الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. رغم الضغوط الغربية الشديدة: “الجزائر” تتمسك بمنطقة الحياد !

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. رغم الضغوط الغربية الشديدة: “الجزائر” تتمسك بمنطقة الحياد !

وكالات – كتابات :

اقتصرت البيانات الثلاثة التي أصدرتها “الخارجية الجزائرية”؛ منذ إنطلاق الحرب “الروسية-الأوكرانية”، على متابعة وضع جاليتها هناك، واستعراض الجهود المبذولة في سبيل إعادتها في ظروف آمنة، كما أكتفت بوصف العملية العسكرية الروسية: “بالتطورات الحاصلة في أوكرانيا”، و”تدهور الحالة الأمنية”.

وفي جلسة “الجمعية العامة للأمم المتحدة”؛ المنعقدة يوم 02 آذار/مارس 2022، أمتنعت “الجزائر” عن التصويت على قرار أممي يُدين “روسيا” لشنها الحرب على “أوكرانيا”؛ إذ صوتت: 141 دولة لصالح إدانة “روسيا”، فيما رفضت القرار خمس دول، وأمتنعت: 34 دولة عن التصويت.

وقال ممثل “الجزائر” في “الأمم المتحدة”: “إن الجزائر تتابع بقلق بالغ تطور الأوضاع الخطيرة والمتصاعدة في أوكرانيا”، وأكد: “تمسك الجزائر الثابت بمباديء ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، التي يتعين أن تبقى أساس القانون الدولي، وحجر الزاوية في العلاقات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة باحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، طبقًا للشرعية الدولية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها”.

وأرجع أستاذ العلاقات الدولية الجزائري؛ “عمر الروابحي”؛ في تصريح صحافي؛ موقف “الجزائر” من الحرب “الروسية-الأوكرانية”: لـ”طبيعة الدبلوماسية الجزائرية وما يُميزها من حياد وعدم تدخل في مثل هذه الأزمات، بالإضافة إلى حرص السلطات الجزائرية على المواصلة في علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا، دون أن يؤثر ذلك على مصالحها الاقتصادية، وعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأوروبية”.

وفي السياق نفسه؛ يقول الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والأمنية بجامعة “أم البواقي” الجزائرية؛ “عمار صيغة”: إن “الموقف الحيادي الذي اتخذته الجزائر مفهوم، فأولوية الجزائر اليوم هي المحافظة على أمنها واستقرارها الاقتصادي، وهو ما يستوجب المحافظة على العلاقات التاريخية والإستراتيجية مع الشريك الروسي وعدم المساس من علاقاتها الاقتصادية مع الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي”.

الجزائر وروسيا: علاقات تاريخية وشراكات عسكرية إستراتيجية..

تجمع “الجزائر”؛ بـ”روسيا”، علاقات تاريخية، حيث سبق “الاتحاد السوفياتي” جميع الدول في الاعتراف باستقلال “الجزائر”؛ في 23 آذار/مارس 1962، وأعلن السوفيات هذا الاعتراف قبل إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة، وقد ساند “الاتحاد السوفياتي”؛ “الجزائر”، في معركة التحرر من الاستعمار الفرنسي سياسيًا وعسكريًا، وبدورها سارعت “الجزائر”، في السادس والعشرين من كانون أول/ديسمبر 1991 إلى الاعتراف بـ”جمهورية روسيا الاتحادية”.

ومنذ 2001؛ وإثر وصول “فلاديمير بوتين” الى سدة الحكم، تتالت الزيارات الثنائية بين القيادات الروسية والجزائرية، التي إنطلقت بزيارة الرئيس الجزائري؛ “عبدالعزيز بوتفليقة”، إلى “موسكو”، في 06 نيسان/إبريل 2001، وتوقيع بيان حول الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، والذي وصفه “بوتين” بالحدث غير المسبوق في العلاقات بين “روسيا” والدول العربية.

وفي آذار/مارس 2006؛ زار “فلاديمير بوتين”؛ “الجزائر”، لإتمام صفقة أسلحة ضخمة بقيمة: 5.7 مليار دولار، مقابل شطب الديون الجزائرية، وتضمنت الصفقة حصول “الجزائر” على: 36 مقاتلة حربية من طراز (ميغ 29 س.م.ت)، و28 مقاتلة من طراز (سوخوي-30)، وكذلك: 14 طائرة تدريب قتالي من طراز (ك-130)، إلى جانب ثماني بطاريات دفاع جوي (إس-300)، ومضادات الدبابات (ميتس)، و(كورنيت)، و300 دبابة.

زار “بوتفليقة”؛ “روسيا الاتحادية”، مرة ثانية، في شباط/فبراير 2008، من أجل تطوير العلاقات بين البلدين اقتصاديًا، وفي سنة 2010 أدى الرئيس الروسي حينها؛ “ديمتري ميدفيديف”، زيارة إلى “الجزائر” لتوقيع اتفاقات في مجال التعاون العسكري.

تُرجمت هذه العلاقات الهامة لاحقًا عبر تطابق مواقف البلدين في عديد الملفات؛ منها: “ملف الصحراء”، وكذلك عبر تطور المبادلات التجارية وحجم صفقات تصدير السلاح الروسي لـ”الجزائر”.

وكشفت مجلة (الجيش)؛ التابعة لـ”وزارة الدفاع” الجزائرية، عن الزيارات التي تمت بين قيادات عسكرية جزائرية وروسية نهاية سنة 2021، وأبرزها زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري؛ “السعيد شنقريحة”، إلى “موسكو”، في حزيران/يونيو 2021، في إطار المؤتمر التاسع للأمن الدولي، وتحدثت المجلة عن لقاءات جمعت “شنقريحة” بمسؤولين روس من أجل: “بحث حالة التعاون العسكري والتقني بين الدولتين وسُبل تطويره”.

وتُعد “الجزائر” الدولة الأولى إفريقيًا من حيث استيراد السلاح الروسي، كما تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في هذا المجال بعد “الصين” و”الهند”، حيث استحوذت على: 15% من صادرات “روسيا” العسكرية؛ سنة 2016، ويُمثل السلاح الروسي: 69% من جملة السلاح الجزائري.

ويشمل التعاون العسكري “الروسي-الجزائري”؛ بالإضافة إلى التعاون التقني والتكنولوجيا، مجال التدريب أيضًا؛ إذ عرفت “أوسيتيا الشمالية” تدريبات عسكرية تكتيكية بين الجيشين؛ في تشرين أول/أكتوبر سنة 2021.

الجزائر والاتحاد الأوروبي: شراكات واسعة ومصالح مشتركة..

في مقابل علاقاتها العسكرية مع “روسيا”؛ تُحافظ “الجزائر” على علاقات اقتصادية متطورة مع الدول الأوروبية؛ إذ تجمعها بـ”الاتحاد الأوروبي” اتفاقية شراكة جرى توقيعها في “برشلونة”؛ سنة 2002، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2005، كما تجمعها اتفاقيات تعاون ثنائية مع العديد من دول القارة، وقدر حجم المبادلات التجارية الإجمالي بين “الجزائر” والدول الأوروبية بحوالي: 58.14%؛ سنة 2019.

بلغت صادرات “الجزائر” إلى الدول الأوروبية في السنة ذاتها، ما قيمته: 22.81 مليار دولار؛ فيما استوردت منها بما قيمته: 22.39 مليار دولار. وتُمثل الصادرات إلى “أوروبا”: 62.54% من جملة الصادرات الجزائرية، فيما تبلغ وارداتها منها: 52.96% من جملة الواردات.

وتستحوذ منتجات الطاقة على النصيب الأكبر من صادرات “الجزائر”؛ إذ تبلغ: 90% من حجم صادراتها؛ بعائدات تتجاوز: 50% من جملة مداخيل الخزينة العامة. وتُعد “الجزائر” من أهم مستوردي “القمح”؛ إذ تُصنف الخامسة عالميًا في هذا المجال؛ بمتوسط قدره: 7.2 مليون طن، وتُعتبر “فرنسا” المورد الأساس لحاجيات “الجزائر” من “القمح”.

هل يكون “غاز الجزائر” بديلًا عن “غاز روسيا” ؟

طُرح هذا التساؤل بعد إيقاف إمدادات “الغاز الروسي”؛ بسبب الحرب “الروسية-الأوكرانية”، وما أعقبها من عقوبات أوروبية على “روسيا”، وزادت زيارة وزير الخارجية الإيطالي؛ “لويغي دي مايو”، رفقة رئيس مدير عام شركة “إيني” الإيطالية؛ إلى “الجزائر”، ولقائه مع الرئيس؛ “عبدالمجيد تبون”، ووزير الطاقة الجزائري، والمدير التنفيذي لشركة “سوناطراك”؛ يوم الإثنين 28 شباط/فبراير الماضي، من حجم هذه التساؤلات.

وقد صرح وزير الخارجية الإيطالي إبان اللقاء؛ أن زيارته تجيء في إطار مساعي الحكومة الإيطالية لزيادة وارداتها من الطاقة، خاصة “الغاز”، وتُعول في ذلك على “الجزائر” باعتبارها شريكًا موثوقًا.

وتُعد “الجزائر”؛ ثاني مُصدر لـ”الغاز” إلى “إيطاليا”؛ بعد “روسيا”، بنسب وصلت في بعض السنوات: 30%، والأول إلى “إسبانيا” بحصة من السوق تُقارب: 50%، وكذلك “البرتغال”، فضلًا عن إمداداتها إلى: “فرنسا، واليونان، وتركيا”. وتُصدر “الجزائر”؛ “الغاز”، إلى القارة الأوروبية عبر أنبوبين بعد أن أوقفت العمل بالأنبوب الذي يربطها مع “إسبانيا”؛ عبر “المغرب”، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الأخيرة؛ في آب/أغسطس 2021.

ويربط الأنبوب الأول: “الجزائر”؛ بـ”إيطاليا”، عن طريق “تونس” و”البحر الأبيض المتوسط”، والثاني من “الجزائر” مباشرة نحو “إسبانيا”؛ بعد أن أوقفت الأنبوب الذي يربط “الجزائر”؛ بـ”إسبانيا”. ونشرت صحيفة (ليبرتي) الناطقة بالفرنسية؛ مقابلة مع الرئيس المدير العام لشركة “سوناطراك” الجزائرية؛ (حكومية)، عنونتها: بـ”الجزائر مستعدة لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز”.

وقد أوحى العنوان أن “الجزائر”؛ ستعوض “الغاز الروسي” لـ”أوروبا”، وهو ما جعل “سوناطراك” تُسارع بنشر توضيحًا قالت فيه إن: “العنوان من وحي الجريدة، ولا يتناسب مع محتوى الحوار”، وأودعت ضدها شكاية بتهمة التلاعب والتحريف.

ويرى الأكاديمي الجزائري؛ “عمار صيغة”؛ أن: “الجزائر غير قادرة على تعويض حجم إمدادات الغاز الروسي لأوروبا؛ لأسباب فنية بالأساس وأخرى دبلوماسية؛ إذ يصل حجم صادرات روسيا إلى أوروبا من الغاز: 200 مليار متر مكعب، من جملة: 550 مليار متر مكعب تحتاجه القارة الأوروبية، في حين لا تتجاوز قدرات الجزائر التصديرية: 55 مليار متر مكعب في أحسن الحالات”، مضيفًا أن: “الحديث عن إمكانية تعويض الجزائر؛ للغاز الروسي، غير موضوعي ويتسبب لها في إحراج دبلوماسي مع شريكها الإستراتيجي؛ روسيا”.

في المقابل؛ يؤكد “عمار صيغة”؛ على أهمية استثمار “الجزائر” للظرفية الدولية الراهنة قائلًا: “هذا لا يعني أن لا تسعى الجزائر إلى الحصول على عائدات إضافية من الغاز وغيره من المحروقات، والاستفادة من صعود أسعاره، وارتفاع حاجيات العديد الدول لهذه المادة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها”.

وتواجه “الجزائر” تحديًا في كيفية الحفاظ على التوازن بين علاقاتها الإستراتيجية مع “روسيا” ورهاناتها الاقتصادية المرتبطة بشكل أساس مع “الاتحاد الأوروبي”، هذا المشهد غير مفصول عن الواقع الجزائري المحلي الذي يشكو أزمة اقتصادية مركبة أشار إليها في أكثر من مناسبة الرئيس؛ “عبدالمجيد تبون”، واتخذ جملة إجراءات بقصد تفادي أي احتقان اجتماعي.

تغضب الغرب أم روسيا ؟.. ضغوط أوروبية على الجزائر !

تتواجد “الجزائر”؛ في وضع لا تحسد عليه بسبب الضغوط الأوروبية من أجل ضخ كميات أكبر من “الغاز الجزائري” باتجاه الشمال لتعويض النقص المرتقب من تدفق “الغاز الروسي”؛ نحو القارة العجوز، بسبب الحرب “الروسية-الأوكرانية”.

ورغم أن قدرات “الجزائر” لا تكفي لتعويض “الغاز الروسي”، إلا أن الغرب يُريد التقليل؛ ولو جزئيًا، من اعتماده على “الغاز” القادم من الشمال.

ويضع الغرب عدة دول؛ من بينها: “الجزائر”، على لائحة المُصدرين المحتملين، في حال قرر “بوتين” غلق صنبور “الغاز”، لا سيما بعد تزايد “العقوبات الغربية” ضد “موسكو”.

ووفق مصدر رسمي تحدث لوكالة (رويترز) شريطة عدم الكشف عن اسمه، فإن “الجزائر” من المستبعد أن تُغامر بعلاقاتها مع “موسكو”؛ التي تعتبرها حليفًا موثوقًا وإستراتيجيًا، من أجل بضعة ملايين من الدولارات.

الغاز الجزائري..

وتبدو “الجزائر” مرتبكة جدًا – كما يرى الإعلام الغربي – حيال زيادة تدفق “الغاز الجزائري” نحو “أوروبا”؛ للحد من التأثير الروسي على الطاقة في “أوروبا”، ويبرز ذلك جليًا في التصريحات المتناقضة لمدير شركة “سوناطراك” النفطية الحكومية.

ووفق صحيفة (الشروق) الجزائرية؛ نقلاً عن قول مسؤول جزائري رفيع بشركة “سوناطراك”، فإن تعويض “الغاز الجزائري” لنظيره “الروسي” يُعتبر: “حلمًا” وكلام من لا يفقهون في مجال الطاقة.

وأضاف المسؤول الذي لم يكشف عن هويته؛ أن “الغاز” ليس كالماء تفتح حنفيته وتغلق، بل هو استثمار وتنقيب وعقود وأموال وحسابات ورهانات.

وشدّد المسؤول ذاته؛ على أن “الجزائر” لن تسوق المزيد من “الغاز”؛ إلا في إطار عقود واضحة ومتفق عليها، وليس مجرد فتح للأنابيب والضخ فقط.

الضغوط الغربية..

تضغط دول جنوب “أوروبا” على “الجزائر” من أجل إمدادها بالمزيد من “الغاز”؛ في ظل الأزمة “الروسية-الأوكرانية”؛ وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.

وتملك “الجزائر” حاليًا قدرات على إرسال المزيد من إمدادات “الغاز”؛ للقارة الأوروبية، عبر: 03 أنابيب أحدها أغلقته شهر تشرين ثان/نوفمبر الماضي، بسبب الخلافات السياسية مع “المغرب”.

ووفق مدير شركة “سوناطراك”؛ فإن “الجزائر” تملك القدرة على ضخ المزيد من “الغاز” عبر الأنبوب الرابط بينها وبين “إيطاليا”؛ إذا ما قررت السلطات العليا في البلاد ذلك.

كما تملك “الجزائر” القدرة على ضخ المزيد من “الغاز”؛ خلال الأيام القليلة القادمة، عبر أنبوبها الجديد العابر للمتوسط الذي يربطها بـ”إسبانيا”، حيث أنهت أشغال محطة الضخ الرابعة لأنبوب (ميدغاز)؛ وهو ما يرفع كميات التدفق.

وتستطيع “الجزائر” إعادة تشغيل الأنبوب الرابط بينها وبين “إسبانيا”؛ المار عبر “المغرب”، الذي لن يُمانع ذلك بالنظر إلى الأزمة الطاقوية التي يُعاني منها هو الآخر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة