23 ديسمبر، 2024 10:55 م

جنوب المعدان ..جنوب الطليان ………!

جنوب المعدان ..جنوب الطليان ………!

فِي 13 تَشْرِيْن الْثَّانِي عَام 2003 وَفِي الْسَّاعَة الْحَادِيَة عَشَر صَبَاحْا اقْتَحَمْت شَاحِنَة كَبَيْرَة مَلِيْئَة بِالْمُتَفَجِّرَات  مُقِر الْقِيَادَة الايطَالِيّة فِي مَدِيْنَة الْنَّاصِرِيَّة الَّتِي  أتُّخِذَت مِن بِنَايَة غُرْفَة تِجَارَة ذِي قَار مُقِرّا لَهَا وَتَقَع  عَلَى نَهْر الْفُرَات .تَمَامَا امَام الْمُتْحَف الثَارِيْخي لِلْمَدِيْنَة الَّذِي يُقَابِلُهَا فِي الْضَّفَّة الْاخْرَى وَفَجَّرْت  كَامِل الْمَبْنَى .وَذَهَب نِتَاج الْتَّفْجِيْر الْهَائِل هَذَا ضَحَايَا كُثُر مِن جُنُوْد الْقُوَّة دَاخِل الْمَبْنَى وَاناس مِن اهْل الْمَدِيْنَة دَفَعَهُم حَظُّهُم الْعَاثِر لْيَتَوَاجَدُوا فِي سَيَّارَاتاجَرَة ( مُسْتَهْلَكَة ــ أَغْلَبُهَا سَيَّارَات مِن طِرَاز فُوُلْكَا مُوْدِيْل 1975) مَارِّيْن امَام الْمَكَان وَقْت الْتَّفْجِيْر …وَلِأَوَّل مَرَة فِي تَارِيْخ الْمَكَان الْسُومَرِي أَن اخْتَلَط دَمابْنَاءَه بِدَم ابْنَاء مُحْتَلِّيْه لِيَكُوْنَا ضَحِيَّة لِعَمَل ارْهَابِي..!وَفِي تِلْك الْمُفَارَقَة عُلِّقَت صَحِيْفَة ايطَالِيّة تَقُوْل : لِأَنَّنَا مُحْتَلَّيْن نَدْفَع الثَّمَن .لَكِن مَا ذَنْب اوْلَئِك الَّذِيْن لَيْس لَهُم ذَنْب.( مَا ذَنْب أُوْلَئِك الَّذِيْن لَيْس لَهُم ذَنْب ) جُمْلَة الْتِبْاسِيّة فِيْهَا الْكَثِير مِن غُمُوْض الَدِرَامَا .فَدَفَع  الثَّمَن الْمُشْتَرَك هُو الْضَّرِيبَة الَّتِي تَدْفَعُهَا الْشُّعُوْب  ازْاء قَدرِّيَّتِهَا الَّتِي اخْتَارَتْهَا الْالِهَة لَهَا لِتَعِيْش فِتْنَة تُقَبِّل الاسْيَاد الْقَادِمِيْن مِن وَرَاء حُدُوْدِهَا بَدْءِا  بَالاقْوَام الْجَبَلِيَّة وَالْفَرَس وَالْرُّوْم وَالتُّرْك  وَالْأَنْوَاع الْشَّتَّى مِن الْغُزَاة كَمَا اصْنَاف الْفَواكَة  وَالْخِضْر وَلَكِن ( الْفَاسِدَة )بِسَبَب سُوَء الْشَّحْن..! كَان ذَلِك الْيَوْم اسَّوَدَّا وَفَنتَازِيا .وَارْعَبَنِي فِيْه عِبَارَة جُنْدِي ايْطَالِي جَرِيْح نَقَلَهَا لِي مُتَرْجِم قَال : آَه  انَّه جَنُوْب نَحْس.! لاادْري لِمَاذَا اخْتَار هَذَا الْمُحَرَّر الْشَّهْم هَذِه  الْعِبَارَة وَلَم يَقُل :مَكَان نَحْس ، مَدِيْنَة نُحِسُّه .ظَهِيْرَة  نُحِسُّه . لِمَاذَا اخْتَار الْجِهَة …؟
حَسَب عِلْمِي وَانَا الَّذِي افْنَيْت ثَلَاث ارُبَاع كُتُبِي ابْحَث  في ذَاكِرَة الْجَنُوْب ، إِن الْجَنُوْب لَم يَكُن نَحْسا فِي يَوْم مَا ..لَقَد كَان جَنُوْبِا نَاعِما وَرُّومُانسيّا وَمِسْكِينَا وَفَقِيْرا وَثوريّا وَحُسَينيّا وَمَاركسيّا وَلِهَذَا لَم يَكُن جَنُوْبِا نَحْسَا ، وَاذّا كَان هَكَذَا فَأَن نَحَاسَتِه تَكْمُن فِي عَدَم تَقْبَلُه ان  يَكُوْن سَاحَة صِرَاع بَيْن الْمُحْتَل وْكَارَهِيَيْه……!وَحِيْنَهَا لَم يَكُن هُنَاك كَرْها عَلَنِيّا بَيْن اهْل الْمَدِيْنَة وَمُحْتَلَيْهُم بَل كَان الْكُرْه مُعْلِنَا بَيْن الْمُحْتَل وَتَّنْظِيْم الْقَاعِدَة…! وَبَعِيْدَا عَن تِلْك الْمُعْضِلَة وتَفَاسِيْرَهَا ( بَل هُرُوْبَا ) بَقِيَت احْمِل عِبَارَة الْجَرِيْح الطُلِيَانِي وَاضِعِهَا امَام اسْئِلَة الْتَّفْسِيْر لَانَّاس اعَرِّفَهُم . انَاس مُثَقَّفُون وَبُسَطَاء وَشُيُوْخ حِكْمَتُهُم فِي فِطْرَتِهِم  وَمَهَارَة الْعَيْش زَمَنَا عِتِيا .فَكَانَت الاجْوْبة تُمْسِك الْتَّصَوُّر الْعَام وَيَنْعَكِس عَلَيْهَا اثَار 35 عَاما مِن الْحُكْم  الْحِزْبِي وَالْرَّجُل الْوَاحِد ( انَا بِالْمُنَاسَبَة )جَزِعْت مِن مُنَاقَشَة مَا مَاكَان .فَمَا كَان انْدَثَر وَذَهَب وَعَلَيْنَا ان ُوَسِّع الْرُّؤَى لِلْحَاضِر بِتُحْضِر .وَهَذَا لَم يَحْصُل بَعْد ….! لم اجِد الْجَوَاب الْشَّافِي ..!.
فِي عَام 2006 زُرْت قَرْيَة مِّن قُرَى قَضَاء الْجِبَايِش وَفِي  مُضَيِّف شَيْخُهَا كَان الْحَدِيْث عَن الْجَنُوْب وَمِحْنَة مَع  الْعَطَش…اقْصِد الْجَنُوْب الاهَوَارِي ، جَنُوْب الْقَصَب …فَسَأَلْت الْشَّيْخ ان كَان الْعَطَش بَعْضَا مِن نَحْس الْزَّمَان عَلَى الْمَكَان ..فَكَان رَدُّه :ان الْمُعَيْدِي عِنَدَمّا تُعَانِدُه جَاموَسَّتِه فِي  الْخُرُوْج مِن بَرَكَة قَيْلْوَّلْتِهَا وَالذَّهَاب مَعَه الَى بَيْتِه  لِحَلْبِها .لَايُعَد هَذَا نَحْسَا مِنْهَا ،أَنَّمَا بُطُوْلَة ..! وَعِنْدَمَا ذَكَرْت لَه عِبَارَة الْجُنْدِي الطُلِيَانِي :قَال هَذَا حَتْمَا جَنُوْبِي ،وَإِلَا كَيْف يُنْطِقُهَا بِهَذَا الْمَوْقِف وَالْلَّحْظَة دُوْن ان يُدْرِك انَّه اصْلَا يَنْتَمِي الَى جَنُوْب نَحْس..! وفِي هَذِه الْلَّحْظَة تَذَكَّرْت قِصَّة لْكَاتِب ايْطَالِي اسْمُه  ايْتالْيُو كَالِفينْو الَّذِي اكَاد احْفَظ كِتَابَه الْسَّاحِر مُدُن  لِامَرْئِيّة عَن ظَهْر قَلْب .عِبَارَة لِاحَد شُخُوْص قَصَصِه تَقُوْل  الْمِرْأاة لعشِيقِهَا : لَقَد جِئْتُك مِن الْجَنُوب الْنَّحْس  .فَجَرَّدَنِي مِن كُل مَلَابِسِي لاتّخَلّص مِنْه .!
بَيْن جَامُوْسَة الْمُعَيْدِي وَالْعَاشِقَة الْجَنُوْبِيَّة  الطُلِيَانِيّة فِي قِصَّة كَالِفينْو مَسَافَة بَيْن اخْتِلَاف  الْامْكِنَة .لِان جَنُوْبِنَا لَم يُجَرَّد مَلَابِسِه إِلَا بِقَدَرِيَّة الْاجْبَار عِنَدَمّا يَأْتِي الْغَازِي وَالْمُحْتَل وَلَكِنَّه يُبْقِي  شَيْئا مِن الْسِتِّر عَلَيْه .وَفِي هَذَا الْبَاقِي يُقَاوِم وَيَصْنَع الْامَل وَالاغْنِيّة وَالْحِلْم …!
ادْرَكْت فِي كَلَام الْشَّيْخ :ان الْمَعَدَّان يُدْرِكُوْن فِي  الْمَكَان وَقَسْوَتُه مَسَاحَة الْامَل .وَهُم يتَفَائِلُون مَا دَام  ضَرْع الْجَامّوَسة مُمْتَلِئَا ، وَلَيْس هُنَاك نَحْس فِي حَيَاتِهِم  مَادُمْت الْشَّذْرَة الزَّرْقَاء مُعَلَّقَة عَلَى مُقَدِّمَة فَرْوَة  شِعْر اطْفَالَهُم ..يَبْعُدُون فِيْهَا عَطِش الْسَّمَاء وَعِنَاد الْجَوَامِيس وَلَدَغ الْبَعُوض وَالْأَقْدَام الْغَرِيْبَة .! لِهَذَا لَم تَكُن الْشَّاحِنَة الارْهابِيّة نِتَاج نَحْس جَنُوْبِي  عِرَاقِي ،فَرُبَّمَا هِي نِتَاج الْنَّحْس الطُلِيَانِي الَّذِي جَاء  بِبَدَّلْتِه الْمُرَقَّطَة لِيُحَرِّرُنَا مِن قَدَرِيَّة الْبُؤْس  وَلَيْس قَدَرِيَّة الْنَّحْس .الْفِرَق بَيْن الْبُؤْس وَالْنَّحْس .ان  الْبُؤْس يُمْكِن ان تُزِيْلُه بِضَحِكَة وَقَرْص رَغِيْف .وَلَكِن  الْنَّحْس اذَا لَازَمْك لَن يُغَادِر مَع اطُنَانَا مِن السَّعَادَات وَالْخُبْز وَالسُمْفُونِّيَات..!