قصّة قصيرة
خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :
ـ هل سمعتم آخر الأخبار ؟
ـ ماذا هناك ؟
ـ صديقي شبعان شبع شبعة جديدة، يا حسراه مين كان بكري موسّخ يجري في الحمري، كما قال المطرب الرّاحل “أحمد صابر”.
رجعت بشريط ذكرياتي إلى الوراء مستحضرًا الحال التي كان عليها شبعان الشبعة الجديدة، كان القمل ينساب من شعره كأنّه طائفة نمل، وكان يرتدي أسمالاً باليّة وكان لا يستحمّ إلاّ مرّة واحدة في السّنة وكان يسكن في بيت حقير يكاد سقفه يخرّ عليه وعلى رأسه، كان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى، كان هذا الحقير الذي تنكر لفضلي وإحساني يمرّ عليّ كأنّه لا يعرفني بعد أن شبع شبعة جديدة، صار من أرباب المال ويملك أراضي شاسعة وأرصدة كثيرة في البنوك وصار لا يكلّمني بل هجرني هجرانًا منكرًا وصار يُذكرني بسوء ذلك الوغد الحقير، صار كلّما رآني يُغيّر وجهة طريقه ولا يُريد لقائي، لا يُريد أن يتذكر أيّام المزيرية، يا حسراه مين كان يأكل الخبّيز ويأكل السّكّوم، كان لا يملك ثمن علبة سجائر والآن صار يدخّن المالبورو ويشرب الويسكي، كان شبعان الشبعة الجديدة في يوم عيد الفطر لا يخرج من منزله حياء من جيرانه، لأنّه كان يرتدي هو وأولاده ثيابًا رثّة بالية يتسوّل من معارفه قارورات غاز البوتان، وكان لا يملك عشاء ليله ولا فطور نهاره، وكنت أنا أغمره بفضلي العميم وأمنحه مبلغًا من المال كلّما داهمته الخطوب وأساعده في دفع مصاريف الدّراسة لأولاده؛ والآن صاروا إطارات يشار إليهم بالبنان وهو ما كذلك صحاب شبعة جديدة كيما باباهم الوغد الحقير، كم أنت وغد يا شبعان نبذت خيري وراءك ظهريًّا وصرت الآن كأنّك ولدت وفي عنقك ملعقة من ذهب.
صار شبعان الشبعة الجديدة هو وأولاده من الأعيان وصار يُقدّم في المناسبات الدّينية وفي المناسبات الوطنيّة وصار يُستشار في كلّ كبيرة وفي كلّ صغيرة بل صار من الفاعلين في المجتمع، صار شبعان هو ربّ المقلة، يُساهم في بناء المساجد بالدّارهم التي اكتسبها بالطّرق الغير مشروعة، عندما صار ثريًّا صار لا يحتاج إلى أيّ أحد لأنّه الآن قد طلّق حياة الفقر طلاقًا بائنًا بينونة كبرى، كان شبعان يفتخر بأبنائه في كلّ مجلس يعقده مع أعيان القوم، فإبنه عادل يعمل في شركته الخاصّة ويُحسن إدارة مؤسساتها بكلّ حنكة وبكلّ دهاء ويتقن اللّعب بكلّ الحبال ويُجيد الصّيد في المياه العكرة مثل أبيه ويقضي معظم أوقاته من حانة إلى حانة ومن بورديل إلى بورديل، أمّا إبنه هشام فهو صاحب مدرسة خاصّة في تعليم اللّغات ولا يدرس عنده إلاّ أبناء الذّوات وأبناء الأعيان وإبنه هذا ذكيّ جدًّا مثل أبيه وقع مؤخرًا في غرام إحدى الفتيات من اللّواتي كنّ يترددنّ على مدرسته الخاصّة وأحاط نفسه بهالة من الأبّهة وصار يرتدي الملابس الفاخرة التي تجلب أنظار الفتيات إليه واشترى سيّارة فارهة ليصطاد بها المراهقات ويأخذهنّ إلى الملاهي وإلى العلب اللّيليّة من أجل السّمر والسّكر حتّى الهزيع الأخير من اللّيل، يقضي معظم وقته في اصطياد الفتيات المراهقات اللّواتي يدرسن في مدرسته الخاصّة وله فضائح جنسيّة كثيرة كاد بسببها أن يدخل إلى السّجن لولا النّفوذ الذي يتمتّع به والده وأصبح النّفوذ الذي يتمتّع به كالورقة الرّابحة يستعملها وقت الحاجة ليُنقذ نفسه من الفضائح الجنسيّة التّي دائمًا هو متورّط فيها، ولكن له كلاب آدميّة تحرسه من كلّ سوء وتقدّم له كلّ فروض الولاء والطّاعة خاصّة في أوقات الشّدّة التّي تفوح منها روائح فضائحه الجنسيّة في كلّ مكان وفي كلّ زمان إنّه كلب آدميّ حقير.
لقد تبردلت الحياة وصارت مقرفة جدًّا، لقد تحوّلت حياتنا إلى بورديل أو ماخور كبير كلّ يوم نصادف فيها عاهرة جديدة ننكحها بأبخس الأثمان، صارت حياتنا جحيمًا لا يُطاق طردنا من جنّة السّعادة منذ الأزل وصرنا نصادف الأوغاد في كلّ مكان وفي كلّ زمان، صار أصحاب الشّبعة الجديدة كالعاهرة التي تدعي الشّرف يُريدون اقتحام حياتنا والسّيطرة علينا بكلّ الوسائل، تبًّا لها من حياة، صارت صحراء قاحلة تحوم حولها غربان الخديعة مفترسة كلّ الأبرياء وكلّ المعتوهين الذين انبهروا ببهرج وزينة أصحاب الشبعة الجديدة، صحت صيحة مدويّة سمعها كلّ من الثّقلين قائلاً: “يا صحاب الشبعة الجديدة أخطو ربّنا”، لا نريد أن نصادفكم في طريق حياتنا، نريد أن نبني مجدنا بعيدًا عنكم، لقد انخدعنا بشبعان الشبعة الجديدة وبأمثاله من الممرورين الذين شوّهوا الوجه الحسن لهذه الحياة التي صارت دم عذراء افترسها وغد حقير، لقد صارت الحياة كالكابوس المزعج يطاردنا في ليالي الشّتاء الباردة وفي ليالي الصّيف الحارّة، كنّا نحلم بحياة ورديّة يسودها الفرح وترفرف السّعادة في أرجائها البعيدة، طلبنا السّعادة في طفولتنا التي انصرمت من حياتنا على حين غفلة منّا، نريد أن نبني مجدنا الطّفولي على صرح أحلامنا البعيدة التي صارت تجري وراءنا في كلّ شبر من حياتنا التّعيسة، سعينا إلى بلورة ركائز طفولتنا في ضمائرنا المتعطشة إلى أحلام الطّفولة الوهميّة، جئنا إلى هذه الدّنيا ولا ندري لماذا أتينا ؟ صارت حياتنا وهمًا وسرابًا يطاردنا كأمطار الشّتاء العاتية التي تطوّقنا من كلّ مكان، سعينا إلى سعادة وهميّة بنيت على رمال واهية وجعلتنا نخضع إلى هذا القدر الغاشم الذي لا يرحم، نادتنا أحلام الطّفولة من وراء جدار الصّمت الذي يخيّم على أصداء ذكرياتنا الحالمة بغدٍ جميل مشرق ترفرف فيه السّعادة فوق جبال أحلامنا البعيدة التي تطلّ على الجانب المظلم من حياتنا، فحياتنا وهم وسراب وخديعة كبرى.
لعنة الله على شبعان الشبعة الجديدة الذي صار يسيطر على كلّ الكواليس الخلفيّة للمجتمع، إنّه يريد أن يرسم لنفسه صورة مخمليّة تساعده على تبوّأ مكانة اجتماعية راقية، صار شبعان الشبعة الجديدة وجيهًا في قومه بسبب تلك الأموال التي اكتسبها بالوسائل الغير مشروعة، صار من أثرياء الحرب القذرة التي أتت على الأخضر وعلى اليابس، كان شبعان الشبعة الجديدة يحاول الحفر في تجاعيد التّاريخ لعلّه يعثر له على سيرة عطرة تساهم في محو تاريخه القذر، إنّه يريد بناء تاريخ وهميّ يجعله يرنو إلى مجد تليد، عندما صار ثريًّا صار معروفًا لدى الوجهاء، وصارت له حاشيّة تسعى إلى كسب ودّه بكلّ الوسائل وبكلّ الطّرق، تبًّا لك يا شبعان، لقد سرقت طفولتنا وحطّمت أحلامنا ونهبت أموالنا وطاردت آمالنا وطموحاتنا في كلّ زمان وفي كلّ مكان.
يا أصحاب الشبعة الجديدة لقد غزوتم القرى والمدن بمالكم الوسخ وسيطرتم على المساجد وصرتم تسيطرون على الرّأي العام، لقد ضيّعتم شبابنا إلى الأبد، بعتم لنا الأوهام وصارت حياتنا جحيمًا لا يطاق، يا حسرتاه على أيّامنا التي ضاعت فيما لا يفيد، صرنا نجري وراء الأوهام ووراء السّراب، كنّا إذا أردنا تحقيق حلم ما سعينا إلى تحقيقه وهذا من أجل بناء حياة سعيدة تسودها المروءة ويسودها التّفاؤل، آه منكم يا صحاب الشبعة الجديدة.
ـ هل سمعتم آخر الأخبار ؟
ـ شبعان الشبعة الجديدة كلّ عام يذهب إلى الحجّ من أجل زيارة بيت الله الحرام، ويساهم في بناء المساجد بتلك الأموال التي سرقها وأراد تبييضها في سبل الخير، لقد أراد أن يسيطر بأمواله على النّاس ويجعلهم خاضعين لسطوته، إنّه إنسان ماكر مخادع يريد أن يخدع النّاس في أموالهم وفي أنفسهم، وما أكثر أصحاب الشبعة الجديدة في هذا الزّمان، صرنا نصادفهم في كلّ مكان وصاروا هم من يريدون السّيطرة على المجتمع ويبثّون أذنابهم في كلّ مكان.