25 فبراير، 2025 7:00 ص

“الحياة رواية”.. الروائي حين تسكره سلطته المطلقة في خلق الشخصيات

“الحياة رواية”.. الروائي حين تسكره سلطته المطلقة في خلق الشخصيات

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الحياة رواية” للكاتب الفرنسي “غيوم ميسو” تحكي عن الروائي وخلقه لشخصيات روائية، وكيف يستخدم سلطته وسطوته لدرجة تصل إلى حد الديكتاتورية في تعامله مع شخصياته الروائية، كما تحكي عن عالم الرواية وكيفيه خلقها مقارنة بعالم الواقع، فيما يمكن تسميته “محنة الخيال” الذي يمنع الكاتب من عيش حياته الطبيعية، ويشكل حياته الواقعية وفق انغماسه في حياته الخيالية.

الشخصيات..

فلورا كونواي: روائية شهيرة، تعيش حياة معزولة بعيدة عن الصحافة رغم فوزها بجائزة أدبية رفيعة واتساع شهرتها كروائية، لنكتشف أنها شخصية روائية من صنع خيال كاتب آخر.

رومان أوزوروسكي: روائي مشهور ترجمت أعماله إلى لغات كثيرة وأصبحت الشهرة تثقل كاهله، حياته الواقعية بائسة ربما لانغماسه في حياته الخيالية التي تتمثل في خلق وصناعة شخصيات روائية، يحاول أن يجعل حياته أفضل من خلال أن يكون أبا صالحا وتنصلح حياته في النهاية بعد مرور سنوات طويلة.

مارك روتيللي: الضابط الذي كان يحقق مع “فلورا” حول اختفاء ابنتها، والذي أصبح صديقها المقرب ليصبح في النهاية رفيق حياتها.

ألمين: زوجة “رومان”، جميلة وعارضة أزياء شهيرة، متعجرفة المزاج ولديها اضطراب نفسي جعلها تفسد زواجها وتتبدل ما بين الحالات المزاجية والأفكار والأحلام، لتموت في النهاية بجرعة زائدة من المخدر.

فانتين: حبيبة “رومان”، تعرف عليها أثناء زواجه من “ألمين” لكنه تركها حين عرف بأمر حمل زوجته، لتأخذه حالة الأبوة بعيدا عن الحب، لكنه يستعيدها في النهاية. ليست طيبة تماما لكنها ناشرة ناجحة، وهي من صنعت أسطورة “فلورا”.

ثيو وكاري: “ثيو” ابن “رومان” الذي أوشك على فقده حين سعت زوجته لحرمانه منه، لذا حين كان يرسم شخصية “فلورا” صنع لها ابنة وجعلها تفقدها بقسوة وهي “كاري”.

الراوي..

الرواية عبارة عن رواية داخل رواية، والراوي في الرواية الداخلية هي “فلورا” ثم “رومان” نفسه. إما في الرواية ككل الراوي هو “رومان”، الذي استخدم تقنيات أخرى ليعرض أصوات شخصيات أخرى داخل الرواية، فأتاح ل”ثيو” التحدث بصوته، وأتاح ل”فانتين” أن تتكلم بصوتها، واستخدم أسلوب الرسائل أيضا بين “رومان” و”فانتين” كما استخدم قصاصات الصحف لإكمال بعض ثغرات السرد. الرواية حافلة بأصوات متعددة لكن يحكمها جميعا “رومان” الذي يحب أن يعيش دور الروائي المتحكم في كل شيء، ويمكن القول أن صوت “غيوم ميسو” نفسه كان واضحا حين كان يترك ل”رومان” فرصة الحكي، لأن التشابهات كثيرة بين “غيوم ميسو” و”رومان”.

السرد..

السرد يختلف في درجاته ما بين الروايتين، كما يستخدم الكاتب حيل سردية متعددة، ويفاجئ القراء حين يحول نفسه لشخصية داخل روايته، السرد لعب على احتمالات الخيال، وكيف يمكن استخدامها، واعتمدت على التشويق كمكون أساسي من مكونات الرواية، كما اعتمد على مفاجأة القراء باكتشافات جديدة ونهاية مفتوحة لكنها سعيدة.

سلطة الروائي المطلقة..

تحكي الرواية عن فكرة هامة وهي سلطة الروائي في وقت صناعته لشخصياته، وكيف يتحكم تماما في مصائرها ومسار حياتها حتى أنه قد يسقط عليها تعاسته الخاصة، مثلما فعل “رومان” مع “فلورا” التي قرر أن يحرمها من ابنتها الصغيرة، لأنه كان قد حرم من ابنه بسبب أفعال زوجته الطائشة، وحين توسلت له الشخصية الروائية أن يترفق بها ويغير مصيرها البائس أو يجد لها طفلتها، أو على الأقل يعرفها أين ذهبت، تعامل بكل قسوة وقتل طفلتها بطريقة بشعة حيث سقطت من النافذة من الدور السادس نتيجة إهمال في تجهيز الشقة. طريقة قتل صعبة لا تؤذي “فلورا” فقط  بفقدان ابنتها وحرمانها منها، وإنما أيضا لكونها مسئولة بمعنى ما عن موتها.

لكنه يعود ويترفق بها فيكمل روايتها بعد أعوام طويلة حين يعود للكتابة، ويجعلها تنجب طفلة أخرى بعد أن تتزوج من صديقها الذي كان الضابط الذي يحقق معها في قضية اختفاء ابنتها.

الروائي ما بين عالمه الخيالي وعالمه الواقعي..

كما حكت الرواية عن التوزع الذي يعيش فيه الروائي ما بين الانغماس التام في عالمه الخيالي الذي يصبح فيه أقرب من إله، يخلق حيوات ويحدد مصائر ويرسم أقدار، يميت شخصيات ويعذب أخرى ويمنح السعادة لشخصيات ثالثة، هذا العالم الذي تسكره فيه السلطة المطلقة فيبتعد عن عالمه الواقعي الذي هو فيه مجرد إنسان تحركه معطيات الحياة. وقد كان “رومان” من هذا النوع من الروائيين الذين ينغمسون في عالم الخيال حد التأثير على عالمهم الواقعي، لذا فشل زواجه وهربت زوجته بعد أن أفسدت حياته وصورته أمام الناس أب قاسي وزوج سيء.

لكن لم يكن خطأ “رومان” وحده الذي تسبب في فساد حياته، فزوجته نفسها لديها مشاكلها النفسية وأمراضها، ورغم أنه أحب وعاش علاقة حب ساحرة وآسرة، إلا أنه تخلى عنها لصالح أن يكون أبا صالحا، لأنه عاني من فقدان الأب طوال حياته.

لكن “رومان” لن يتعذب طويلا فسوف يحصل على ابنه ثم بعد سنوات عدة سيحاول التواصل مع حبيبته ويعيش معها في النهاية، لذا ورغبة منه في أن يكون طيبا سيكتب مرة أخرى رواية “فلورا” التي كتبها منذ سنوات طويلة ولم يستطع إنهاءها، ويمنحها هي أيضا نهاية سعيدة بعد أن تعمد منحها مأساة شنيعة.

التلاعب بعقل القاريء..

قد نشعر كقراء بالافتعال بعض الشيء حين يكشف “رومان” عن أنه هو نفسه “فلورا”، وأنه قرر في لحظة ملل أن يكتب روايات أخرى لا يضع عليها اسمه الشهير، لكي يختبر مدى براعته كروائي، ولكي يخرج من سجن الشهرة. ولكي يرضي حبيبته “فانتين” التي هجرها يبعث لها بروايته التي كتبها بالانجليزية ويعطيها روايتين أخرتين، حيث يغير أسلوبه تماما في الروايات الثلاث،وتعتمد عليهم “فانتين” في صنع مستقبلها كناشرة مستقلة، تشجع النصوص الجيدة، وتخلق هي شخصية “فلورا” الروائية البارعة لكنها، غامضة لا تحب الأضواء وتتخفى عن أنظار الصحفيين.

حين يدخل الروائي داخل روايته..

أجمل جزء في الرواية، حين دخل “رومان” داخل روايته التي يكتبها عن “فلورا”، حيث يتخيل نفسه أو بالعكس يقنع القارئ بسحر خياله، حتى أنه يجعلنا نشعر وأنه تحول إلى شخصية روائية بالفعل، تعيش داخل عوالم الرواية، شوارعها وبيوتها وتخالط الشخصيات وتتعرض لضغوط من قبلها، وتساوم وتفاوض معتمدة على ذاكرة الروائي الذي خلق هذا العالم،لكنه مع ذلك محدود القدرات لأنه وضع نفسه تحت شروط الرواية نفسها التي خلقها، فكرة ساحرة أن يعيش الروائي داخل روايته ويتحدث مع الشخصيات اليت رسمها خيالة وكأنها من لحم ودم.

شعرت كقارئة أن هناك استعراض عضلات من قبل “غيوم ميسو”، وأنه يحاول إبهار القارئ، بأنه قادر على تغيير مسار الأحداث إلى مسارات مخالفة تماما، لكن مع ذلك استمتعت بالرواية لأنها ظلت تجذبني إلى النهاية وتثير فضولي وترضيه.

لكنها في المجمل ليست بقوة روايات أخرى قرأتها ل”غيوم ميسو”، شعرت أن فيها تلاعب عقلي أكثر من رصد لمشاعر إنسانية، فالروائي هنا كان يتلاعب بعقل القارئ لا يخاطب مشاعره وأحاسيسه، لكنه رغم ذلك استطاع أن يصور معاناة “رومان” وقت حرمانه من ابنه وفقدانه لحياته المستقرة، وكذلك معاناة “فلورا” الشديدة وقت حرمانها من ابنتها.

الكاتب..

ولد “غيوم ميسو” في السادس من يونيو عام 1974 في فرنسا، وهو واحدٌ من أشهر كتابها، وتحتل كتبه قوائم أفضل المبيعات هذه الأيام. دأب “ميسو” منذ طفولته على قراءة الكتب والمسرحيات، حتى أصبحت لديه قناعة حقيقية بأنه سوف يكون روائيا يومًا ما.

غادر بلده إلى أمريكا في سن التاسعة عشر، وأقام في ولاية نيويورك لعدة أشهر مع بعض المغتربين، معتمدًا على بيع الآيس كريم كوسيلة لاكتساب رزقه! عاد إلى وطنه فرنسا وعقله مليء بأفكار عديدة للروايات.

صدرت أولى رواياته في 2001 ولم تحقق النجاح المطلوب، ثم تتابعت أعماله الناجحة بعد ذلك حتى صار من أشهر مؤلفي فرنسا. ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة