وكالات – كتابات :
نشر موقع مجلة (غلوبال تريد) مقالًا؛ لـ”كيرك سامسون”، مدير في رابطة التجارة الدولية في “شيكاغو” الكبرى ودبلوماسي أميركي سابق؛ أمضى 10 سنوات مستشارًا في القانون الدولي بـ”وزارة الدفاع”، حول الصراع الحالي في “أوكرانيا”، ليُحدد خمس تغيرات كبرى في الاقتصاد العالمي ستكون بمثابة نتيجة للحرب الجارية الآن.
ويستهل الكاتب مقاله بقوله؛ إن الحرب في “أوكرانيا” مأساة ستستمر لأشهر، مع نهاية غير مؤكدة فيما يتعلق بالتكلفة المُحزِنة من حياة البشر، وعمليات الاصطفاف الجديدة في الجغرافيا السياسية العالمية والأضرار المذهلة التي ستُلحق بالاقتصادات في البلدان خارج “روسيا” و”أوكرانيا”. وعلى الرغم من أن تداعيات هذه الحرب سيرجع صداها على مدى عقود، يمكننا بالفعل تحديد بعض الاتجاهات التي ستؤثر في الاقتصاد العالمي في المستقبل. وكما هو الحال مع أي وضع تجاري واقتصادي متقلب، سيكون هناك خاسرون واضحون؛ (الاقتصاد الروسي)، ولكن ستكون هناك أيضًا تطورات ثانوية قوية تنشأ نتيجةً لهذا الصراع.
الحرب في أوكرانيا وأمن الطاقة..
وبحسب “سامسون”، أمضت “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” عقودًا في التشكي بشأن الاعتماد المشترك عبر “الأطلسي” على “النفط” و”الغاز” من: “الجهات السيئة”، بما في ذلك: “روسيا والسعودية وفنزويلا”؛ دون اتخاذ إجراء. وفي الأسابيع القليلة الماضية، تعثرت محاولات معاقبة “روسيا” اقتصاديًّا بسبب حقيقة أن جزءًا كبيرًا من “أوروبا” لا يزال يتلقى حوالي نصف غازه من “روسيا”، وهو اعتماد مستحيل عندما يتعلق الأمر بمواجهة “روسيا” بسبب أفعالها غير القانونية في “أوكرانيا”.
وفي حين أن ثورة “التكسير الهيدروليكي” – تقنية حديثة للتنقيب عن “الوقود الأحفوري” – ساعدت “الولايات المتحدة” على الوصول إلى مستوى معين من استقلال الطاقة، لا يزال جزء كبير من “نفط” البلاد يأتي من مصادر خارجية غير موثوقة. وتكمن المفارقة في هجوم “روسيا” على “أوكرانيا” الديمقراطية؛ بحسب تصنيف “سامسون”، في أنه قد يدفع أخيرًا “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” للإلتزام بمتابعة جوهرية وفورية ومتفانية لمصادر الطاقة المتجددة التي يُمارس النشطاء البيئيون وقادة الأعمال المبتكرون الضغط من أجلها على مدى عقود. وأصبح حشد الأمن القومي للتو بمثابة أقوى مؤيد للطاقة المتجددة.
الإنفاق الدفاعي واقتصاد العالم..
يُشير الكاتب إلى أن المخاوف المتعلقة بالأمن القومي نفسها ستؤدي أيضًا إلى زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي من “الاتحاد الأوروبي” ودول أخرى. وستكون زيادة الميزانية المقترحة لـ”ألمانيا” وحدها؛ بمثابة جرعة حاسمة في ذراع صناعة الدفاع الأوروبية، ولكن يمكننا أن نفترض أن الدول الأخرى التي أجَّلت الاستثمارات في هذا المجال أهتزت بسبب استعداد “روسيا” لانتهاك المعايير العالمية ومهاجمة “أوكرانيا”، وسترد على ذلك بزيادات كبيرة في الميزانية.
كما أن صور طائرات (بيرقدار) التركية المُسيَّرة؛ وهي تُدمر الدروع الروسية ومقاطع الفيديو لصاروخ (غافلين) أميركي الصنع؛ وهو يُساعد في إعاقة سابع أكبر جيش في العالم؛ كما يورد “سامسون”، ستُغير طريقة بناء الدول الأصغر لمخزون أسلحتها. والأهم من ذلك، أن تصرفات “روسيا” بددت أي شكوك باقية في فكرة أن دولة مثل “روسيا”: “ستتصرف وفقًا لقواعد” القانون الدولي في العصر الحديث. وإذا كانت “روسيا” قد استطاعت انتهاك اتفاقياتها وإلتزاماتها الدولية بوقاحة، فعندئذٍ يمكن أن تفعل “الصين” أيضًا، وسيكون لهذا الإدراك تأثير دومينو جوهري على التخطيط والنفقات الدفاعية للجميع من “فنلندا” إلى “الفلبين”.
القمح والمواد الغذائية..
ألمح الكاتب إلى أن “روسيا” و”أوكرانيا” شكلتا: 30 في المئة من تجارة “القمح” العالمية؛ قبل هذا الصراع. لكن هذا ليس هو المُنتج الغذائي الوحيد الذي سيُنفد من السوق نتيجةً للحرب، سيُدمَّر “زيت عباد الشمس” و”الذرة” والمنتجات الرئيسة الأخرى؛ (أو لن تُزرَع)، نتيجةً للقتال أو ستُحتجز داخل السوق المحلي لـ”روسيا” بسبب العقوبات والتعريفات الجمركية الحتمية.
ويُضيف “سامسون”: ستشهد بقية العالم زيادات هائلة في الأسعار ونقصًا في بعض المواد الغذائية. وإلى جانب الارتفاع العالمي في التضخم وزيادة تكاليف النقل، ستُكافح شركات عالمية عديدة من التي تُنتج الأغذية لتوفير منتجات بأسعار معقولة لعملائها المعتادين. وإذا كان هناك جانب إيجابي لهذه الأزمة، فهو أن المنتجات المحلية المصدر وبدائل “القمح”؛ (الأرز والذرة والبرغل)، يجب أن تشهد طفرة في الطلب.
الأمن السيبراني وحرب المعلومات..
وأضاف الدبلوماسي الأميركي السابق؛ أن “روسيا” و”الصين” تخوضان حربًا خفية مع “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” في عالم الإنترنت على مدار سنوات، لكن الصراع الحالي دفع تلك المعركة للخروج إلى العلن. ويجب أن يكون للنضال الأميركي والأوروبي ضد الضربات السيبرانية الروسية الحكومية وشبه الحكومية؛ (من هجمات الحرمان من الخدمة إلى الاختراق المباشر سعيًا إلى الحصول على المعلومات والأموال، فضلًا عن المحاولات الموثقة للتأثير في الانتخابات في كلا المنطقتين)، التأثير نفسه في إنفاق الشركات والحكومة على الأمن السيبراني؛ كما فعلت مشاهدة الدبابات الروسية وهي تتوغل في “أوكرانيا”؛ فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي.
ويقول الكاتب: لا أحد يُريد أن يكون الهدف السهل في هذه الحرب، والشركات التي تحملت بعض المخاطر وبخلت بالأموال على الأمن السيبراني ستسعى جاهدةً لسد هذه الفجوات بأسرع ما يمكن. إن يأس “روسيا” للوصول إلى مصادر تمويل عالمية؛ في الأشهر القليلة المقبلة، يُزيد بقوة من خطر هجمات برامج الفدية شبه الحكومية، وحرب المعلومات التي نشهدها بين “روسيا/الصين” وبقية العالم صريحة صراحةً مذهلة؛ (وفيما يخص أوكرانيا، تُعد هذه الحرب فعَّالة على نحو ملحوظ في توليد الدعم العالمي). لقد انتهى اللين وبدأت الشدة. إذًا، هل شركتك مستعدة للدفاع عن مصالحها التجارية من الهجمات السيبرانية والمعلوماتية/الهجمات على السمعة ؟
“اتحاد أوروبي” أكثر توحيدًا وجرأة..
كان الشهر الماضي بمثابة اختبار حاسم لقيادة “الاتحاد الأوروبي”؛ من وجهة نظر الكاتب، وقد خرجوا وهم أكثر اتِّزانًا وتوحيدًا مما كان يعتقد أي شخص. فهل كان ينبغي عليهم التعامل مع هذا التهديد بجدية أكبر في العقد الماضي ؟.. بالتأكيد نعم. وهل تسامحوا لسنوات مع الشعبويين المحبين لـ”بوتين” في نادي الاتحاد الأوروبي؛ (أوربان وزيمان ولوبان وسالفيني) ؟.. للأسف نعم. لكن كل ذلك تغير عندما توجهت “روسيا” إلى “كييف”. وتوحَّد زعماء الدول الأعضاء وتحول “الاتحاد الأوروبي” من متفرج متردد إلى مؤيد متحمِّس لجهود الدفاع الأوكرانية في غضون أسابيع قليلة.
ومن منظور اقتصادي، سيُعطِّل هذا “الاتحاد الأوروبي” الأكثر وحدة وثقة عددًا من الأنماط. ومن المُرجَّح أن يكونوا أكثر جرأة في رعاية ابتكاراتهم الداخلية وحمايتها في مجال التكنولوجيا والدفاع. وسوف يُضاعفون جهودهم لتقليل اعتمادهم على مصادر الطاقة الخارجية؛ (لصالح التكنولوجيا المتجددة وابتكارات السيارات الكهربائية والصناعة النووية وحتى مشروعات النقل العام).
يختتم الكاتب الأميركي مقاله: والأهم من ذلك؛ من المتوقَّع أن يكونوا مناصرين أقوى للمُثُل الديمقراطية في شؤونهم السياسية والتجارية الخارجية. ومن المُرجَّح أن تجد الدول (والشركات)؛ التي تتفاعل مع هذا “الاتحاد الأوروبي” الجديد أنه أكثر إصرارًا على جوانب الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ودعم حقوق الإنسان والمباديء الديمقراطية والإلتزام بسيادة القانون، بحسب ما يختم الكاتب.