27 ديسمبر، 2024 4:32 ص

الى الحكّام فقط

الى الحكّام فقط

يحتاج ” السلطويون ” أنْ يُلمّوا بكتُبُ التاريخ والسيرة، يقلبّون صفحاتها ويتأملون بعمق ما جاء فيها، عن مختلف الوقائع والقضايا، لاسيما طريقة التعامل مع الناس في حاجاتهم وظلاماتهم …. والوسائل المتخذة في علاج تلك المشاكل والمسائل .
إنَّ المراجعة الواعية للتاريخ، تفتح آفاقا رحبة أمامهم، تمور بالفوائد وتزخر بالعوائد الايجابية والتجارب النافعة …
وليس صعباً على الفَطِن منهم ان يستلهم الحلول الصائبة، ويفيد من النظرات الثاقبة ، ما يدفع به الى النجاح في المضمار السياسيّ والاجتماعي .
ان مفتاح النجاح يتمثل بالتفاعل الحار مع معاناة الناس، والمبادرة السريعة لتنفيس الاحتقانات، ووضع النهاية الحاسمة لتلك المتاعب والمشكلات .
-2-
ونسارع الى ذِكْر إحدى الوقائع التي جرت قبل أكثر من 1335 عاماً لنرى كيف تعامل (رأس الهرم) مع قضية أرّقت امرأة فقيرة سوداء ، فزعت اليه وطرحت عليه مشكلتها ، فأسرع الى إغاثتها وانقاذها مما كانت تعانيه، ضارباً بذلك أروع الأمثلة على احترام الاسلام للمرأة، وعنايته الشديدة بها، وحرصه على ان تكون ناعمة البال ، آمنةً سعيدة ….
شكتْ (فرتونه) – وهي جارية سوداء مصرية – الى عمر بن عبد العزيز (رض) من أنَّ حائط بيتها قصير، يُقتحم منه عليها ، فيسرق دجاجها …

فأرسل عمر فوراً اليها يخبرها :
انه ارسل الى والي مصر يطلب اليه ان يصلح لها حائطها، ويحصن لها بيتها.
وبالفعل فقد كتب عمر بن عبد العزيز الى واليه على مصر (أيوب بن شرحبيل) يخبره بأنها كتبت اليه ويقول له :
( اذا جاءك كتابي فاركبْ أنتَ بنفسك اليه حتى تحصنَه لها )
ولما وصله الكتاب ، ركب بنفسه الى الجيزة ليسأل عن (فرتونة) حتى عثر على محلها ، فاذا هي سوداء مسكينة فأعلمها بما كتب به عمر بن عبد العزيز، وحصّن لها بيتها …
(من روائع حضارتنا / 111)
والسؤال الآن :
هل تستطيع المرأة الفقيرة المسكينة ان توصل صوتها لا الى (راس الهرم) بل الى موظف اداريّ كبير ؟!!
واذا أوصلت صوتها اليه، فما الذي تنتظره منه الاّ الإهمال والإعراض ؟!!
وكم هو الفرق بين الصورتيْن ؟!!
-3-
ان التاريخ الذي حفظ لنا ما جرى (لفرتونة) على يد (عمر بن عبد العزيز) وواليه على مصر (أيوب بن شرحبيل) سيحفظ ما يقوم به أيُّ مسؤول نبيل، يلبّى نداء الاستغاثة الموجهة اليه من قِبلِ هذه المرأة المستضعفة أو تلك ، وهذا المواطن المكروب أو ذاك أيضا .

-4-
ان توّلي المسؤولية لايعني الاّ الخدمة الصادقة للوطن والمواطنين ، فاذا ما انعدمت آثار هذه الخدمة ، كان ذلك بمثابة الانتساب لنادي الذاتيين النرجسيين، الذي لايُعْنَون الاّ بمصالحهم الخاصة، وهم بذلك يستحقون اللعن المؤبد من السماء والأرض ومن الناس أجمعين .

[email protected]