في زمن التضحية والنضال الحقيقي؛ وتمظهر المبادئ والتموفقات سواء الإنسانية أو الاجتماعية أو الإيديولوجية ؛ كان مسرح الهواة نبراس الثقافة المتميزة والتفاعل الجــدلي بين الإبداع والفكر والإيديولوجيا ؛ رغم محاولة التدجين وممارسة الإقصاء في حق العديد من الفعاليات والجمعيات المسرحية ، من لدن الأجهزة الوصية معية بعض المنتسبين للميدان ، مقابل هذا كانت هنالك جمعيات شبه ( محترفة) ولكنها لم تكن مسطحة ولا تنتج التفاهة والرداءة ، رغم أن التيارات اليسارية سواء المعتدلة أو المتطرفة كانت تمارس التحامل الأهوج ضد أعمالها و تكيل لها نعوتا قدحية وتتهمها بممارسة وتمريرايديولوجيا الاستسلام أو التدجين بل بالعكس ؛ نحن اليساريين الذين كنا على خطأ فادح ؛ أمام الجبهة التي كانت تعتبر ( يمينية) فعلى سبيل (المثال)؛ إذا قمنا بقراءة جذرية للعَـديد من أعمال المبدع قيد حياته[الطيب العلج] وتفتيت الواقع الثقافي والسياسي والأمني والعلائقي؛ على ضوء ما في تلك الأعمال؛ سنكتشف حَـدس الواقع وحركيته يتحكم في ملكة الإبداع ، ثم فإن ثقافة المجتمع، هي صورة عكسية لما تحمله تلك الأعمال الدرامية. وهذا موضوع يطول شرحه ؛ لأن الفنان الحقيقي هو الكائن الوحيد القادر على فهم الواقع ومحاولة رسم مستقبل مشرق قابل للتحقيق. والذي يحتاج للشرح أكثر :
إيمانا بأن الفنان بشكل أو آخر يُـشكـِّل صفوة المجتمع؛ ويحظى أساسا بإعجاب متميز وخاص من عموم الناس، فلماذا لم تعد للفنان المسرحي؛ همة وقدرة فعالة لمساندة لما يجري في الواقع المعاش، من أحداث بشعة ومريبة وقضايا تمس الإنسان البسيط والمقهور بالدرجة الأولى ؛ إنسان يحتاج للدعم وإسماع شكواه وهمومه ؛ لذوي الحل والعقد؛ باعتبار أن الفنان المسرحي هو لسانه ؛ كالإعلامي الذي هو قلمه ؛ في معاناته . أليس الفنان صوت الشعب ؟ كان ؛ ولكن الملاحظ ( الآن) إنها شعارات فارغة ـ لدغدغة مشاعر الجماهير؛ لتمويه أن الفنان عضو فعّال في تطوير وتغيير المجتمع والمحيط له ؛ وذلك من خلال دوره المؤثر عَـبر تصريحاته ومؤازرته وخطابه أو نضاليته ؛ لتحقيق علاقة تبادلية بينه وبين الإنسان المقهور؛ نحو بناء عدالة اجتماعية لقضاياه !
لماذا لم يعد الفنان المسرحي؛ ذاك الكائن والصوت الإيجابي؛ والمحارب للظواهر الاجتماعية السلبية ؛ والتي يتعرض لها المواطن في موقع ومكان؛ والكاشف للانحطاط القيمي، الذي حَـوَّل المجتمع وأغرقه في الإسفاف وقلة الحياء ؛ وانجر إلى الدرك الأسفل؛ وإلى براثين الابتذال والتفاهة ؟
فكم من أحداث وقضايا جسام ؛ ومن الصعب سردها هاهنا. تحتاج لصوت الفنان أن يجهر بها؛ ولكن استكانوا في جحورهم ؛ ينتظرون الدعـم ؟ وذاك الدعم ما هو بآت؛ لأن فيروس ( كورونا) غير معالم المعطيات السياسية والاقتصادية؛ بعدما انساق(ذاك)الفنان وراء التفاهة والابتذال وساهم بدور فعال في تمريرها وتزكيتها باسم الإبداع المسرحي . والمؤسف أنه أمسى بوقا رخيصا لهذه الجهة أو تلك ؛ لأنه لم يعُـد يعرف فكرة النضال الفني/الثقافي. ولاسيما أن أغلبهم لم يحتك في الجمعيات المسرحية؛ ولم ينخرط في زمن الصراع ؛ ولكن الأفظع ؛ ذاك الفنان الذي كان مؤدلجا بهموم الجماهير ومتحزبا ومنخرطا في معمعان قضايا مجتمعه ؛ تخلى عن دوره ومهامه ؛ فأين الذين كانوا يمطرقون المسرح بشعارات: ك( الحمل على العاتق) فن(المهووسين) (الملسوعين) مسرح ( الكادحين) شريحة (البروليتاريا) ؟؟
فبعد التهافت المقيت نحو( الاحتراف) والجري وراء(1- في/مئة) والانقضاض بدون شرعية قانونية نحو الدعْـم وماجاوره … هانحن قبل اليوم نشهد انكماش الأصوات وشلل في حركية الفئتين معًا. لأننا أصبحنا أمام فنان خبزي ؛بدرجة مئوية عالية؛ يتهافت من هنا وهناك على لقمة العيش: من حقه ؛ وَ لا خلاف على ذلك . لكن مع استحضار قيمة الفنان المبدئي، الفنان الإيجابي ؛ الفنان التنويري؛ الفنان الإصلاحي ؛ الفنان الجماهيري ؛ الذي قلبه وضميره على المستضعفين من الناس ؛ وضدَّ ضروب التجهيل والاستعباد والقمع ؟ لكن المؤسف جدا اليوم، ترى ما الذي جرى للفنان المسرحي ؟ بدون مواربة أو البحث عن تخريجات وهمية؛ فالفنان وهنا نضعه بين أقواس فذاك (( الفنان)) : في بلادنا أمسى سجين الدعم ( الفتات) ذو معايير غامضة و مبهمة ومشبوهة، والتي كانت تقدمه بعض مؤسسات الدولة. وأضحى ذاك ((الفنان))مجرد تابع لوزارة الثقافة ؛ وهاته الحقيقة انعكست على أغلب المسرحيين العرب بدون تمييز أو تنعيت لقطر دونما آخـر. وخاصة بعد حث دفتر التحملات على إنشاء المقاولات والشركات والجمعيات الفنية/ المسرحية ؛ مما أفرز المشهد ( الفني) شرذمة من الطفيليين وعديمي الموهبة، لا هدف لهم سوى الانتهازية البغيضة ! والبحث عن منافعهم الشخصية؛ بشتى الطرق والوسائل .. وبالتالي فأغلب الفنانين أصبحوا خبزيـيـن ؟ وأي نقاش خارج الخبز/ المال ! فهو مردود.
وبالتالي لنختم ما يحترقنا كيف كنا ؟ وكيف أصبحنا ؟ بهاته الهموم الثقافية من لدن أحد المبدعين التونسيين:….تأملْ مساراتهم، يا صاحبي، لقد كانوا صناعة إعلامية محضة، لقد كانوا أطول الواقفين في ساحات المخافر. أما عن أعمالهم فلا تسأل، ولا تتساءل كيف انتحلوا جهود الآخرين… ثمة مسرحيون، هم الآن أكثر المتورطين في الدفاع عن المسرح. تأمل يا صاحبي أسباب ذلك، إنهم فاشلون فشلًا عظيمًا من حيث الإبداع المسرحي، أما عن صمودهم ذلك فلا تسأل ولا تتساءل، فقد أصبحوا نقابيين (1)
إحــالــة :
1) هموم ثقافية(1) لحاتم محمودي في شبكة جيرون الإعلامية بتاريخ 16/09/2019