زيارة الرئيس السوري، السيد بشار الاسد، الى الامارات؛ لم تكن مفاجئة، بل ان العكس هو الصحيح؛ فهي زيارة كانت متوقعة، على ضوء تنامي وتطور العلاقة بين سوريا والامارات في السنوات الاخيرة، وبالذات بعد فتح سفارة، او بعد اعادة فتح سفارة الامارات في دمشق. كما ان الزيارة جاءت بعد تطورت وتغييرات في الساحة الدولية ونعني هنا بهذه التغييرات هي الحرب الروسية الاوكرانية، اضافة الى تغير موقف كل من السعودية والامارات مع حليفيهما الاستراتيجي، الولايات المتحدة الامريكية. هذا الموقف الذي ظهر والأول مرة اكثر ميلا الى الموقف الروسي منه الى الموقف الامريكي، ونعني هنا بالموقف؛ هو الموقف من الحرب الروسية الاوكرانية. فقد رفضا كل من ولي العهد السعودي وولي العهد الاماراتي؛ المكالمة الهاتفية لبايدن، اضافة الى ان كليهما رفضا زيادة صادراتهما النفطية للمساهمة في عملية خفض الاسعار، اي رفضا الطلب الامريكي. ان هذه المواقف، هي ما يفترض بهما القيام بها من زمن بعيد؛ وفي اولها الانفتاح على سوريا الاسد، أو في الذي يخص سوريا، وثانيا في الوقت الحاضر؛ في الذي يخص، الموقف من الحرب الروسية الاوكرانية، والتي هي، وفي اي عملية حيادية وعلمية وواقعية في قراءة مسبباتها وغاياتها واهدافها؛ تقود الى اعتبارها حرب روسية امريكية ولو ان الاخيرة حربها مع روسيا بالإنابة اي انابة النظام الاوكراني عنها في الحرب مع الاتحاد الروسي، وهذا لا يعني ان الاتحاد الروسي ليس دولة غازية، بل ان ما قامت روسيا به؛ هو عملية غزو، ولو كان لها اسبابها، كما اسلفنا القول فيه. نعود الى تغير مواقف السعودية والامارات في علاقتيهما مع الحليف الامريكي، اضافة الى زيارة الاسد الى الامارات.
ان تغيير مواقف، كلا الدولتين، الامارات والسعودية في العلاقة مع امريكا، كما قد فُهِم من وسائل الاعلام، سواء العربية او غيرها، على اعتبار انها تحول في المواقف؛ لكن الحقيقة هي غير هذا وبالكامل. ان تغير موقف الدولتين الامارات السعودية، وبالذات من الحرب الروسية الاوكرانية، هو ليس تغير المواقف مع امريكا الدولة، بل هو تغير مع امريكا الادارة، كما هو موقف الكيان الاسرائيلي من الادارة الامريكية الحالية، اي من سياستها في المنطقة. اما علاقة الامارات والسعودية مع امريكا الدولة فهي علاقة تأخذ او اخذت منذ زمن بعيد وبعيد جدا؛ ابعاد استراتيجية، لا يؤثر على هذه العلاقة موقفيهما الاخيرين من الحرب في اوكرانيا، هذا جانب، اما من الجانب الثاني فهما لهما، وبالذات في السنوات الاخيرة؛ علاقة متنامية مع الصين وروسيا، وهما لا يريدان التفريط بها، خصوصا وان ثقتهما في الحليف الامريكي( الادارة الحالية) شابها في الفترة الاخيرة، الكثير من الشكوك، واهتزاز الثقة بهذا الحليف وما هو مقدم عليه وبالذات في الصفقة النووية مع ايران وما سوف يترتب عليها من نتائج على ارض الواقع.. من المهم الاشارة هنا الى اخر تصريح لمسؤول امريكي حول الصفقة النووية مع ايران؛ قال بانها ليست مؤكدة وليست قريبة او التوقيع عليها قريبا، لكن، قال مستدركا؛ بان احياءها يتطلب قرارات صعبة لأحياء العمل بها. في مقاربة مع موقف اسرائيل من الادارة الحالية؛ يكاد يقترب موقف الدولتين من هذه الادارة من موقف اسرائيل منها. اسرائيل تعتبر العودة الى الصفقة النووية، يضر بأمنها وامن المنطقة كما يقول مسؤولوها، وهو ذات القول من قبل الدوليتين السعودية والامارات. نعود الى زيارة الرئيس السوري، السيد بشار الاسد، الى الامارات؛ فهل هي لإعادة سوريا الى الجامعة العربية، اي الغاء تعليق عضويتها في الجامعة والتي ساهما، بل هما من طلبا مع قطر في وقتها تعليق عضوية سوريا الاسد في الجامعة العربية، انما بعد سنوات وحين تخلى الحليف الامريكي؛ عن خططه للإطاحة بالنظام السوري، وحين تغيرت معادلات التأثير والقوة لصالح سوريا، وحين ايضا تغيرت مفاعيل القوة وتأثراتها، للقوى العظمى والكبرى في العالم وفي المنطقة العربية وجوارها، وايضا عندما تبدلت بزاوية ميل 180درجة سياسة الجوار العربي، تحت ضغط الواقع، ونعني هنا سياسة تركيا أردوغان، سواء الموقف من سوريا الاسد او العلاقة مع اسرائيل، التي زار مؤخرا رئيسها انقرة واستقبل من قبل اردوغان بحفاوة بالغة، وايضا علاقة تركيا اردوغان مع دول الخليج العربي، ومع بقية الدول العربية ومنها مصر، ولو ان العلاقة مع الاخيرة لم تتضح بعد. اعتقد ومن وجهة نظري المتواضعة؛ ان هناك خطط ما للحلحلة للأوضاع في المنطقة العربية، ولا تخرج ايران حين يتم اعادة العمل بالصفقة النووية عن هذا الاتجاه. ان زيارة الرئيس السوري الى الامارات تقع في هذه الخانة اي ان هناك سيناريوا ما لتفكيك عقد الحلول في سوريا. من السابق؛ التنبؤ بماهية هذه الحلول؟ لكن مع هذا في الامكان القول ان هذه الزيارة ما كان لها ان تكون لولا موافقة روسيا او بضغط روسي على دول الخليج، التي ارتبطت بعلاقات اخذة في النمو والتطور في السنوات الاخيرة، ولا يمكن ايضا فصل مواقف الدولتين السعودية والامارات في الذي يخص الطلب الامريكي اي امريكا بايدن؛ بزيادة صادرات النفط من كلا الدولتين. كما ان هذه الزيارة ما كان لها ان تكون لولا الضوء الاخضر الامريكي لها، او على بعد احتمال هو القبول الامريكي بها، وكذلك ايران التي تتفاوض مع امريكا بالشكل الغير مباشر على اعادة العمل بالصفقة النووية. السؤال هنا؛ ما هو موقف اسرائيل من اعادة العلاقة السورية الاماراتية الى سابق ما كانت عليه؛ خصوصا وان الامارات ليست مطبعة مع اسرائيل، بل هي ترتبط بعلاقات عميقة مع اسرائيل، ليس الان، او في الوقت الحاضر، بل ان هذه العلاقة لها في الوجود زمنا طويلا بل طويلا جدا. الامارات قدمت لإسرائيل قبل هذا الوقت خدمات واسعة، ولم تزل. أما الحديث عن ان الامارات؛ دعت الرئيس السوري لزيارتها واستقبلته بحفاوة؛ كي تتخلص من اثار عملية التطبيع مع اسرائيل؛ ما هو الا طمس للحقائق الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. ان جميع هذه التطورات مترابطة ترابطا عضويا، اما الحديث بان امريكا غاضبة من هذه الزيارة فهو حديث غير واقعي ولا يمت باي صلة للواقع الموازي للواقع المعيش. في هذه الظروف والتحولات يجري الان الاجتماع الاول للجولة السابعة للجنة كتابة الدستور في جنيف؛ تنفيذا للقرار الاممي 2254. ان الوفد السوري في مفاوضات جنيف؛ كما يقول الاعلام؛ قد ابدى مرونة واسعة، حتى قبل بدء الاجتماع الاول. ان الزمن المقبل، وهو زمن ليس قصيرا، ربما يتوهم البعض؛ بأنه سيكون قصيرا؛ حافل بالمتغيرات ليس في سوريا فقط، بل في عموم مشاكل المنطقة.