18 ديسمبر، 2024 8:33 م

خروج فيون.. لمن الخراج؟

خروج فيون.. لمن الخراج؟

من المتوقع أن يصب خراج خروج فيون الأكبر في سلة لوبان التي لن تتردد في استحضار عناوين الحملة الانتخابية لفيون، من تضييق على المهاجرين وتكريس للهوية الأحادية وزيادة الضرائب على المستثمرين وإعلان حرب شاملة على الإرهاب.

اختار زعيم حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية في فرنسا فرنسوا فيون مغادرة السباق الانتخابي بعد فضائح سياسية ومالية وضعته في أزمة أخلاقية كبرى مع الجمهور اليميني المحافظ ومع الجمهور الانتخابي الفرنسي برمته.

كانت الفضيحة المالية باستخدام زوجته واستقدام أبنائه في وظائف وهمية بمرتبات مشطّة في وقت سياسي واستراتيجي، كان فيون نفسه عندما اضطلع بالوزارة الأولى، يدفع الشعب الفرنسي خلاله إلى التقشف وتقديم التضحيات أكبر من أن تبتلع ضمن سباق انتخابي شرس يبحث عن الهنّات والنقائص، ناهيك عن الأخطاء والخطايا.

للمرة الثانية تطيح الفضائح المالية بمتسابق من اليمين الفرنسي الكلاسيكي، فبعد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي أطاح به تمويل معمر القذافي لحملته الانتخابية في 2007، ها هو نائبه في الإليزيه سابقا وخليفته في مسلسل الفضائح يسقط بالضربة القاضية.

حوّلت الفضيحة المالية فرنسوا فيون من المتسابق الأكثر قوّة على اكتساح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إلى بيضة قبّان ستحسم السباق النهائي بين اليساري المستقلّ إيمانويل ماكرون، واليمينية المتطرفة مارين لوبان وفق ما تؤكده استطلاعات الرأي.

في سياق اتسمت فيه الحملات الانتخابية لليمين المتطرف واليسار واليسار المستقل بالزخم الدعائي مع محرار سياسي يؤكد أن المعركة ستكون بين ماكرون ولوبان، بات فيون خارج حسابات اليمين الكلاسيكي، وأصبح الخيار داخل دوائر اتخاذ القرار صلب حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية باتجاه دفع فيون نحو الاستقالة والدفع بآلان جوبيه إلى خوض المعركة الانتخابيّة.

الحقيقة السياسية والانتخابية المرة التي يتجرّعها اليمين الكلاسيكي كامنة في أنّ جوبيه في حال تقدّم إلى السباق الانتخابي نحو الإليزيه سيكون الحصان الأضعف، على اعتبار أنّه المراهن الخاسر الذي عجز عن تأمين التأييد الكامل والكافي ضمن الحزب، ناهيك عن استيفاء الثقة الكاملة لتسيير دواليب الدولة. ومع هذا العلقم السياسي يتجرّع اليمين الكلاسيكي مرارة فرضيّة الخروج الثاني من السباق الانتخابي الرئاسيّ على خلفية الفضائح المالية.

ولئن سلّم حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية في 2012 دفة السلطة إلى غريمه اليساريّ القويّ، فإن هذه المرّة قد يسلمها إما إلى يساري مستقّل وهذه أقلّ الخيارات سوءا، وإما إلى اليمين المتطرّف ممثلا في الجبهة الوطنية، وهي الفرضية الأكثر سوءا.

كثيرا ما كانت عائلة لوبان توجّه أصابع الاتهام لحركة الاتحاد من أجل الحركة الشعبية بسرقة عناوينها الانتخابية في مجالات الهجرة والهوية، أمّا اليوم فإنّ اليمين المتطرّف بات الأقدر على استيعاب لا فقط الشعارات اليمينية، وإنما أيضا مصادرة الأصوات الضائعة على أنقاض الفضائح المتتالية للاتحاد من أجل الحركة الشعبية.

وفق الحسابات الانتخابية، من المتوقّع أن تنقسم أصوات أيتام فيون بين لوبان وماكرون، وأن يصبّ خراج خروج فيون الأكبر في سلّة لوبان التي لن تتردّد في استحضار كافة عناوين الحملة الانتخابية لفيون، من تضييق على المهاجرين وتكريس للهوية الأحاديّة وزيادة الضرائب على المستثمرين وإعلان حرب شاملة على الإرهاب هي أقرب ما يكون إلى الحرب على الأديان والألوان.في حين لن تكون في سلّة ماكرون سوى حصّة المدافعين عن الجمهورية في وجه الشعبوية وهم الذين يعتبرون أنّ الكتلة الديمقراطية بين اليمين واليسار والوسط لا بدّ أن تجتمع في سياق تناقضي ضدّ اليمين المتطرّف.

قد تكون حادثة خروج فيون قبل شهر من السباق الانتخابي خير درس لليمين الكلاسيكي لمراجعة سياساته ومقارباته ومواقفه، لا سيما وأنه خسر رأسماله الرمزي لدى شرائح كبرى من الجمهور الفرنسي التي كانت تنظر إليه باعتباره قاطرة الشيراكيين والديغوليين، وخطّ الدفاع عن فرنسا الجمهورية والديمقراطية.
نقلا عن العرب