25 فبراير، 2025 6:59 ص

الهوس بالكاتب/ة (10): مشاركة وجدانية أم وسيلة لشخصنة حالة مرضية أم ثغرة لا تنغلق إلّا بوجود المهووس به

الهوس بالكاتب/ة (10): مشاركة وجدانية أم وسيلة لشخصنة حالة مرضية أم ثغرة لا تنغلق إلّا بوجود المهووس به

 

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يكون الهوس في شكل شغف من قارئ ما بالتحدث إلى كاتبه المفضل، أو الجلوس معه، وقد يأخذ شكل المشاركة الوجدانية مع هذا الكاتب الذي كانت نصوصه نقطة الوصل مع القارئ الذي حمل داخله شغفه وهوسه.

لكن هناك رأي آخر يعتبر الهوس من قارئ ما نحو كاتب ما حالة مرضية، وأن القارئ يسعى لشخصنة حالته المرضية تلك عن طريق تعلقه بالكاتب. ورأي آخر في نفس السياق يعتبر الهوس شعور بالنقص، أو نتيجة لخلل ما فكأن القارئ المهووس يشعر في داخله بثغرة لا يستطيع غلقها إلّا بوجود المهووس به.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
  3. كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

 

شغف ومشاركة وجدانية..

يقول الكاتب المغربي “مصطفى لغتيري”: “لا أخفي أن هذا الأمر يحدث كثيرا من قبل قراء من الجنسين ذكورا وإناثا، قد لا أسميه هوسا، بل أعتبره نوعا من الفضول الذي يتملك القارئ تجاه الكاتب، بعد أن يقرأ نصا أو نصوصا له. أتذكر يوما أن قارئة اتصلت بي، وحين سألتها عن هويتها أجابت بأنها “كريستينا” متماهية في ذلك مع شخصية روايتي “ليلة إفريقية”، وحين استغربت، سألتني ألست أنت “يحيى البيضاوي”، وهو شخصية رئيسية في نفس الرواية.

كما أن صديقا كلما اتصل بي خاطبي بلقب “ابن السماء” وهو عنوان إحدى رواياتي، والحوادث كثيرة في هذا الصدد.

أعتقد أن الفضول تجاه الكاتب يعتبر شيئا لطيفا ومحبذا، ما لم يتجاوز حدوده، فإذا كان ما حكيته سابقا جميلا ولطيفا، فأحيانا تحدث أمور مؤسفة. أتذكر كاتبا مغربيا تعرض لهجوم عنيف من قبل قارئة، ادعت أنه يكتب عنها باستمرار، وكان الأمر محرجا جدا، لدرجة أننا اضطررنا جميعا لحمايته وإبعاده عن السيدة، التي يبدو أنها تعاني من مرض الوسواس القهري”.

عن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما يقول: “بصراحة إذا توقف الأمر عند حدود الإعجاب، يكون الأمر مناسبا، بل قد يدخل السرور على نفس الكاتب، لأن ذلك يعد نوعا من النجاح، الذي يتمثل في اهتمام القراء بحياة الكاتب، ومحاولتهم إيجاد موطئ قدم في اهتماماته، لكن إن تطور الأمر وأصبح تدخلا في الحياة الشخصية بطرق فظة، حينذاك يصبح مزعجا”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “أتذكر في مرحلة من حياتي كنت أقرأ لكثير من الكتاب، فيتملكني الشغف لمجالستهم ومحادثتهم، ولكن لصعوبة ذلك كنت أعيد قراءتهم باستمرار، حتى أشعر بتلك المشاركة الوجدانية التي أطمح إليها. وقد أفادني ذلك كثيرا في استيعاب كتاباتهم وهضمها بشكل جيد”.

وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس يقول: “للأسف مازال هذا التصور سائدا، ومفاده أن الكاتب ينقل الواقع في كتاباته، بل هناك من يعتبر الشخصية الرئيسية في القصص أو الروايات هي شخصية الكاتب، ولهذا يتعاملون معها وكأنها من لحم ودم، والحقيقة أن جميع شخصيات القصص والروايات هي شخصيات من خيال، من كلمات أو من ورق.

لذا يجيء القطع نهائيا مع هذا التصور، فالكاتب رأسماله الخيال، وكل ما يكتبه خيالي، حتى وأن استعمل بعض التقنيات السردية التي توهم القارئ بعكس ذلك، كاستعمال ضمير المتكلم أو توظيف بعض التواريخ المحددة أو أمكنة معروفة. إنها فقط لعبة الإيهام التي تعد من أهم الوسائل التي يستثمرها الكاتب من أجل أن ينجح في عمله”.

وسيلة لشخصنة الحالة المرضية..

ويقول الكاتب المغربي “أحمد زموري” عن تعرضه لحالة هوس من قارئة ما: “رد فعلي كان عاديا، فأنا أعتبر العلاقات الإنسانية شيء طبيعي، ولذلك رددت عليهن باحترام، وبقيت صداقة ومودة واحترام. وأظن أن النساء لا يسعين للتعرف على رجل إلا حين يطمئن إلى نضجه وسمو أخلاقه ونبله”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ يقول: “في الحقيقة يصعب علي تكوين رأي لأني أنا شخصيا لم أعش هذه الحالة.  إنما أرى أنه ربما يقع الهوس من طرف تجاه طرف حين يكون الطرف الأول (المهووس) ذا قدرات كتابية بسيطة في الوقت الذي يرى الطرف الثاني مبدعا فوق العادة”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “بحكم تكويني وخبرتي العملية لا يمكن للهوس أن ينتابني. ولكن يمكن أن أعجب بكتابات كاتبة أو كاتب، و كإنسان-رجل يمكن أن أعجب بكاتبة لأنه بدا لي أن لها صفات خاصة. طبعا لن أضايقها، هذا عن ما مضى. أما في الوقت الحاضر فلا أدري إلى أين يمكن أن يقودني الإعجاب (طبعا أعرف أني في كل الأحوال لن أتجاوز حدود اللياقة والاحترام)”.

وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس يقول: “أولا كل كتابة منشورة تصبح بحكم الواقع ملكا للجميع. وليس كل الكتابات ذاتية، وليس كل إعجاب يقود للهوس، وربما حالات الهوس هي أصلا حالة مرضية تجد في الكاتب أو الكاتبة وسيلة لشخصنة الحالة المرضية.

أما العلاقة الطبيعية بين قارئ وكاتب أو كاتبة فهي الإعجاب بالمنتوج لا بالمُنتَج”.

ثغرة داخلية تحتاج للامتلاء..

ويقول الكاتب العراقي “علي الحديثي”: “لا… لم أتعرض لمثل هذه الحالة”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما يقول: “أنا ضد فكرة الهوس بشيء أيًّا كان، الهوس أشبه بعمى يصيب عقل الإنسان، فلا  يرى أخطاء المهووس به، وتفسيره يحتاج إلى تحليل نفسي، فربما هو شعور المهووس بخلل في داخله، بثغرة لا يستطيع غلقها إلّا بوجود المهوووس به”.

وعن هوسه كقارئ: “لا محالة هناك كُتاب تركوا بصمتهم الجميلة فيّ، ولكن ليس حدّ الهوس، فمثلًا “دوستويفسكي وكازنتزاكي وكامو”، أحرص عن اقتناء ما كتبوا وما كُتب عنهم.. وبلا هوس”.

وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس يقول: “هذه من الأمور التي يقع بها الكُتّاب، فبعدما يأخذ اسمه صداه يصبح كأنه ملك للآخر، وأرى أن هذه من الأمور الخاطئة، فالكاتب مهما كان هو إنسان، له حياته التي يريد أن يعيشها، له لحظاته التي يريد أن يستمتع به، فعلى القارئ أن يعي هذه المسألة، ولا يجعل من نفسه قيدًا ومراقبًا على الكاتب الذي يحبه”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة