وكالات – كتابات :
العالم بعد حرب “أوكرانيا” سيكون مختلفًا كثيرًا عما قبلها، فسينتهي الشكل الحالي الذي ميز الاقتصاد العالمي منذ عقود، وسينقسم العالم تدريجيًا إلى كتلتين متنافستين، أو معزولتين على الأقل.
والارتفاع الحاد في أسعار الغذاء؛ الذي يشهده العالم بسبب حرب “أوكرانيا” (كما يدعي الإعلام الغربي)، ليس إلا بداية سلسلة من التغييرات الكبيرة، التي قد يشهدها الاقتصاد العالمي جراء هذه الحرب.. تقرير لمجلة (Foreign Affairs) الأميركية عرض تصورًا لشكل العالم بعد الحرب الأوكرانية؛ التي يرى أنها بدأت تُسرع نهاية “العولمة”؛ التي كانت بدأت قبل الحرب، مؤكدًا أن هذا سيكون له تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد العالمي، وعلى أسعار السلع وطريقة تطويرها وستكون دول العالم الثالث هي أول من يدفع الثمن؛ نفس النبرة التي يبثها الإعلام الغربي والتابع له في دول منطقة الشرق الأوسط؛ كفزاعة في حربه النفسية ضد الجانب الروسي، وكحجة شعبوية يتم إيهام الرأي العام العالمي، وداخل مجتمعات العالم الثالث خاصة، بها حتى يتم استغلال موارد ومقدرات الشعوب لصالح أعلى ربحية تحققها الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات.
البداية من روسيا..
يستهل تقرير المجلة الأميركية: وقع الاقتصاد الروسي تحت وطأة العقوبات على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية. بدأ الغرب في مصادرة أصول أغنى الأشخاص المُقرّبين من الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، بعد فترة وجيزة من غزو “أوكرانيا”؛ وأغلق مجاله الجوي أمام الرحلات الجوية الروسية؛ وقيّد وصول الاقتصاد الروسي إلى التقنيات المستوردة. بالإضافة إلى كل ذلك، جمَّدت “الولايات المتحدة” وحلفاؤها أصول “البنك المركزي الروسي” وعزلوا “روسيا” عن النظام المصرفي العالمي؛ (سويفت)، فضلاً عن المؤسسات الأساسية للتمويل الدولي، من ضمنها “صندوق النقد الدولي”؛ وجميع البنوك الأجنبية.
تسبّبت “العقوبات الغربية” في إنهيار قيمة “الروبل”؛ ويبدو أنَّ الحكومة الروسية على وشك التخلف عن سداد ديونها المقومة بالعُملات الأجنبية، فضلاً عن أنَّ “موسكو” لن تستطيع قريبًا إنتاج الاحتياجات الضرورية؛ سواء لقطاع الدفاع أو للمستهلكين؛ لأنَّها ستفتقر إلى مكوّنات الإنتاج الأساسية. من جهة أخرى، أجبر الرأي العام – إلى جانب الخوف من التعرّض للعقوبات – الشركات الغربية؛ على إغلاق أنشطتها في “روسيا”؛ بحد زعم التقرير الأميركي.
تقول المجلة الأميركية: “يُعتبر رد العالم الديمقراطي على عدوان موسكو صحيحًا جدًا من الناحية الأخلاقية؛ واستنادًا إلى أسس الأمن القومي. ومع ذلك، ثمة عواقب اقتصادية سلبية لهذه التدابير العقابية الغربية ستتجاوز مجرد الإنهيار المالي لروسيا”.
العولمة كانت قد بدأت تتآكل..
كان هناك اتجاهان على مدى: الـ 20 عامًا الماضية؛ يُسرّعان بالفعل وتيرة تآكل العولمة التي كان يُفترض أنَّها تمضي قدمًا بلا هوادة. أولاً، أنشأ الشعبويون والقوميون حواجز أمام التجارة الحرة والاستثمار والهجرة وانتشار الأفكار، لاسيما في “الولايات المتحدة الأميركية”.
ثانيًا؛ شجَّع تزايد “بكين” في النظام الاقتصادي الدولي والترتيبات الأمنية طويلة الأمد؛ في “آسيا”، الغرب؛ على وضع حواجز أمام التكامل الاقتصادي الصيني. سيتسبّب الغزو الروسي و”العقوبات الغربية”؛ الناجمة عنه، في جعل تآكل “العولمة” الجاري أسوأ بكثير الآن.
الغرب لن يقبل من “الصين” إلا الانصياع لحصار “روسيا”..
ثمة العديد من الأسباب لحدوث ذلك؛ كما يدعي التقرير الأميركي. أولاً؛ تسير “الصين” على حبلٍ رفيع لتتجنب اتخاذ موقف تصادمي تجاه الغزو الروسي. في الوقت نفسه، يُراقب نظامها المالي واقتصادها مدى تأثير “العقوبات الغربية” على الاقتصاد الروسي؛ بسبب الانتقام الاقتصادي الغربي المحتمل في حال قررت “بكين” تزويد “موسكو” بمعدات عسكرية أو دعمها ماليًا للتخفيف من تأثير “العقوبات الغربية”. ومع ذلك، لكن أي شيء دون الإنضمام الكامل إلى الحصار المفروض على “روسيا” سوف يُغذي السياسات المعادية لـ”الصين” في الغرب. ثانيًا؛ تخشى الدول الخضوع لأهواء القوة الاقتصادية الظاهرة حاليًا لـ”واشنطن”. قد تكون العقوبات الاقتصادية الأميركية عادلة في الوقت الحالي، لكن “الولايات المتحدة” قد تُصبح أكثر جموحًا وأنانية في المرة المقبلة.
الكل سيُحاول تجنب مصير “موسكو” عبر الإنزواء والإكتفاء الذاتي..
قد تسعى الحكومات إلى الاعتماد على الذات وتحرير نفسها من الروابط الاقتصادية؛ نتيجة الأضرار التي تُلحق بالاقتصاد الروسي والتكاليف الباهظة التي سوف تتكبدها “أوروبا الوسطى”؛ في حال أوقفت “روسيا” إمداداتها من “الغاز الطبيعي” و”النفط”؛ يستمر التقرير الأميركي في استعراض تكهناته.
مضيفة المجلة الأميركية: ومن المفارقات أنَّ الانكماش الاقتصادي الحاد الحالي في “روسيا”؛ يُظهر مدى صعوبة إزدهار الدول دون الاعتماد الاقتصادي المتبادل. أدت في الواقع محاولات “روسيا” لجعل نفسها مستقلة اقتصاديًا إلى زيادة احتمالية خضوعها للعقوبات، لأنَّها أصبحت أكثر انعزالاً، كما أن الغرب لم يكن يتعيَّن عليه المخاطرة بنفس القدر مثل “روسيا” لفرض العقوبات.
لكن هذا لن يمنع العديد من الدول من محاولة الإنزواء داخل كتل اقتصادية منفصلة من أجل حماية نفسها بالانسحاب من الاقتصاد العالمي تحسبًا لتكرار ما حدث مع “روسيا” معها.
الاقتصاد العالمي سينقسم إلى كتلتين معزولتين..
متابعًا التقرير: تحدث النقاد على مدى سنوات عن الكتل الاقتصادية وحالة انقسام الاقتصاد العالمي، التي بدأت مع الحرب التجارية التي شنّها “دونالد ترامب”؛ ضد “الصين”، واستمرت خلال جائحة (كوفيد-19) وتتسارع وتيرتها حاليًا مع العدوان الروسي على “أوكرانيا”.
لكن يبدو أنَّ الاقتصاد العالمي الآن على الأرجح سينقسم حقًا إلى كتل منفصلة – واحدة تتمحوّر حول “الصين” وأخرى حول “الولايات المتحدة”، مع “الاتحاد الأوروبي” – تُحاول كل واحدة عزل نفسها، ثم العمل على إضعاف الكتلة الأخرى.
لماذا فشلت محاولة روسيا في إيجاد بديل لـ”الدولار” ؟
على الرغم من كل ما يُقال عن السياسة الأميركية المشار إليها باسم: “تسليح التمويل”، بدت العقوبات المفروضة ضد “روسيا” فعّالة فقط؛ لأنَّ التحالف الدولي الذي فرضها كان واسع النطاق وملتزمًا بتنفيذها؛ كما يرى التقرير.
على سبيل المثال؛ يتعذر تجميد احتياطيات “البنك المركزي الروسي”؛ إلا إذا كانت غالبية النظام المالي العالمي على استعداد لفعل ذلك، لاسيما أنَّ العقوبات المالية ضد “روسيا” لن تتسبَّب في حدوث أي تغييرات جوهرية في النظام النقدي أو المالي للعالم في ضوء حقيقة أنَّ التحالف المناهض لـ”روسيا” يضم جميع المؤسسات المالية الرئيسة باستثناء البنوك الصينية – التي بدورها لا تُريد أن تُستبعد من هذا النظام.
قد يؤدي الخوف من احتمالية إفراط “واشنطن” في استخدام قوتها المالية إلى تحفيز الدول الأخرى على إيجاد بدائل أفضل لـ”الدولار” ونظام المدفوعات المتمركز حوله. ومع ذلك، توضح تجربة “روسيا” أنَّ تنويع دولة ما احتياطياتها ما بين: “اليورو واليوان”؛ وحتى “الذهب” لن يُساعد في شيء ما دام المشاركون الآخرون في السوق يخشون الاستبعاد من نظام “الدولار”، لأنَّ في هذه الحالة لن يكون هناك طرف آخر تبيع هذه الدولة احتياطياتها له؛ كما يستعرض التقرير الأميركي إدعاءاته.
النمو سيتراجع والتكلفة ستتزايد..
وبناءً عليه، لن يؤدي الغزو الروسي والعقوبات الغربية المترتبة عليه؛ إلى تغييرات مالية كبيرة في الاقتصاد العالمي، لكنّه سَيُسرّع من التآكل الجاري بالفعل لـ”العولمة”، وهو ما سيُنجم عنه تأثيرات واسعة النطاق. سيتراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي مع فك الترابط الاقتصادي بين دول العالم. ستكتسب الشركات والصناعات المحلية القائمة مزيد من القوة للمطالبة بتدابير حماية خاصة. ستنخفض إجمالاً العائدات الحقيقية على استثمارات الأسر والشركات.
لمعرفة سبب حدوث ذلك؛ تأمل ما قد يحدث لسلاسل التوريد. في الوقت الحالي، تأخذ معظم الشركات الصناعية وتجار التجزئة كل عنصر رئيس من مدخلات عمليات الإنتاج الخاصة بهم من مكان واحد أو عدد قليل من الأماكن المنفصلة. كان هناك منطق اقتصادي قوي لإنشاء سلاسل التوريد العالمية بهذه الطريقة، التي تُشجع الشركات والمصانع على التخصّص لتجنب حالات التكرار، ومن ثمَّ حدوث فائض في الإنتاج لا حاجة له.
لكن بالنظر إلى الحقائق الجيوسياسية والحالة الوبائية الحالية، قد لا تستحق سلاسل القيمة العالمية المجازفة بالاعتماد على نقاط اختناق محددة، لاسيما إذا كانت تلك النقاط في دول مضطربة سياسيًا أو غير موثوقة. ستؤمن الشركات متعددة الجنسيات نفسها ضد المشكلات، بتشجيع من الحكومة، من خلال بناء سلاسل إمداد زائدة عن الحاجة في مواقع أكثر أمانًا. سيحمي هذا الإجراء من بعض المخاطر السلبية، لكنه سيضيف تكلفة مباشرة لن ينتج عنها عائدات اقتصادية فورية؛ بحسب ما يتصوره التقرير الأميركي.
غياب المنافسة بين الشركات الأميركية والصينية سيؤدي لتراجع الابتكار..
يتابع التقرير الأميركي: في الوقت نفسه، إذا لم تواجه الشركات الصينية والأميركية منافسة من بعضها البعض؛ (أو من شركات خارج تكتلها الاقتصادي)، فسوف يتراجع على الأرجح مستوى كفاءة الإنتاج ولن يستطيع المستهلكون الحصول على نفس التنوع والموثوقية كما هو الحال حاليًا، فضلاً عن أنَّ الاقتصادات المغلقة تميل إلى الإفتقار إلى الشفافية وتنامي المحسوبية، وهو ما يجعلها أكثر عرضة للفساد من الاقتصادات المفتوحة.
سينجم عن تآكل العولمة عواقب سلبية أيضًا على المجال التقني. يكون الابتكار أسرع وأكثر شيوعًا عندما تتشارك مجموعة المواهب العلمية العالمية وتصبح قادرة على تبادل الأفكار ومشاركة إثبات المفاهيم العلمية أو دحضها. وفي عالم الحروب السيبرانية والتجسس الإلكتروني، ثمة سبب مقنع سياسيًا لكي تُحاول الدول ضمان أن التقنيات الخاصة بها لا تصل إلا إلى حلفائها فقط. لكن هذا يضر بالابتكار، حيث تحرم المؤسسات البحثية الأميركية والغربية الأخرى نفسها من العديد من الطلاب والعلماء الصينيين والروس الموهوبين؛ بحسب إدعاءات التقرير.
التكامل داخل الاتحاد الأوروبي سيتزايد..
ثمة أثر جانبي اقتصادي مفيد للانقسامات العالمية المتزايدة، ألا وهو تحفيز “الاتحاد الأوروبي” لتوحيد المزيد من سياساته الاقتصادية. يُخصص “الاتحاد الأوروبي” موارد مشتركة لتقاسم العبء المالي للتدفق الهائل للاجئين الأوكرانيين القادمين إلى “بولندا” وأعضاء شرقيين آخرين.
قد يُصدر “الاتحاد الأوروبي” أو “منطقة اليورو” المزيد من السندات في المستقبل، ما يُساعد الاقتصاد العالمي بشكل أكبر. يعزز الغزو الروسي حقيقة أنَّ هذا عالم منخفض العائدات ولدى العديد من المستثمرين رغبة كبيرة في عدم المخاطرة. يستطيع “الاتحاد الأوروبي” و”منطقة اليورو” استيعاب بعض المدخرات غير الراغبة في المخاطرة من خلال إنشاء أصول أكثر أمانًا بالنسبة لهم، ما يؤدي إلى تحسين الاستقرار المالي.
سيُساهم أيضاً توطيد وحدة “الاتحاد الأوروبي” في خلق فرص جديدة للنمو. تعهدت كل دولة عضو في “الاتحاد الأوروبي”، بقيادة المستشار الألماني؛ “أولاف شولتز”، بإلتزام مالي متعدد السنوات لزيادة الإنفاق الدفاعي والاستثمارات العامة لتقليل اعتماد “أوروبا” سريعًا على الوقود الأحفوري الروسي، وهذا من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً نحو إنهاء الانتفاع المجاني لـ”أوروبا” من “الولايات المتحدة” و”الصين” من أجل النمو.
العالم النامي أكثر من سيدفع الثمن..
لسوء الحظ؛ سيُلقي الغزو الروسي بظلاله المؤلمة للغاية على العالم النامي. عانى مواطنو الدول الفقيرة بالفعل من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة ؛ومن المُرجح أن يتفاقم التأثير الاقتصادي لتآكل العولمة. فإذا أُجبرت الدول ذات الدخل المنخفض على الإنحياز إلى أحد الجانبين عند اتخاذ قرار بشأن المكان الذي تحصل منه على مساعداتها والاستثمار الأجنبي المباشر، فسيؤدي ذلك إلى تضييق الفرص المتاحة لقطاعاتها الخاصة. نتيجة لذلك، سوف يزداد اعتماد الشركات داخل تلك الدول على الكيانات المدعومة من الحكومة في الداخل والخارج؛ كما يواصل التقرير الأميركي استعراض إدعاءاته.
ومع توسّع “الولايات المتحدة” ودول أخرى في استخدام آلية فرض العقوبات، تقل احتمالية إقبال الشركات على الاستثمار في تلك الاقتصادات الخاضعة للعقوبات. في الوقت نفسه، تريد الشركات متعددة الجنسيات تجنّب إزدراء “الولايات المتحدة”، لذا ستتخلّى عن الاستثمار في الأماكن التي ترى أنَّها تتمتع بشفافية لا يمكن الاعتماد عليها.
من جانبها؛ تُريد الدول منع التلاعب في الأسعار وخفض الضرائب على الطاقة وتعويض الأسر عن ارتفاع أسعار “الغاز”، لكنها تُريد أيضًا زيادة الحوافز لتقليل الاعتماد على “الوقود الأحفوري” وتوسيع نطاق إنتاج الطاقة المتجددة الأكثر مراعاة للبيئة للتخفيف من آثار تغيّر المناخ، الأمر الذي يتطلب دفع فاتورة أعلى. وعلى الرغم من أنَّ الديمقراطيات تهدف إلى بناء تحالفات على أساس القيم الليبرالية وآليات سوقية أكثر حرية، لكنها تذهب إلى الحكومات الاستبدادية مثل: “المملكة العربية السعودية وفنزويلا” وتعرض إضفاء الشرعية على تلك الأنظمة الاستبدادية في مقابل زيادة إمدادات “النفط” لخفض تكاليف الطاقة.
التصدي للتغيرات المناخية مستحيل بدون “الصين”..
يكمن وراء كل هذا حقيقة مزعجة مفادها أنَّ العالم بحاجة إلى عمل جماعي دولي، يشمل “الصين”، إذا أراد إبطاء ارتفاع درجات الحرارة. لا يمكن لتحالف الديمقراطيات أن يفعل ذلك بمفرده. نجحت الحكومتان الصينية والأميركية، في بعض الأحيان، في إحراز تقدم مشترك في مبادرات المناخ حتى أثناء وجود نزاع بينهما بشأن قضايا أخرى. كان الرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، ونظيره الأميركي؛ “جو بايدن”، قد أعربا عن رغبتهما في فعل ذلك مُجدَّدًا. لكن الأمر سوف يزداد صعوبة مع اتجاه كل دولة للدخول ضمن كتلة اقتصادية منفصلة. وبالنظر إلى أنَّ تآكل العولمة يقلل من وتيرة الابتكار بتقييد التعاون البحثي، فسيصبح من الصعب أيضًا على العلماء التوصل إلى أداة خارقة يمكنها إنقاذ الكوكب؛ بحسب تصورات كاتب التقرير.
هل يمكن لـ”الصين” البقاء على اتصال بالاقتصادات الغربية ؟
زاد الغزو الروسي لـ”أوكرانيا” من صعوبة وقف تآكل العولمة؛ وما نجم عنها من تداعيات اقتصادية مؤلمة. لكن صانعي السياسة ليسوا عاجزين. كانت العقوبات المالية على “روسيا” قوية جدًا؛ لأنَّها فُرضت من جانب تحالف قوي من الديمقراطيات ذات الدخل المرتفع. إذا كانت: “أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي” واقتصادات السوق المهمة الأخرى قادرين على توجيه نفس القوة التي استخدموها لمعاقبة “روسيا” من أجل مساعدة الاقتصاد العالمي، فسوف يستطيعون إصلاح هذا التآكل – ربما يشجع ذلك “الصين” للبقاء على اتصال مع النظام الدولي.
لفعل ذلك؛ يجب على المسؤولين إتباع مجموعة واسعة من السياسات. يمكنهم البدء بإنشاء سوق مشتركة بين الديمقراطيات تكون واسعة النطاق قدر الإمكان، بحيث تشمل السلع والخدمات وحتى فرص العمل. يتعيَّن على المسؤولين أيضًا خلق ساحة عمل متكافئة نسبيًا بين الحلفاء من شأنها تعزيز المنافسة الصحية والتقليل من أسوأ الآثار الجانبية للقومية الاقتصادية المتمثّلة في الفساد والهدر والمحسوبية. يجب على صانعي السياسات أيضًا إنشاء جبهة استثمار عامة مستدامة ومتعددة السنوات عبر التحالف الغربي، ما سيحد من الاختلالات بين الاقتصادات ويزيد العائدات الإجمالية على الاستثمار؛ كما يتمادى التقرير الأميركي في تخيلاته.
لا تستطيع الديمقراطيات في العالم عكس مسار كل انقسام مدمر في الاقتصاد العالمي ناجم عن العدوان الروسي والموافقة الضمنية الصينية عليه. وعلى الرغم من ضرورة مواجهة بعض أشكال العنف بالعزلة الاقتصادية، تستطيع التحالفات القوية تعويض العديد من الخسائر لضمان استقرار هذا الكوكب؛ بهذه الآماني يختتم التقرير الأميركي إدعاءاته.