من سوء حظ العراقيين أن تكون إشراقة للشمس على أرضهم، يكتب الحرف وتعلم العلوم والمماليك، ومن الأسوء أن يكون البلد الأقدم حضارة أكثر الشعوب تأخراً في مختلف المستويات، ومن المخجل جداً أن تغطي الأتربة كتبنا على الرفوف ويجلس علمائنا في البيوت، يُقتبس علمُنا وطاقاتنا: علمائنا وأطبائنا تحتضنهم بقية الشعوب،نستورد الهنود والبنغلادش والطماطة والخضروات وأبنائنا عاطلون، ومن المخزي أن نصدر العلوم ويصدر لنا الإرهاب والدمار والسموم.
من سوء الحظ إننا وجدنا أنفسنا في العراق، لاذنب لنا سوى إننا ولدنا هنا وأحببنا ارضنا، نريد العيش بسلام .
الأقدار جعلت من بغداد عاصمة للعراق، ومن سوء حظنا ان نكون تحت سطوة خطط بالية، تحيطنا أطواق أمنية وحواجز وأكوام نفايات، نحمل الأرواح على الأكف وأكفاننا تراب موطننا، ننتظر متى يأذن الجلاد، تحت الأرض أسرار نكباتنا، تحتضن أجسادنا بشكل جماعي، تنظر كل يوم قوافل القادمين، وأنفعال الطائشون العابرون الى مجد موهوم على جماجم الأبرياء. الجغرافية جعلتنا وسط بحر المتلذذين بالدماء، والتاريخ حكم علينا ان يتبادل الجلادون علينا بسياط أحدها أشد من الاخر، محكومون بالإعدام نسير ولا نعلم الى أين النهاية.
قدّرَ الحكام علينا أن يسير القاتل متبختراً على مدّ قامته، ونحن بين ركام ضحايانا، نلوذ بين جدران الحكومة العاجزة عن حماية نفسها، نضرب أخماس بأسداس وجزء ما يجري يتحمل معظمنا شيء من الذنب، حينما صدق شرف إصبعه البنفسجي الوعود والشعارات، سمح لنفسه ان يكون سلم يتسلق عليه الفاسدون. من يهتزّون حينما نتكلم عن سرقة أموال المساكين ولا تتحرك ضمائرهم المنغمسة في نهب أموال الأيتام والأرامل وأطفال العشوائيات و منع فرص الشباب.
حملات يومية ومداهمات ومناطق محاصرة بالحواجز الكونكريتية، نتهم بالتقصير وعدم التعاون مع القوات الأمنية، لا أحد يريدنا ان نرصد حالات الفساد والسيطرات التي لا تمنع سوى الذاهبين الى ارزاقهم، وكل شيء يشترى ويباع؛ مناصب الحكومة وحياتنا، نحاصر بين جدران أعلى من جدران سجون الرفاهية ذات الخمسة نجوم توفر منظومة إتصالات وأسلحة حديثة. تدفن قضايانا مثل جثثنا وتنسى، تاركة خلفها أطفال يأنون من شغف العيش وسوء التقدير ونكران دماء ابائهم.
نعيش تضارب التصريحات وكم قصة ذهبت مع خروج المجرمين المتكرر مرة بأتِفاق المصالح السياسية وأخرى هروب وتهريب. لا عاقل يصدق مايجري، وكيف تتصرف حكومة تعيش دوامة هم أبدية السلطة والتسلط والسطو العلني على المال العام!!
مايجري في العراق تمثيلية أبطالها قادة يرتدون أجمل الملابس و ويحملون أحقر العقول، متنكرين للمباديء والجميل والتضحيات.
المشهدالمأساوي يتكرر كل يوم، يستبيح الدماء فساد أخطر من الإرهاب، هروب واضح من الحقيقة بدد الشعارات، وإذا كان هروب سجناء تكريت وأبو غريب كما يقال بحواضن الإرهاب، ويأخذ البريء بجريرة المجرم، وتتهم القوى الأخرى بالتواطيء. سجن العدالة ليس بعيد عن المنطقة المحصنة الخضراء، وعن مومسات ابو نؤاس ومشارب أرصفة الشوارع، إعتاد حراس بوابات الوطن التكسع على أبوابها وعقد صفقات بيع شعب وتاريخ وحضارة هذا الوطن.