في رواية ” الحرب والسلام ” التي كتبها الاديب والمفكر الروسي ليو تولستوي ، قبل وبعد دخول نابيلون الى موسكو عام 1812 وعودته الى فرنسا ، من دون استسلام القيصر .. كان تولستوي يقارن بين حياة الترف التي عاشها القياصرة في قصورهم الفارهة قبل دخول نابليون ، وظروف الحرب التي عاشها الشعب الروسي ، لكن هذه المقارنة الواقعية ، لم تثني القياصرة من الاستمرار في حياتهم ، ولم تمنع البلاشفة من القيام بثورتهم ، ولم تمنع الستالينيين ايضا ، من الخوض في حروب ليست حروبهم .
في رواية / الحرب والسلام .. يوقفنا تولستوي في عبارات صاخبة و بليغة :
( الانسان بطبعه بربري دموي ، وان اردت احقاق السلام على الارض ، فعليك تبديل دماء الناس الى ماء ، وهذا لن يتم ) .
احد الفلاسفة .. يعتقد ان الحروب ضروية للبشر من اجل طرد الكسل و الملل ، وتنشيط الحياة ، والسعي ثانية لبناء ما تدمر ، دون كلل .
اليوم .. يلعب بوتين لعبة القياصرة ، ولعبة نابليون معا ، يحارب من اجل رفاهية وسلامة حكمه ، باحثا عن مجال حيوي لوطنه ، خوفا من وجود حلف النيتو على حدود بلاده .
وهكذا هي الانظمة القوية ، لا تكتفي بحدودها المعلنة ، بل تبحث عن مجالات حيوية درءا للمخاطر التي تواجهها .
بوتين الذي تخرج من دهاليز المخابرات الروسية ، شعر ان اوكرانيا .. ربما ستصبح خنجرا بيد امريكا والغرب ، فسارع لاقتحامها بهدف تغيير النظام فيها ، وتشكيل حكومة ، ورئيس اوكراني لا يولي وجهه وجهة اخرى ، وتكون قبلته نحو روسيا العظمى .
الرئيس الاوكراني الحالي ، ممثل كوميدي ، كثيرا ما يخرج عن النص بامتياز .. اغلب الظن ، انه لم يقرأ “رواية الحرب والسلام ” التي تميزت بمرارة الحروب ، وكان عليه ان يعرف ان الشعوب التي تحب الحياة ، وتجيد لعبة الفن والجمال ..لا تجيد لعبة الحرب والكفاح .. وان تجرأت ورفعت البندقية ، فالمأساة تنتظرها . ايام مرت على الغزو المخيف للجيش الروسي .. الوضع الانساني للمواطنين الاوكرانيين محزن جدا .. بين قابع في انفاق المترو ، وبين هارب الى الحدود ، اطفال ونساء وشيوخ .
زيلينسكي ، ومن خلال شاشات العالم ، ظهر في وضع القائد الذي لا حول ولاقوة له .. صورته باهتة ومهزوزة ، فالممثل الذي يجيد ادوار المسرح ، لم يفلح بكتابة سيناريو الحرب ، وكان عليه ان يبقى محايدا بين جارته روسيا والغرب ، وان يبتعد عن لعبة التوريط الامريكي الاوربي .. لهذا لم يظهر امام مواطنيه برجل الكون ، وظل يتحدث ويحارب بتيشيريت كاكي اللون .
ليس هناك من وجه مقاربة .. بين الثعلب الروسي الماكر بوتين ، وبين الحمل الوديع زيلينسكي .. وفي تحليل سريع لمضامين خطابات الرجلين .. نجد ان بوتين يتحدث وهو الواثق من نفسه ، مصرا على موقفه ، لا يظهر كثيرا ، ولا يتكلم الا عند الحاجة .. بينما نرى زيلينسكي مترددا ، كثير الحديث ، يطلب المساعدات من الغرب ، و يدعو بوتين للتفاوض معه .. ثم يصل الامر به الى مناشدة الشعوب الاوربية لمساعدته ، بعد ان مل من وعود بايدن ، والزعماء الاوربيين الذين ورطوه في مواجهة بوتين .. بانتظار وجود قوة وهمية درامية تنقذه في لحظة ما .. الامر الذي دعا بوزير الخارجية الفرنسي ، ان يبعث برسالة اطمئنان قائلا :
نحرص على سلامة الرئيس الاوكراني .. ونساعده على الخروج اذا لزم الامر .
والخروج هنا.. يعني الهروب من الدب الروسي الذي سيطر على سيرك القتال ، بسرعة قريبة من الخيال .
بقي لنا ان نقول .. عندما غزت امريكا العراق ، لاسباب واهية ، لم تحدث مثل هذه الضجة الغربية المفتعلة .
ان محاولة خنق الدول ، وغلق مجالها الحيوي ، وزرع بجوارها من يعمل على انهاكها و اضعافها ، سوف لن يمر بسلام ،،، فهل تتعظ الدول المجاورة للعراق من خطورة غلق المجال الحيوي .. عند مياهه الخليجية .