2 فبراير، 2025 1:58 ص

“أسمهان” .. أيقونة الفن والجمال !

“أسمهان” .. أيقونة الفن والجمال !

خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :

تُعتبر “أسمهان” من أهمّ الأصوات العربية التي ظهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث أنّها ساهمت مع شقيقها؛ “فريد الأطرش”، في بلورة ركائز الأغنية العربية، حيث نجد في هذه الأغنية المسحة الرومانسية الممزوجة بالكآبة وبالمزاج السوداوي، ولدت “أسمهان” على ظهر باخرة، سنة 1912؛ وهي تُعتبر أميرة دُرزية ورثت جمال الصوت عن والدتها؛ “علياء المُنذر”، قدمت والدتها إلى “مصر” بعد اندلاع الثورة السورية بقيادة الدُروز ضد الاحتلال الفرنسي واستقرت في “القاهرة”؛ في سنة 1920، مع أبنائها الثلاث: فؤاد وفريد وأسمهان، وتركت زوجها؛ “فهد الأطرش”، في “جبل السويداء” بسوريا يُكافح الاحتلال الفرنسي الغاشم بكلّ بطولة وشجاعة نادرتين، ولكن شاء القدر أن يتوفى زوجها؛ “فهد الأطرش”، سنة 1925، استقرت الأميرة “علياء المُنذر” في “القاهرة”، وكانت تملك صوتًا ملائكيًا جعلها تقتحم عالم الغناء وتُصبح مطربة مشهورة في ذلك الوقت، غنّت الأميرة “علياء المُنذر” أغنيات جميلة، ولكن للأسف الشديد لم تُسجل هذه الأغاني النادرة وتلك الروائع الموسيقية في أسطوانات، لم نتحصل سوى على تسجيلات نادرة يبدو فيها صوت “علياء المُنذر” غير واضح المعالم، بل نكاد لا نسمع تلك الأغاني النادرة للأسف الشديد.

إنّ الاسم الحقيقي للمطربة “أسمهان” هو: “آمال الأطرش”، والموسيقار “داوود حسني”، هو الذي أطلق عليها هذا الاسم الفني: (أسمهان)، وبالتالي يُسهل عليها ولوج عالم الفن والسينما، لأنّها كانت من عائلة محافظة فهي أميرة دُرزية، ولا يجوز لها أن تقتحم عوالم الغناء الصاخبة، بل عليها أن تُحافظ على اسمها العائلي وتصونه من ألسنة الناس التي لا ترحم، في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي دخلت “أسمهان” عالم الغناء؛ وكان الموسيقار “داوود حسني”، هو عرّابها الفني لأنّه هو الذي تبناها فنيًا وعلّمها أصول الفن والغناء، أمّا “فريد الأطرش” فتبناه فنيًا؛ “فريد غصن”، وهو من “لبنان” وكان يُقيم في “مصر” (القاهرة)، تعلّم “فريد الأطرش” أصول العزف على آلة العود على يد المطرب المصري “إبراهيم حمّودة”، لقد صار “فريد الأطرش” ملك العود في زمانه؛ وعندما مات سنة 1974، أوصى “فريد الأطرش” بأن يُدفن العود معه، وتُعتبر هذه الوصية من أغرب الوصايا في عالم الفن العربي.

في العشرينيات من القرن الماضي ظهرت المطربة؛ “علياء المُنذر”، ولمع نجمها في سماء الفنّ العربي، غنّت لكبار الشعراء في ذلك الوقت، كالشاعر “أحمد شوقي” والشاعر “أحمد رامي”، وتعاملت مع ملحنين كُثر من أمثال الموسيقار “زكي مراد”؛ والد “ليلى مراد” و”منير مراد”، والموسيقار “داوود حسني”، والموسيقار “فريد غصن”، ولكن عندما دخلت “أسمهان” عالم الفن في الثلاثينيات من القرن الماضي قرّرت الأميرة “علياء المُنذر” اعتزال الفن والغناء وتفرغت لرعاية أبنائها اليافعين في عالم الفن والغناء وهما: “فريد الأطرش” و”أسمهان”، أمّا “فؤاد الأطرش” فصار مدير أعمال شقيقه؛ “فريد الأطرش” (مناجير)، ولكنّ “فؤاد الأطرش” عارض فكرة دخول شقيقته “أسمهان” عالم الغناء واضطر لأن يُزوّجها من ابن عمّها؛ الأمير “حسن الأطرش”، في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، ودام هذا الزواج زهاء خمس سنوات أثمر بنتًا وحيدة اسمها “كاميليا”.

عادت “أسمهان” إلى عالم الغناء بعد طلاقها من زوجها الأول؛ الأمير “حسن الأطرش”، وكانت تقيم في “جبل السويداء” بسوريا، وعاشت أميرة دُرزية لمدة خمس سنوات، ولكنّها قرّرت العودة إلى “مصر”، لكي تُصبح أميرة الطرب والفن بكلّ جدارة واستحقاق، وصارت تُنافس “أمّ كلثوم” كوكب الشرق؛ وتُهدّد عرشها الفنّي، شاركت “أسمهان” بصوتها فقط في فيلم (يوم سعيد)؛ الذي أنتج سنة 1939، من بطولة موسيقار الأجيال والنهر الخالد المطرب “محمد عبدالوهاب”، وهو الذي اختارها لكي تُغنّي معه في أوبرات (مجنون ليلى)، وهي مسرحية شعرية من تأليف أمير الشعراء “أحمد شوقي” وتلحين: “محمد عبدالوهاب”، قام الموسيقار “محمد عبدالوهاب” بتلحين مشهد واحد فقط من هذه المسرحية؛ وحقّق هذا الفيلم نجاحًا جماهيريًا باهرًا واكتشف المشاهد العربي صوت “أسمهان” الملائكي.

في سنة 1941؛ اختارها المخرج “أحمد بدرخان” لتؤدي دورًا هامًا في فيلم (انتصار الشباب) ويُشاركها في البطولة شقيقها؛ “فريد الأطرش”، وقد قام “فريد” بتلحين كلّ أغاني هذا الفيلم واختتم الفيلم بأوبرات (انتصار الشباب)؛ كلمات شاعر الشباب: “أحمد رامي” وتلحين: “فريد الأطرش”، وأداء كل من “أسمهان” و”فريد الأطرش”، وحقّق هذا الفيلم نجاحًا جماهيريًا منقطع النظير، وبعد إنتهاء “أسمهان” من تصوير هذا الفيلم تزوجت مباشرة من مخرجه “أحمد بدرخان”، ولكنّ هذا الزواج لم يُعمّر طويلاً، وبعدها تزوجت من المذيع والطيّار والمخرج “أحمد سالم”؛ وهو آخر أزواجها، وكان شديد الغيرة عليها وحاول أن يقتلها بمسدسه الشخصي في سنة 1944، ولكن الرصاصة التي خرجت من مسدسه اخترقت كبده ومات بسببها إثر عملية جراحية فاشلة؛ سنة 1949.

يُعتبر فيلم (غرام وانتقام) من تأليف وبطولة وإخراج “يوسف وهبي”، والذي أنتج سنة 1944، آخر أفلامها، لأنها ماتت غرقًا هي وصديقتها ومديرة أعمالها؛ “ماري قلادة”، قبل أن تؤدي المشهد الأخير من هذا الفيلم، هذا الفيلم من بطولة: “يوسف وهبي” و”أسمهان” و”أنور وجدي” و”محمود المليجي” و”بشارة واكيم”، وغنّت فيه “أسمهان” أجمل أغانيها، ومن بين الأغاني التي أدتها “أسمهان” في هذا الفيلم؛ أغنية: (ليالي الأنس في فيينا) من كلمات “أحمد رامي”؛ وتلحين “فريد الأطرش”، وأغنية (أيّها النائم) من كلمات “أحمد رامي”؛ وتلحين “رياض السنباطي”، وفي المشهد الأخير من هذا الفيلم اضطر المخرج “يوسف وهبي”، أن يُظهر الجثّة الحقيقية لـ”أسمهان” وهي ملفوفة في القماش الأبيض معلنًا بذلك إنتهاء دور البطلة “أسمهان” في الفيلم وفي الحياة، رحلت “أسمهان” ورحل معها جمالها الأخّاذ وصوتها الملائكي كأنّه صوت قادم من السماء.

بقي مقتل “أسمهان” لغزًا محيّرًا إلى يوم الناس هذا، فـ”يوسف وهبي”؛ صرّح في إحدى شهاداته التلفزيونية بأنّ موتها كان قضاء وقدرًا، ووجّهت أصابع الإتهام إلى “أم كلثوم”؛ لأنّها كانت تُنافسها بل وزلزلت عرش الفن تحت أقدامها، ووجّهت أصابع الإتهام إلى شقيقها “فؤاد الأطرش”؛ الذي كان لا يريدها أن تُصبح مطربة متألقة لأنّها من عائلة راقية فهي أميرة دُرزية، وهناك من وجّه أصابع الإتهام إلى زوجها المخرج “أحمد سالم”، الذي كان مديرًا لأستديو مصر، والسيّارة التي وقع فيها الحادث هي ملك لأستديو مصر، وكان هذا السائق هو السائق الخاص لـ”أحمد سالم”؛ مدير أستديو مصر، وكانت بينه وبينها خلافات شديدة وحاول قتلها بمسدسه الشخصي أيّامًا قليلة قبل موتها في ذلك الحادث الغامض، وهناك من يوجّه أصابع الإتهام إلى المخابرات البريطانية لأنّ “أسمهان” رفضت التعامل معهم، بل تعاملت مع المخابرات الألمانية؛ وهذا كان خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك من وجّه أصابع الإتهام إلى “الملك فاروق” لأنّها رفضت الخضوع لنزواته، والغريب في الأمر هو أنّ سائق السيارة بعد الحادث اختفى مباشرة ولم يعثر عليه أحد إلى يوم الناس هذا، وتقول بعض الروايات بأنّه وجد مقتولاً أيّامًا قليلة بعد وقوع ذلك الحادث المشؤوم، وبالمختصر المفيد نقول: لقد ماتت “أسمهان” ومات معها الفن الراقي، وأخذت سرّها معها إلى قبرها، فهل كانت “أسمهان” خطيرة إلى هذه الدرجة حتى يتم التخلّص منها بتلك الطريقة المأساوية ؟.

رحلت “أسمهان” صاحبة أجمل عيون وأجمل صوت، قال عنها الجنرال “ديغول”؛ في مذكراته: “أجمل عيون رأيتها في حياتي هي عيون أسمهان”، جمعت بين جمال الشكل وجمال الصورة، وأصيب العالم العربي بالحزن الشديد يوم وفاتها في يوم الجمعة 14جويلية من سنة 1944، وبالتالي فقدت الساحة الفنية العربية جوهرة فنيّة لا تُقدّر بثمن، رحلت وهي في ميعة الشباب وشرخ الصبا، ماتت الفنّانة الأميرة “أسمهان”؛ هي أميرة دُرزية وأميرة الطرب العربي، ماتت صاحبة رائعة (يا طيور) التي لحنّها الموسيقار “محمّد القصبجي”؛ في هذه الأغنية ظهر صوت “أسمهان” الأوبرالي ولم تستطع أيّ مطربة إلى اليوم أن تؤدي هذه الأغنية العجيبة؛ حتى “أم كلثوم” عجزت عن أداء هذه الأغنية، وانتقمت من الموسيقار “محمّد القصبجي” شرّ انتقام؛ وهذا بعد وفاة “أسمهان” حيث أنّها لم تتعامل معه فنيًا وبقي “القصبجي” عوّادًا؛ (يعني يعزف على آلة العود)، في تخت “أم كلثوم” لمدّة عشرين سنة، في علم الإجرام عندما تقع جريمة يشرعون في البحث عن المستفيد، والمستفيد الأوّل من مقتل “أسمهان”، هو المخرج “يوسف وهبي”، لأنّ مقتل “أسمهان” كان دعاية مجانية لفيلمه الأخير معها؛ بل تحصل على لقب البكوية من “الملك فاروق”، لأنّه في هذا الفيلم مجّد ومدح الأسرة العلوية الحاكمة لـ”مصر” في ذلك الوقت، والأسرة العلوية هي سليلة “محمّد علي” باشا الكبير جدّ “الملك فاروق الأوّل” على لسان أغنية أدّتها “أسمهان” في هذا الفيلم الأخير في حياتها الفنية، أمّا المستفيد الثاني فهي المطربة “أم كلثوم”؛ كوكب الشرق، فكوكبها لن يأفل بعد الآن لأنّ “أسمهان” منافستها الوحيدة غادرت هذه الحياة وتركت الساحة لـ”أم كلثوم”؛ لكي تبيض وتصفر، فلترقد روحك بسلام يا “أسمهان”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة