خاص: كتب- إدريس الناصري
لقد فكرت كثيرا قبل أن أكتب عن هذا الجيل، الذي ليس له صفات معينة، أو كاريزما خاصة، أو قاعدة لكي ينطلق منها. فكل شيء فيه متداخل مع بعضه البعض، طفولتهم لا تشبه طفولة الأجيال التي سبقتهم، ولا التي جاءت بعدهم، كذلك مراهقتهم ومن ثم نضوجهم. فمثلا طبيعة الأفلام الكارتونية التي كانوا يشاهدونها هي أفلام لم تكن صنعت في أيامهم، إنما صنعت للأجيال التي سبقتهم، أجيال كانت تنعم بالطفولة الحقيقة البريئة الحالمة. لا تعكر مزاجها السياسة والحروب.
طفولة بسيطة هادئة كبساطة العيش، فكان البلد في هذه الأيام في حالة ازدهار وانفتاح ومواكبة للتطور المتنامي بشكل سريع في العالم على كل الأصعدة والمجالات الطبية والعسكرية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فلم يكونوا في عزلة عن ما يدور حولهم. ومثال على هذه الأفلام “ساسوكي” و”السندباد البحري”، أفلام تمت صناعتها بالسبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، وقد وجدوا أنفسهم يحبون هذه الأفلام التي كان إخوانهم الأكبر منهم سنا يعرفون كل تفاصيلها. لذلك راحوا يطلبون منهم السكوت عند وقت عرض هذه الأفلام لكي لا يفسدوا عليهم متعة المشاهدة بسرد تفاصيل الحكاية المعروضة.
أما فيما يخص الألعاب التي كانوا يلعبونها فهي من تركة تلك الأجيال، فلم تكن هنالك ألعاب تمثل جيلهم أو الفترة الزمنية التي كانوا يعيشونها، كما هو حاصل الآن. لذلك نشئوا نشأة معاقة، فبدلاً من أن يلعبوا ألعاب الفيديو التي كانت دارجة في أيامهم، ولكن غير ميسرة للأغلبية إلا من ميسوري الحال، كانوا يلجئون إلى الألعاب التراثية البالية مثل (الجعاب, الدعابل، السيفون………إلخ) والإعاقة هنا أقصد بها حالة الحرمان التي كانوا يعانون منها في كل شيء.
وما أن كبروا قليلاً ودخلوا المدارس الابتدائية التي كانت مختلطة قبلهم، حتى جاء قرار فصل الإناث عن الذكور، وهنا كانت بداية الكارثة لما حدث بعدها من مشاكل اجتماعية وأمراض نفسية، يعاني منها أبناء هذا الجيل والمجتمع إلى الآن.
إضافة إلى ذلك تراهم جيل يفتقر للإبداع، فلم يحضروا دروس الموسيقى ولم يدخلوا المرسم لكي يتعلموا الرسم ولم يحظ،وا بدروس رياضة كافية، فقد تعودوا على أن هذه الدروس هي ملحقة لدروس مواد أخرى كانوا قد تأخروا فيها حتى وإن لم يكونوا السبب في التأخير. لذا تجد أن أعظم متع الحياة كانت هي اللحظة التي يقع فيها الاختيار على أحدهم لكي ينضم إلى فريق الكشافة، فهو هنا سوف يتمتع بأوقات استراحة أكثر من التي كانت تمنح له، عندما يقرع جرس الفرصة، الذي كان بمثابة أجراس عيد الميلاد، عند انتهاء الدرس. وهو كالنفخ بالصور العظيم عند انتهاء الفرصة.
مع العلم أن الكشافة لم تكن تتعدى التدريب على المسيرالعسكري (يس، يم) واستعد واستريح، تحضيراً للاستعراض في المناسبات الوطنية، كعيد ميلاد السيد الرئيس، فهو من أهم الأعياد، بل هو أهمها تحديداً، فلا شيء أهم من الرئيس أيامها.
حتى وإن كنا نعيش مأساة ما فعله هذا الرئيس، بسبب سياساته الخاطئة وعنجهيته الفارغة التي لم تعود على هذا البلد بغير الويلات المتلاحقة التي عاشها هذا الجيل تباعاً، فطفولتهم حصار ومراهقتهم حرب ومن ثم طائفية ومن ثم إرهاب ومن ثم داعش. ومن ثم بلد ضعيف ينخره الفساد بلا سيادة وبلا عيش كريم وبلا مستقبل.
وعندما كبر هذا الجيل وبدأت أجساد أبنائه تتغير فسيولوجيا وازدادت غرائزهم وحبهم لاكتشاف الأشياء التي يمارسها الذين مروا بهذه المرحلة من الذين سبقوهم، وكانوا يشاهدون هذه الأفعال التي يمارسونها علانية تارة وبالخفاء تارة أخرى الممنوع منها والمسموح بها. يريدون أن يحبوا على طريقة من قبلهم، وأن يعيشوا كل مغامراتهم، فهم مأسورين بحكايات الأجيال السابقة، التي عاشت فترات العراق الجميلة التي كانت أكثر جمالا مما يعيشونه هم.
لا شيء أقبح من الجوع والفقر وفائقة العيش، منهم من كان يترك المدرسة ويذهب ليساعد والده المعلم في بسطته الصغيرة، التي يبيع فيها ما تبقى من أثاث المنزل، وليس لديه الوقت ليحب ويعيش الحب، فالتفكير بلقمة العيش يقتل كل فكرة أخرى، فأبناء هذا الجيل كانوا يصارعون على البقاء.
إن هذا الجيل بلا هوية لأنهم لم يعيشوا في مناخ طبيعي ساعدهم على تكوين هوية خاصة بهم، لذلك يصعب على الكثير فهم مزاجهم العام، حتى هم أنفسهم لا يعرفون ماذا يريدون، وماهي أحلامهم. إنهم صناعة سنوات مضطربة وغير مستقرة على كل الأصعدة. وبالتالي هذا الاضطراب صار جزء لا يتجزأ من كينونتهم. تجدهم دائماً متخبطين في آرائهم وأفعالهم. فهم منذ نشأتهم ليسوا لهم سمات جيل خاصة بهم، ورغم أنهم واقعيا ولدوا في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، إلا أنهم لا يجوز احتسابهم على جيل الثمانينات ولا جيل التسعينيات ولا يمكن احتسابهم على جيل الألفية فهم تائهون منتهكون بلا خصوصية.