والمحلل السياسي الجزائري؛ “رضا بودراع”، قال من ناحيته: “إذا نظرنا للوجه الثاني من الحرب، فهي أيضًا من المحركات الكبرى في التاريخ لتفجير طاقات الأمم، والمنطقة العربية ينبغي أن يكون لها حظ من ذلك، وإغتنام فرصة أن الحرب لا تدور رحاها فوق أرضها لحد الآن”.
وأضاف: “الحرب الأوكرانية تُمثل الفرصة الأنسب لتراجع الدول العربية تحالفاتها الخارجية وسياساتها لتمتين الجبهة الداخلية، كما أنها اختبار للبُنى التحتية ومدى فاعليتها لمواجهة التحديات نتيجة انقطاع سلاسل التوريد العالمية للمواد الخام أو المنتجات الضرورية”.
وذهب إلى القول: “أن الوقت قد فات لتفادي الصدمة الغذائية التي ستتولد عن الحرب، لكن يمكن العمل على الحد من تداعياتها الطويلة، ولا يكفي فقط العودة إلى الزراعة والصناعة الغذائية، فالأمر أعمق من ذلك، فتحقيق الأمن الغذائي مرتبط بعوامل دولية وأيضًا سياسية”.
وشرح مبينًا: “ترتيب البيت الداخلي للدول العربية والدخول في تسويات سياسية شاملة لتحقيق التكافل الشعبي أمر لا مفر منه”.
وأكد أن: “ملامح وفرص التعاون ينبغي أن تتجاوز الإطار العربي؛ ولا مناص من بناء تحالفات اقتصادية جديدة تؤمن سلاسل التوريد، والتضامن الدبلوماسي، وتبادل التقنية والخبرات”.
واعتبر “بودراع” أن: “الاستفادة من الخبرة التركية في الزراعة، مثالٍ جيد لتحقيق الإكتفاء الذاتي في أغلب الصناعات الغذائية”.
وختم: “لا بد من الانفتاح على جميع التجارب غير التقليدية التي حققت نجاحات على مستوى تجاوز الأزمات الكبرى، فالحفاظ على العنصر البشري هو في الحقيقة ثمرة كل إستراتيجية ناجحة”.