مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار ؛ أسس مدينة الرمادي والي بغداد مدحت باشا الذي حكم بين عامي 1869 و1872، وأصبحت بعد ذلك مدينة يرتادها المسافرون ليتزوّدوا بالطعام.
في عام 1932سُكِنتْ بشكل فعلي ، وتم إنشاء طرق مواصلات تمر بالمدينة ، مما أدى إلى نهضتها العمرانية بعد أن انتشرت فيها المساكن.
كلمة أنبار كلمة فارسية تعني المخزن. أسماها المناذرة الأنبار لأنها كانت مخزناً للعدد الحربية أو لأنها كانت مخزناً للحنطة والشعير والتبن. تعد من أهم المدن في فترة الاحتلال الساساني على العراق ، لأنها ذات مركز حربي مهم لحماية العاصمة المدائن من هجمات الروم . ومن بين القبائل العربية التي سكنتها الدليم ، والمناذرة ، وعنزة ، و كبيسة ، كما يوجد بها مجموعة من الأكراد . كانت تعرف المحافظة باسم لواء الديلم قبل عام 1961.
وبين الرمادي والفلوجة يقع مطار “سن الذبان” الذي أسسه البريطانيون عام 1935 ، في غرب الفرات ، بالقرب من الحبانية وقد كان معسكراً تنقل إليه القوات الجوية البريطانية من المعسكرات الأخرى. سكن الجيش العراقي المدينة منذ عام 1955، بعد أن ألغيت معاهدة 30حزيران 1935.. والتي تنص على أن تقوم بريطانيا بإنشاء قاعدتين جويتين في الرمادي والشعيبة . وفي نيسان/أبريل عام 1956 فتحت أقنية مائية لبحيرة الحبانية.
وللأنبار حدود جغرافية طويلة تمتد من سوريا شمالاً مروراً بالأردن حتى السعودية جنوباً ، وتعتبر من أكبر محافظات العراق مساحة ،حيث تشكل ما يعادل ثلث مساحة العراق. تبلغ مساحتها 138،500 كم مربع، ويبلغ إجمالي عدد سكانها مليون و900 ألف نسمة وفقاً لإحصائية 2013.
خلال أحداث 1991كانت الرمادي بعيدة عن الأحداث ، وقد سخّر صدام حسين جيشه المعزز بأفراد من الحرس الجمهوري .. معظمهم إن لم يكونوا جميعاً من أهالي محافظة الرمادي، بسبب اطمئنانه لهم في عملياته العسكرية التي أعقبت انسحاب قوات التحالف عن العراق إبان غزوه للجارة الكويت ، وذلك لقمع انتفاضة الجنوب الشعبانية الشعبية في آذار من العام نفسه،الأمر الذي جعل صدام حسين يدرجها ضمن المحافظات البيضاء .. كديالى وصلاح الدين اللتان لم تثرا عليه وتتمردا خلال تلك الظروف .
خلال أحداث عام 2003 ؛ لم تبادر محافظة الأنبار بأيّة مقاومة جهادية ضد قوات الغزو الأجنبي على العراق ، وبقيت شبه متفرّجة على الأرتال العسكرية والإنزالات الجوية المتعاقبة والمتواترة على ذلك الغزو، شأنها شأن العديد من المحافظات العراقية الأخرى ، وكانت طرقها آمنة للحجاج والمسافرين لسنوات 2003و2004و2005بشكل تام .
بعدها؛ كانت مدينة الرمادي تعتبر من المدن التي تشهد مستوى عال من العمليات المسلحة ، ومن أشهر المعارك المسلحة التي جرت في المدينة جرت في منطقة السجارية في بداية الحرب. حاولت القوات الأمريكية على إحكام السيطرة على المدينة بعد قتال عنيف، شهدت مدينة الرمادي معارك ومواجهات ضد القوات الأمريكية استمرت نحو خمس سنين متواصلة. وتوثق أحداث الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار تاريخاً مهماً في مواجهة الاحتلال الأجنبي ، لكنها؛مواجهة جاءت متأخرة في سجل الأحداث، ولعلها حدثت بسبب ردة الفعل الناتجة عن مآل السلطة لغير من كان يتأمله أهل الأنبار .
وكان لأنصار السنّة والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وجيش الفاتحين وعشرات التنظيمات الأخرى الفضل في التصدي لاستمرار تواجد الاحتلال،وكانت الصواريخ وقذائف الهاون تمطر مطراً على القواعد الأمريكية ليلاُ نهاراُ. أستقر الوضع الأمني في الرمادي أواخر عام 2007 م بعد سيطرة الشرطة على المدينة، إلا أنه لازال مشوباً بالقلق الأمني حتى بعد خروج القوات الغازية الأجنبية ، الأمر الذي لا يبرر أنَّ هدف العمليات الجهادية لغاية إخراج المحتل حسب، بل ؛ تهدف إلى أبعد من ذلك ، ربما؛ إسقاط سلطة المالكي، وتدمير سلطة الحكومة الشيعية، والتمهيد إلى مشروع داعش الطائفي الخطير في المنطقة، من خلال التنسيق مع جهات من خارج الوطن، عبر الحدود العراقية السورية والسعودية المباشرة، وهذا ما يجعل المحافظة تدور في فلك القلق الأمني إلى أمد غير منظور ، مالم يعي أهل المحافظة أنفسهم مسؤولية البحث عن الخلاص والنجاة من الأزمة ، والتفرّغ لبناء البلاد وإسعاد العباد وطنياً.. دون إمداد خارجي لا يخدم المصلحة الوطنية .
توصل شيوخ الرمادي إلى اتفاق مع الحكومة العراقية يقتضي بأن تنسحب القوات الأمريكية من القواعد والثكنات العسكرية بالمدينة مقابل إنشاء الشرطة وإعادة أفراد الجيش السابق. تسيطر قوات الشرطة المحلية على المدينة وعلى عموم الأنبار.
في نهاية كانون الأول 2013 أعلن دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي اعتبار الجمعة الأخيرة من ذلك الشهر آخر جمعة تؤدى فيها صلاة في ساحة الاعتصام ، مما حدا بحكومة بغداد إلى أن ترسل قوات عسكرية مكثفة لرفع الخيام بالتنسيق مع رجال العشائر هناك ، وقد تمخضت الأحداث عن تذمر الأهالي ، مما جعل حكومة المركز تضطر إلى سحب قواتها ، مقابل أن يُفض الاعتصام سلمياً ، ويؤول أمر المحافظة إلى الشرطة المحلية حسب الحكومة المحلية ، لكن؛ المشكلة التي فاجأت الجميع في العراق عامة ومحافظة الأنبار خاصة هي؛ مشكلة اختراق ميلشيات داعش ومن يؤازرها للمحافظة واستباحتها أمنياً،مما أدت هذه المفاجأة إلى تغيير الكثير من المواقف السياسية والطائفية لدى الكثير من العراقيين و أهالي الأنبار الواعين ، فسارعت الحكومة المحلية إلى الاستنجاد بحكومة المركز ، طالبة ً إنقاذ المحافظة من جرائم داعش .
والحالة هذه ؛ فما نحن بصدده الآن ، هو عدم وجود مواقف متوازنة ومنسجمة لدى المحافظات العراقية إزاء ما تتعرض له البلاد والعباد من أزمات وويلات محلية كانت أم خارجية . ما لاحظناه من مواقف مشرفة للسيد مقتدى الصدر إزاء أحداث الفلوجة مع قوات الغزو الأمريكي كان رائعاً .. مواقف الأصوات المتعالية من بعض شيوخ عشائر الأنبار إزاء ما يعانيه العراقيون من مظالم هنا وهناك دون هامش طائفي كان جميلاً أيضاً ، لكن هذه الأصوات سرعان ما تتذبذب وتضمحل دون تنسيق وطني شامل ، على المستويين العشائري والسياسي ، مما يجعل المشاكل مستمرة بين حكومة المركز والحكومات المحلية من جهة ، وبين حكومة المركز والعشائر العراقية من جهة ثانية ، كما يجعل بلادنا عرضه للغزو المبطن بالمعاني الطائفية ذات الأجندات السياسية المغرضة، التي لا تنفع الوطن وعمّاره الشرعيين.
عليه ؛ فالعراق بالأمس واليوم وغداً ؛ بحاجة إلى ما يلي :
أولاً : تشكيل مجلس سياسي ـ أمني وطني يعنى بشؤون المحافظات العراقية كافة ، تتولاه قيادات وطنية سياسية تنتقى من البرلمان العراقي ، يأخذ على عاتقه تفسير وتبرير كافة الأنشطة السياسية التي تجري في المحافظات، والسماح باستمرار الصالح منها ، وقمع الفساد السياسي ـ الأمني الغير مبرر فيها ، وذلك لأجل حماية البلاد والعباد كافة من أي خرق داخلي أو خارجي يعتري المحافظة هذه أو تلك، بما يخدم المصلحة الوطنية العليا . يرتبط هكذا مجلس برئاسة الجمهورية ، ويعتبر رئيس الجمهورية رئيسه الفخري .
ثانياً : تشكيل مجلس عشائري وطني ، يضم كافة شيوخ عشائر العراق ، يتولى مسؤولية مراقبة التحركات الفردية والجماعية لأبناء العشيرة المعينة ـ كلاً حسب مسؤوليته العشائرية ـ وذلك ؛ بما يتعلق بإيواء ومساعدة العناصر الغريبة عن الوطن ، ومنع التأثر بهم ، وذلك لغرض وقف ظاهرة التنسيق بين العناصر الإرهابية الوافدة من خارج الحدود والمواطنين العراقيين ، حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا، وأمن المواطنين العراقيين . يرتبط هكذا مجلس برئاسة الجمهورية ، ويعتبر رئيس الجمهورية رئيسه الفخري .
ثالثاً : تشكيل مجلس ديني وطني ، يضم شخصيات دينية من مختلف الأديان والطوائف ، يتولى مسؤولية الإفتاء المشترك في كل ما يتعلق بالمواقف الوطنية ، وتبرير الأعمال التي تبدر من أفراد وجماعات في الوطن أو خارجه أو شجبها، وتحريم كل ما يضر بالصالح الوطني العام ، على أساس (حب الوطن من الإيمان) ، يرتبط هكذا مجلس برئاسة الجمهورية ، ويكون رئيس الجمهورية رئيسه الفخري .
وعوداً إلى بدء ؛ فمحافظة الرمادي تحمل اسماً يوحي بلون لا هو بالأسود ولا هو بالأبيض ، لأن اللون الرمادي فنياً وسياسياً ؛ هو مزيج اللونين أو الموقفين الأبيض والأسود ، ونحن كعراقيين محبين لأهلنا في الأنبار ، لا نتمنى عليها أن تكون بيضاء بعرف صدام حسين ، ولا نتمنى عليها أن تكون سوداء بعرف نوري المالكي ، مثلما لا نتمنى عليها أن تكون بيضاء بعرف داعش .
وأخيراً ؛ ولأنه لا يوجد في الوطنية الشريفة لون اسمه أبيض أسود ، لذا ؛ لا نتمنى على محافظة الأنبار وأهلها الكرام ـ أخواننا ـ أن تبقى الرمادي رمادية المعنى .. سياسياً وأمنياً !!!