29 أبريل، 2025 11:08 ص

الشعوب وصراع الديناصورات .. “سمير أمين” يضع مقترحاته للإنعتاق من “عبودية” الليبرالية الجديدة !

الشعوب وصراع الديناصورات .. “سمير أمين” يضع مقترحاته للإنعتاق من “عبودية” الليبرالية الجديدة !

خاص : كتب – محمد البسفي :

تأتي الأحداث المتلاحقة للحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ بتفاصيل متجددة يوميًا من فرض إرادات وضرب عقوبات اقتصادية وتهديدات مستمرة؛ في الصراع الدولي بين “موسكو” والغرب بقيادة “واشنطن”؛ لتعود إلى سطح الأحداث الرؤى والمقترحات والتصورات العلمية الجديدة والنقاشات حول النظم الاقتصادية؛ ويتجدد الحديث من جديد حول مدى نجاعة النظام الرأسمالي “النيوليبرالي/المعولم” المهيمن حاليًا في حل مشاكل الشعوب ومدى رفع مستواها من رفاه واستقرار، والذي تضعه الأزمة الدولية في اختبار “صعب”؛ لدرجة يمكن للغرب معها أن يذهب إلى “حرب عالمية ثالثة” دفاعًا عنه.. ورغم جريان الكثير من المياه في نهر المشهد الدولي الحالي؛ منذ عام 2014، العام الذي سجل فيه المفكر الاقتصادي العالمي؛ “د. سمير أمين”، رؤيته حول الصراع “الروسي-الأوكراني”.. ولكن مجريات الأحداث اليوم توضح – على استحياء – أن نظام الحكم الروسي في “موسكو” يذهب إلى ما أشار إليه “أمين” كخيار للإنعتاق يقتضي مواجهة الكمبرادور الروسي المقيد لإنطلاق “روسيا”.. مما يبرز الحاجة إلى إعادة قراءة رؤية المفكر الاقتصادي الراحل.

مشروع سيطرة “الثالوث”..

وتحت عنوان: روسيا والأزمة الأوكرانية”؛ استهل الدكتور “سمير أمين”؛ تحليله قائلاً: “تُهيمن على الساحة العالمية الحالية محاولة المراكز التاريخية للإمبريالية؛ (الولايات المتحدة وغرب ووسط أوروبا، واليابان؛ المسماة “الثالوث”)، للحفاظ على سيطرتها الخالصة على كوكب الأرض من خلال مزيج من: (أ) ما يُسمى سياسات العولمة الاقتصادية الليبرالية الجديدة، التي تسمح لرأس المال المالي العابر للقومية، التابع للثالوث، أن ينفرد بإصدار القرارات وحده في جميع القضايا؛ بما يُحقق مصالح هذه الدول وحدها. (ب) السيطرة العسكرية على الكوكب من قبل “الولايات المتحدة” وحلفائها التابعين؛ (الناتو واليابان)، من أجل القضاء على أي محاولة من أي بلد خارج الثالوث للإنعتاق من الاستعباد”.

متابعًا: وفي هذا السياق تُعتبر جميع دول العالم؛ خارج “الثالوث”؛ (وبالتالي روسيا أيضًا)، أعداء محتملين. ويوضح التطور الحالي لمأساة “أوكرانيا” حقيقة الهدف الإستراتيجي لـ”الثالوث”. وقد نظم “الثالوث”؛ في “كييف”: “انقلابًا أوروبيًا/نازيًا”. وليست إدعاءات الإعلام الغربية، بأن سياسات “الثالوث” تهدف إلى تعزيز الديمقراطية، سوى مجرد كذبة. فلم يُشجع “الثالوث” الديمقراطية في أي مكان. بل على العكس، كانت هذه السياسات تدعم بصورة منهجية أشد القوى المحلية عداءً للديمقراطية: في “يوغوسلافيا” السابقة و”شرق أوروبا”، ودعم “الثالوث” في بلدان الجنوب القوى الأشد تطرفًا في معاداة الديمقراطية، مثل: الإسلام السياسي الرجعي المتطرف، ودمر بتواطئه هذه المجتمعات: وتوضح حالات: “العراق وسوريا ومصر وليبيا”، أهداف المشروع الإمبريالي لـ”الثالوث”.

كيفية الخروج من تحت سيطرة “الثالوث”..

ويرى “أمين”: لذا يجب دعم سياسة “روسيا”؛ (كما وضعتها إدارة بوتين)، لمقاومة مشروع الاستعمار في “أوكرانيا”؛ (وغيرها من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، في القوقاز وآسيا الوسطى). كما ينبغي مساندة الهدف من إقامة مجتمع “اليورو آسيا”، مستقلاً عن “الثالوث” وشريكه الأوروبي التابع له.

ولكن هذه “السياسة الدولية” الروسية الإيجابية، لا بد أن تفشل إذا لم تكن مدعومة من قبل الشعب الروسي. ولا يمكن أن تفوز بهذا الدعم على أساس “الوطنية” وحدها. ولا يمكن أن تُقدم الليبرالية الجديدة لـ”روسيا” سوى التدهور الاقتصادي والاجتماعي المأساوي، وشكل من أشكال “التنمية الرديئة”؛ وتزايد حالة التبعية في النظام الإمبريالي العالمي. وتُقدم “روسيا” إلى “الثالوث”، البترول والغاز وبعض الموارد الطبيعية الأخرى؛ ويمكن أن تتراجع صناعاتها إلى حالة التعاقد من الباطن لصالح الاحتكارات المالية الغربية. وفى مثل هذا الوضع، الذي تعيشه “روسيا” اليوم في النظام العالمي، ستظل محاولاتها للتصرف بصورة مستقلة على الساحة الدولية هشة إلى أقصى حد، مهددة بالعقوبات والتي سوف تدفع حكم الأقلية الاقتصادية إلى الإنحياز الكارثي لمطالب الاحتكارات المسيطرة في “الثالوث”.

نحو نظام شعبي ذا بُعد اجتماعي..

ويمضي المقال موضحًا: ومن ثم، تختلف السياسة الشعبوية، قدر الإمكان، عن وصفات “الليبرالية” والمساخر الانتخابية المرتبطة بها، التي تُضفي شرعية على سياسات اجتماعية رجعية. ولعلي أقترح بدلاً منها، إنشاء أي نوع من أنواع رأسمالية الدولة الجديدة ذات البُعد الاجتماعي؛ (أقول الاجتماعي، وليس الاشتراكي). ويفتح هذا النظام الطريق في نهاية المطاف إلى الإدارة الاجتماعية للاقتصاد، وبالتالي التقدم نحو أحد أشكال الديمقراطية التي تستجيب لتحديات الاقتصاد الحديث.

ولا يمكن أن تؤدي هذه التحركات الروسية إلى نتائج إيجابية في الصراع الحالي؛ بين سعي “موسكو” لإتباع سياسة دولية مستقلة من ناحية، ومن ناحية أخرى إتباع سياسة داخلية اجتماعية رجعية. ولكن هناك ضرورة لاتخاذ خطوة ممكنة: يمكن أن تنحاز شرائح من الطبقة الحاكمة السياسية إلى مثل هذا البرنامج إذا قام على التعبئة والحركة الشعبيتين. ومن شأن إحراز تقدم مماثل أيضًا في: “أوكرانيا، والقوقاز وآسيا الوسطى”، أن يُنشيء مجتمعًا حقيقيًا في الدول الأوروبية والآسيوية ليُصبح لاعبًا قويًا في إعادة بناء النظام العالمي. ويقضي ما تبقى من سلطة الدولة الروسية داخل حدود صارمة تفرضها وصفة الليبرالية الجديدة على فرص نجاح أي سياسة خارجية مستقلة، وعلى فرص “روسيا” في أن تُصبح دولة ناشئة فعليًا، تتصرف كفاعل مهم دوليًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة