إن الثورة أية ثورة لا يتقد جمرها ما لم تكن هناك دواعي تبعث فيها روح الإنفجار للإحاطة بحكم الدولة ولا نستطيع معرفة ذلك إلاّ عن طريق وقت الثورة في جميع مجالاته فلنستعرض بشيء من الإختصار والإجمال :
1- مع الحكام: تنافست كتب التاريخ فيما بينها حينما عرضت لوضع الحكام الأمويين بصورة عامة بقصد كشف الحقائق من بين ذرات التراب المتراكم والمتطاير من هنا وهناك والتي تتجسد في جور الحكام في وقت الثورة وتلاعبهم بمقدرات الأمة يقول التاريخ: لما استولى مسلم بن عقبة على المدينة دعا اهلها الى البيعة ليزيد بن معاوية على ( انهم خول يحكم في دمائهم واموالهم وأهليهم فمن امتنع عن ذلك قتله).
تقول بعض وثائق الثورة الحسينية على لسان مفـجرها الإمـام الـحسين (عليه السلام) ( إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله).
2- مع الرعية: حيث تقاعسهم عن مقاومة هذه الإنحرافات ومحاولة علاجها وعودة الإسلام الى سيادة الدولة والمجتمع وإنا لنجد الكتب مفعمة بالفضائح الإخلاقية التي طغت على ذلك المجتمع الذي رجع القهقري الى الجاهلية من جراء الفساد الذي انتشر بين حوزة الأمراء ولترى هذا واضحاً ففي بعض وثائق الثورة امثال كتاب الحسين (عليه السلام) الى رؤساء الأخماس في البصرة الذي يقول فيه ( قد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب وانا ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه فان السنة قد اميتت والبدعة قد احييت) وأقرأ له ايضاً ( ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود وأستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله) ويعني بذلك بني أمية.
وفي ضوء ما سبق تعرف طبيعة الوقت الذي تمخضت فيه الثورة والظروف التي دعت اليها.
ثانياً- أسبابها:
عند مراجعة تاريخ الثورة انها انفجرت من جراء النـزاع الثائر بين الهاشميين وبني أمية بعد التعمق تبدوا أن الحقيقة عكس ذلك وأن الثورة قامت على اساسين مهمين كانا سبب اشتعال نيرانها هما:
1- قامت ثورة الحسين (عليه السلام) على اساس ديني للأمرين التاليين:
أ- السبب الرئيسي والمهم في اشتعال نائرة الحرب هو وقوع الإسلام ضحية بأيدي الأمويين ففي وصية الإمام (عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ).
ب- كون الخلافة متعينة في أهل البيت (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاصة الحسـين (عليه السلام) بـوصية من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصـت عليه وعـلى أخيه الحسن (عليه السلام) (الحسن والحسين إمـامـان إن قاما وإن قعدا) والى هـذا يشير الحسين (عليه السلام) في قوله ( ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم).
2- اما الأساس الثاني الذي قامت عليه الثورة هو عدم وفاء معاوية بشروط معاهدة الصلح المبرمة بينه وبين الإمام الحسن (عليه السلام) والتي كان بموجبها رجوع الأمر للحسن بعد معاوية إن لم يكن الحسن قد أصابه شيء وإلاّ فهي للحسين (عليه السلام) من بعده ( أي بعد معاوية) فان حدث به حدث فلأخيه الحسين (عليه السلام) وليس لمعاوية أن يعهد له الى أحد)) ولكن معاوية بعد أن أتم العقد وختمه بخاتمه وبذل عليه العهود المؤكدة وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام لم يف بأي شرط بل ولى لعهده ابنه يزيد وكان هذا هو الموجب الثاني لقيام الثورة الحسينية.
ثالثاً- نتائجها:
ان الثورة الحسينية وإن لم تكن قد انتصرت وقتياً بالنظرة العرفية العامة ولكن انتصاراتها كانت معنوية أو تمهيدية اذ انها اثارت الضجة في أوساط ذلك المجتمع في عصر الثورة فموقف الحسين (عليه السلام) وثباته يوم الطف هو الذي أثار هذا الوعي الفكري مضافاً اليه مواقف شريكته في الجهاد أخته الحوراء زينب (ع) في تلك المجالس المكتظة بالناس التي كانت الدعامة القوية التي استندت عليها الثورة في امتدادها وسببت انتشارها فكشفت بتلك المواقف جميع الستارات المدلة من قبل الأمويين تمويهاً على الثورة فكان مما اسفر عن ذلك:
أ- اتخاذ دم الحسين (عليه السلام) ذريعة للقيام بالثورة الداخلية وخاصة عند العلويين ومنها ثورة الشهيد زيد بن علي (عليه السلام).
ب- افتضاح الحكام الجائرين وانكشاف واقع النفوس الأموية المطبوعة على الشر مما الب الناس عليهم.
ج- بقاء الذكر الحافل لصاحب الثورة في ضربة المثل الأعلى للتضحية في سبيل الحق