تعترف امريكا رسميآ من خلال رعاية مكتب المراجعة الدفاعية الربعي التابع للجيش الأمريكي بكل محتويات الدراسة التي اعدها الكاتبين ديفيد س . غومبرت , هانس بيننديك ونشرتها مؤسسة Rand , بل وسمحت لهذه الدراسة الشيطانية التي تضع كل الشعوب ضحية لمخططات عدائية لاتمت للإنسانية بأي صلة , ان يتم تداولها بين افراد قواتها المسلحة كونها أعدت لفائدة الجيش الأمريكي كدراسة استراتيجية تطرح في آرائها البديل الناجع عن استخدام القوة العسكرية في منازعاتها الدولية بفلسفة اعلى بدرجات من الفلسفة النازية والفاشية والصهيونية .
والبديل الناعم الذي تتباهى به , بل وتعظمه لتحقيق مصالحها الأمبريالية هو الحصار أو الحظر الإقتصادي الذي صمم لبناء امريكا بطريقة اخرى غير الحروب , وهو بمثابة أخطبوط بأذرع ارغامية متعددة , محبطة لتطور الشعوب في كافة الجوانب الإقتصادية والإجتماعية فضلآ عن احباط تطور حركات التحرر والمقاومة الشعبية والقوى السياسية التي تقف بالضد من سياسة أمريكا التي بدورها تقف بالضد مع تطلعات تلك الحركات .
ولا غرابة ان لاتدعو الأمم المتحدة منذ التأسيس , وهي منظمة دولية حيادية تقف لمناصرة الشعوب التي تسعى الى الحرية والرقي والإزدهار , لإصدار قرار أممي بتحريم أستخدام هذا الأخطبوط الجبان الذي يقاتل الشعوب عن بعد بأذرعه المبرمجة باوامر رذيلة وبقواعد اشتباك مفتوحة وغير نبيلة , كأداة جديدة انجبته السياسة الأمريكية المناوئة للشعوب الطامحة للسيادة والإستقلال ليحل محل اشعال الحروب التي تتطلب التضحية بالمقاتلين والآلة العسكرية , لما يحققه من دعم إستراتيجي للجيش الأمريكي ,
بينما هذه المنظمة الدولية تدعو في نواحي اخرى وبأعلى اصوات حناجر ممثلي الدول الغربية الخاضعة للسياسة الأمريكية , فضلآ عن مديرها , الى حظر التسليح او امتلاك اسلحة دفاعية او هجومية للدول المعادية لأمريكا وبإيعاز من امريكا نفسها , معتبرة إياها اسلحة موجهة ضدها .
والغرابة الثانية , هي ان الأمم المتحدة نفسها تتناقض مع قوانينها , بل ولا تطبقها حرفيآ لخضوع كافة هيئاتها وممثليها الى سلطة القرار في واشنطن منذ 1945 , لكنها تكتحل احيانآ وتتزيّن بصلاحية البحث عن البديل للقنوات الإقتصادية للدول التي احبط اخطبوط الحصار اعمالها وخاصة في الجوانب الإنسانية المحدودة لكون النفس البشرية المضطلعة بشؤون الأمم المتحدة تطمح الى سعادة الإنسان , ولكن لاتلبث ان يتحطم تنفيذ هذه الطموحات فوق جدار الفيتو الأمريكي المعد لها في كل مرة .
إذآ لكي تستديم المودة بين الإدارات الأميركية المتعاقبة وبين قياداتها العسكرية وترفع عنها خيار شن الحروب على الشعوب هنا وهناك , فقد أقرّت جميع هذه الإدارات إخضاع الشعوب التي لا تمتثل لسياساتها باللجوء الى خيار تفعيل تجربة أخطبوط الحصار بأرجله التي تتوزع عليها العقوبات الإقتصادية التي تعرّي وتجيع تلك الشعوب الضعيفة بالدرجة الأولى ,
والشعوب الأخرى التي تبحث عن حريتها وتطلعها لإمتلاك الوسائل العلمية المتقدمة لخدمة شعوبها شأنها شأن الأمم الأخرى المتطورة بالدرجة الثانية , وبعد ان تخضعها للإنكسار يأتي دور الهيمنة والقبول بإملاءاتها السياسية من خلال اتفاقيات ومعاهدات بماركة فوق الطاولة وماركة تحت الطاولة كما فعلت مع العديد من الدول , وآخر ضحايا ذلك الأخطبوط الجبان هو العراق وسوريا وإيران ولبنان واليمن .
وهنا يتحتم أن نسأل الأمم المتحدة : الم يتناقض قرار فرض الحصار الإقتصادي في كل مرة بشكل فردي من دولة تدعي احترامها لحكم الأغلبية وحق تقرير المصير للشعوب مع المادة 55 الفقرة (1) من الفصل التاسع من ميثاق الأمم المتحدة ؟ الذي ينص على ” تحقيق مستوى اعلى للمعيشة وتوفير اسباب الإستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الإقتصادي والإجتماعي ”
هذا الاخطبوط المرتبط كقرين سيء لمقرون أسوأ لسياسة اللاعنف أو الحرب الناعمة , والمرتبط بحبل سري مع إستراتيجية القوة الارغامية الصلبة التي لم تعد أمريكا ان تتعايش معها بعد الحرب العالمية الثانية كونها تجمع الشجاعة في مجابهة الموت , بينما المقاتل الأمريكي تجمعه إطالة النظر الى نفسه مع المرآة بمعداته الحربية وهذا الأمر لايُحبِل كما تراها العرب , فالشجاعة إذآ عنصر مفقود أو يكاد , وهذا بيت القصيد من وراء ذلك الأخطبوط الجبان .
بهذا الأخطبوط المهدد والقوة العسكرية تتصور الولايات المتحدة الأمريكية أن مصالحها ستصبح ذات درجة عالية من الأمن مع انها تقر بجبن هذا الأخطبوط السيء الخلق كقدرة ارغام ناعمة امام الصين مثلآ لأسباب عديدة لايتسع لها المقال , مع انها اطلقت اخطبوطها على روسيا وبيلاروسيا في الآونة الأخيرة بعد احتلالها لشبه جزيرة القرم معتبرة ان هاتين الدولتين دولآ لاتقارن من حيث القوة الإقتصادية مع تنين الإقتصاد الصيني العملاق .
لكن اذا كانت امريكا وقد جرت على عادة فرض اخطبوط الحصار الجبان على الشعوب فما هو موقف الشعوب على المدى البعيد وهي محبوسة بهذه العادة التي جرت عليها امريكا ؟ وما الذي يدور في سرائر الحكام السائرين مع الركب الأمريكي , الخاضعين لها بلا حصار وابصارهم لاتنفك من النظر طمعآ الى ثروات الشعوب الضعيفة القريبة والبعيدة منها ؟ هل هم بجدٍ يمتثلون الى قول احدهم : إذا محلت ارضك فأطمع ؟!
نجيب عن موقف الشعوب المحبوسة وإيران إنموذجآ , انها اعادت النظر بمفاهيمها الاقتصادية وبحثت عن افاق جديدة حررتها من ذلك الحبس , وهذا ماحدث مع ايران الذي وقف الاخطبوط الامريكي عاجزآ امام انجازاتها الواضحة في تعدد صناعتها العسكرية وتكنولوجيا الفضاء .
أما الأنموذج الأفغاني فقد تحدث الأمريكا انفسهم عن فداحة الخسائر العسكرية وقبح الهزيمة المنكرة التي حلت بالأخطبوط وهو يولي الأدبار بعد عشرين عامآ قضاها محصورآ وعلى غير هدى خلف ظلال الجبال الشاهقة , عابثآ بلا جدوى يقدمها الى منجبيه .
اما للخاضعين لأمريكا بلا حصار , نقول لهم : ارتضيتم ان تكونوا جبناء امام الشيطان الأمريكي وقوته العسكرية وأن تشمتون بالشعوب المهددة بالأخطبوط الجبان وبأخرى ترزح تحت جرائمه , وكنتم في صولاتكم وجولاتكم بين عميل ومتطبع مع الصهاينة , ولص وجاسوس وقد سلمتم بأيديكم اوطانهم وكبرياء شعوبهم وانتم جاثمين خانعين الى الذين اذمهم الله واهلك اسلافهم من قبل , لأنكم لا شك من عرق أمريكا وبني صهيون بالخلق الرذيل وقوام الهوام , ظالمين النفس التي حرمها خالقها , لاتطهركم سحاب المزن وانتم موتى منتحرين ,
ولا مصير لكم غير الذي جرى على شاه ايران بعدما كان شرطيآ على ابائكم , يقدمون له السمع والطاعة ويقبّلون اياديه ومعهم انتم الذين ورثتموهم , ولكن تريّثوا فبعد ان تمحل اوطانكم وتجف نساءكم , لن تبشروا بالخير ولا بالرفاء ولا بالبنين ابدا جزاء خيانتكم وشر أعمالكم التي اختتمتموها بأبصاركم الوقحة , الطامعة التي لاتشبع .
فيا للألم الذي اوقعتموه في قلوب الشعوب التي سرقت اوطانها من قبل امريكا في وضح النهار , ويا سوءة من يمتلك المال ويعيش بالديار الموصوفة بالعز والجمال وهم ينقلبون على الله ويجرون جري الكلاب مع حكامهم ورائها وهم يعلمون ان عين الله ترى وتعيب مافعلوه من تفرقة ومن فساد عيش نشروه بين الشعوب .