وكالات – كتابات :
استعرض “جورج فريدمان”؛ في مقال على موقع (غيوبوليتيكال فيوتشرز)، شكل العلاقة بين “ألمانيا” و”روسيا”؛ مؤكدًا إنه يبدو أن لـ”روسيا” هدفين مختلفين؛ لكن متداخلين في الحرب الروسية على “أوكرانيا”. الأول: هو السيطرة على حدودها الغربية، وهي منطقة تمنحها عمقًا إستراتيجيًّا؛ وتعتقد “موسكو” أنها تقع في مجال نفوذها. والثاني: هو تأليب أعضاء الـ (ناتو) بعضهم على بعض، وكسر الفصائل التي تُعارض أي شكل من أشكال التدخل، أما ما يُقال عن شخصية الرئيس؛ “فلاديمير بوتين”، ومزاجه لا علاقة له بالموضوع، فبالنسبة لـ”روسيا”، هناك منطق لهذه الإستراتيجية: الدفاع عن الوطن مهمة قاسية.
العلاقات بين ألمانيا وروسيا..
وأوضح “فريدمان”؛ أنه من وجهة نظر “روسيا”، لا ينبغي أن تهم “أوكرانيا” أي دولة ما لم تكن تلك الدولة تُريد خنق “روسيا” – وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث لو لم يكن الـ (ناتو) موجودًا، إذا لم تكن “أوروبا” قاعدة عمليات لـ”الولايات المتحدة”، الخصم الأساس لـ”روسيا”، فلن تُشكل “الولايات المتحدة” تهديدًا.
وبحسب تعبير “فريدمان”: تُعد “ألمانيا” مركزًا لجميع الحسابات المتعلقة بالقوة الأوروبية، ولقد تجاهلت “برلين” بناء قدرات عسكرية لبعض الوقت، ومنذ عام 1991؛ كان تركيزها الأساس ينصب على النمو الاقتصادي، لديها اقتصاد هائل موجه للتصدير ويتطلب قدرًا هائلًا من الطاقة، التي يأتي جزء كبير منها من “روسيا”، وقد خطط الروس لهذه الأزمة مع وضع ذلك في الاعتبار.
ويُضيف الكاتب: مثل جميع البلدان تقريبًا، كانت “ألمانيا” تُعاني من التداعيات الاقتصادية لوباء (كورونا)؛ عندما بدأت الحرب في “أوكرانيا”، ولن تؤدي خسارة الطاقة الروسية إلا إلى جعل الأمور أسوأ، ولما كانت العلاقة بين “ألمانيا” و”روسيا” تميل إلى التعاون في الأمور الاقتصادية، وتجنبت “ألمانيا” إعادة التسلح العسكري والمواجهات مع “روسيا”، افترضت “موسكو” أن أيًّا ما ستفعله في “أوكرانيا” لن يكون له أي تأثير في “برلين”.
أثبتت الأيام الأولى من الحرب على “أوكرانيا”؛ صحة إعتقاد “روسيا”، فقد شددت “برلين”؛ في البداية، على عدم تزويد “كييف” بالسلاح، وتأكيدًا على ذلك، اضطرت طائرة عسكرية بريطانية تحمل إمدادات لـ”أوكرانيا” إلى تجنب الأجواء الألمانية.
في غضون ذلك؛ التقى “بوتين”؛ برئيس الوزراء المجري؛ “فيكتور أوربان”، لترتيب اتفاق لـ”الغاز الطبيعي”، لكن “أوربان” قال إنه غير مستعد لاتخاذ موقف عدائي تجاه “ألمانيا”، وقد أثار هذا الأمل في (الكرملين) بإمكانية تقسيم التحالف، بحسب ما يرى “فريدمان”؛ إذا كانت دولة صغيرة مثل: “المجر”، وهي دولة تابعة لـ”الاتحاد السوفياتي” السابق، مستعدة للانسحاب من حلف الـ (ناتو)، فإن أساس القوة الأميركية في “أوروبا” يتلاشى، بحسب تعبير “فريدمان”.
“بوتين” لا يفهم مخاوف ألمانيا !
يرى “فريدمان” أنه يمكن لـ”روسيا” و”ألمانيا” العمل بشكل وثيق في إطار عضوية الأخيرة في حلف الـ (ناتو)، ولكن إذا ذاب هذا الإطار وسقطت “أوكرانيا”، فإن الشيء الوحيد الذي يقف بين “ألمانيا” و”روسيا”؛ هو: “بولندا”. قد يبدو هذا خوفًا مرضيًّا؛ (بارانويا) – بحسب وصف “فريدمان” – لكن حقيقة أن “روسيا” استولت على “بيلاروسيا”؛ العام الماضي، في انقلاب (أبيض) وتُحاول السيطرة على “أوكرانيا” الآن، تُشير إلى أن “البارانويا” لها بعض المزايا.
وقبل الحرب على “أوكرانيا” كان الموقف الإستراتيجي الألماني ينهار، ودخلت “برلين” في خلاف مع زملائها بـ”الاتحاد الأوروبي” و”حلف شمال الأطلسي”، وبرزت “فرنسا” محاورًا أوروبيًّا رئيسًا، ونفد صبر “الولايات المتحدة”، وأملت الحكومة الألمانية أنه على الرغم من كل التذمر الأوروبي بشأن “أوكرانيا”، يمكن أن تستمر الأعمال التجارية مع “روسيا”، في حين ستتعامل “الولايات المتحدة” مع أي مواجهة عسكرية خطيرة.
بيد أن هذا لم يحدث؛ إذ لم تقم “واشنطن” بعمل عسكري بالطبع، لكنها فرضت عقوبات اقتصادية هائلة على “روسيا”؛ من شأنها أن توقف تدفق الطاقة إلى “أوروبا”. وسينتهي حلم “ألمانيا” – بصفتها عضوًا في الـ (ناتو) – بإقامة علاقات تجارية قوية مع “روسيا”؛ فقد جعلت “روسيا” ذلك مستحيلًا، واضطرت “برلين” إلى أن تفعل ما لم ترغب في فعله: الاختيار، ولكن يبدو أنه لم يكن هناك خيار على الإطلاق، فعلى الرغم من حاجتها الماسة لـ”الغاز الروسي”، قالت “ألمانيا” إنها ستُسلح “أوكرانيا”، والأهم من ذلك أنها ستُعيد تسليح نفسها بموجب ميزانية دفاعية معززة بشكل كبير.
ويُضيف الكاتب أنه بصرف النظر عن إعادة تنشيط الـ (ناتو)، قد تكون هذه أهم نتيجة للحرب الروسية على “أوكرانيا”؛ لطالما كانت “ألمانيا” القوية ذات الطابع العسكري تاريخيًّا قوة مزعزعة للاستقرار في “أوروبا”، فعندما توحدت “ألمانيا”؛ في عام 1871، ظهرت بسرعة بصفتها قوة اقتصادية رئيسة، ولكنها غير آمنة من هجمات متزامنة من “روسيا” و”فرنسا”، الأمور مختلفة الآن بالطبع؛ فعالم 2022، مختلف عن عالم عامي: 1914 و1939، ولكن بالرغم من ذلك، فإن النعمة في نظر العديد من الدول الأوروبية هي ضعف “ألمانيا” العسكري الحالي، ففي الجغرافيا السياسية، يمكن أن تولِّد حلول مشكلة واحدة مشكلات جديدة.
لقد وضعت “روسيا” نفسها في موقف سييء، لم يُعد تجزئة “أوروبا” ممكنًا. وحتى لو هزمت “روسيا”؛ “أوكرانيا”، فستكون أقرب إلى معاداة “أوروبا”، بقيادة “ألمانيا” المُعاد تسليحها حديثًا بحسب ما يختم “فريدمان” مقاله.
ترجمة: عبدالرحمن النجار