روسيا على وشك الهجوم على أوكرانيا ولكن نحن كمسلمين ، ماذا نعرف عن أوكرانيا ؟ إذا أردت أن ترى تاريخ أوكرانيا مُجسداً أمامك صوراً ومقاطع فأنظر إلى ما تفعله الصين اليوم بالإيغور وأسقط كل المشاهد على ما فعلته روسيا باوكرانيا عندما كانت أوكرانيا أرضاً إسلامية تنتشر فيها المساجد والمؤسسات الإسلامية
*- أوكرانيا المُسلمة سنة 1833م قامت القوات الروسية بالاستيلاء على المكتبات الإسلامية وهدمها وحرق الكتب الإسلامية والمصاحف وإبادتها،أما المساجد فأكثر من 900 مسجد تم هدمها و استخدامها في مجالات أخرى وحتى الآن في كثير من قرى القرم توجد معالم لتلك المساجد المهدمة . *- سنة 1876م حرمت السلطات الروسية على المسلمين الحج إلى بيت الله الحرام، وبدأت السلطات الروسية حملات التطهير العرقي والديني لمسلمي القرم حيث قامت السلطات في سنة 1890م بإغلاق المدارس وكافة المؤسسات التعليمية التي انخفض عددها من 1550 إلى 275 مؤسسة تعليمية فقط لإجبار المسلمين على مغادرة موطنهم، ولم تكتف السلطات بما فعلته في المساجد والمدارس بل وصلت يدها إلى مقابر المسلمين والتي تم نبشها والعبث بها، حيث سرقت منها الحجارة لاستخدامها كمواد للبناء . *- في أكتوبر 1917 قامت الثورة الاشتراكية وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام والمسلمين في أوكرانيا. *- في العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي تعرض المسلمون مرة أخرى لحرب شعواء واسعة النطاق ضد الدين والمتدينين على حدود الاتحاد السوفييتي وخاصة ضد مسلمي أوكرانيا والقرم على وجه الخصوص فعلت روسيا كل ما تفعله الصين اليوم وبقسوة متناهية قامت بإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية والمكتبات الدينية والقبض على الزعماء والدعاة الإسلاميين و تعذيبهم في السجون وكانت الدعاية الاعلامية وقتئذ تربط وبصورة مباشرة بين التوجه الإسلامي وعدم الوعي الاشتراكي وأن الإسلام يتصادم مع الثورية الإشتراكية *- استولى النظام الشيوعي الروسي على ( المسجد الكبير ) في مدينة سيمفيروبل وتم تحويله إلى معاصر للزيوت، والمسجد الحجري إلى مبنى لأرشيف سلاح البحر عام 1921م ، ومسجد تينيستاف تم تحويله إلى مخزن للمحاصيل الزراعية و المسجد الرئيسي في مدينة بخشيسراي تم تحويله إلى متحف وما زال ليومنا هذا متحفاً يرتاده السواح ولم يبق في القرم أوأوكرانيا كلها مسجد أو مبنى إسلامي إلا وقد طالته يد النظام السوفيتي بالهدم والمصادرة .
*-في الثلاثينيات والأربعينيات وبدون رحمة تم القضاءعلى ما تبقى من معالم الثقافة الإسلامية بتغيير اللغة و أسلوب الكتابة ومنع التعليم الإسلامي، ومنع استخدام الحروف العربية في الكتابة، وكذلك جمع الكتب الإسلامية من كل المدن والقرى التي يتواجد فيها المسلمون و حرقها كما وتمت إعادة صياغة تاريخ المسلمين هناك ومحو الصبغة الدينية
*- في نهاية الثمانينيات بدأ المسلمون في تجميع صفوفهم والعودة إلى دينهم وأرضهم و أعلنت أوكرانيا استقلالها بعد سقوط الإتحاد السوفييتي و انتهاء الحقبة الشيوعية فبدأ المسلمون في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وعاد المسلمين المُهجرين من القرم إليها وطالبوا باسترداد جميع حقوقهم المسلوبة منهم
*- ولكن في سنة 2014 قامت روزسيا مجدداً بإعادة إحتلال شبه جزيرة القرم تحشد جيشها إلآن على حدود أوكرانيا متوعدة بإجتياحها إن لم تضمن موالاتها لسياستها ولو دخلتها روسيا فسيكون المسلمون هم المستهدفون أولاً لأن الإسلام دائماً هو العدو الأول ( للكافرين )
* { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } *
التوترات بين روسيا وأوكرانيا يسبقها تاريخ يعود إلى العصور الوسطى. فكلا البلدين لديهما جذور في الدولة السلافية الشرقية المسماة “كييف روس”. لذلك، يتحدث الرئيس الروسي اليوم عن “شعب واحد”. أما في الحقيقة، فقد كان مسار هاتين الأمتين عبر التاريخ مختلفاً، ونشأت عنه لغتان و ثقافتان مختلفتان رغم قرابتهما. فبينما تطورت روسيا سياسياً إلى إمبراطورية، لم تنجح أوكرانيا في بناء دولتها. في القرن السابع عشر، أصبحت أراضٍ شاسعة من أوكرانيا الحالية جزءاً من الإمبراطورية الروسية. وبعد سقوط تلك الإمبراطورية عام 1917، استقلت أوكرانيا لفترة وجيزة، إلى أن قامت روسيا السوفييتية باحتلالها عسكرياً مجدداً.
في ديسمبر/ كانون الأول عام 1991، كانت أوكرانيا، بالإضافة إلى روسيا وبيلاروسيا، من بين الجمهوريات التي دقت المسمار الأخير في نعش الإتحاد السوفيتي. غير أن موسكو أرادت الاحتفاظ بنفوذها، عن طريق تأسيس رابطة الدول المستقلة (جي يو إس). كان الكرملين يظن وقتها أن بإمكانه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيص. لكن ذلك لم يحصل. فبينما تمكنت روسيا من بناء تحالف وثيق مع بيلاروسيا، كانت عيون أوكرانيا مسلطة دائماً على الغرب.
هذا أزعج الكرملين، ولكنه لم يصل إلى صراع طوال فترة التسعينيات. آنذاك، كانت موسكو تبدو هادئة، لأن الغرب لم يكن يسعى لدمج أوكرانيا. كما أن الاقتصاد الروسي كانت يعاني، والبلاد كانت مشغولة بالحرب في الشيشان. في عام 1997 اعترفت موسكو رسمياً من خلال ما يسمى بـ”العقد الكبير” بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية.
شهدت موسكو وكييف أول أزمة دبلوماسية كبيرة بينهما في عهد فلاديمير بوتين. ففي خريف عام 2003، بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية. كييف اعتبرت ذلك محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين. ازدادت حدة الصراع، ولم يتم وضع حد له إلا بعد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي والأوكراني. عقب ذلك أوقف بناء السد، لكن الصداقة المعلنة بين البلدين بدأت تظهر تشققات.
أثناء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا عام 2004، دعمت روسيا بشكل كبير المرشح المقرب منها، فيكتور يانوكوفيتش، إلا أن “الثورة البرتقالية” حالت دون فوزه المبني على التزوير، وفاز بدلاً منه السياسي القريب من الغرب، فيكتور يوشتشينكو. خلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن البلاد مرتين، في عامي 2006 و2009. كما قُطعت أيضاً إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا.
وفي عام 2008، حاول الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج دبليو بوش، إدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيري. قوبل ذلك باحتجاج بوتين، وموسكو أعلنت بشكل واضح أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا. فرنسا وألمانيا حالتا دون تنفيذ بوش لخطته. أثناء قمة الناتو في بوخارست تم طرح مسألة عضوية أوكرانيا وجورجيا، ولكن لم يتم تحديد موعد لذلك.
ولأن مسألة الانضمام للناتو لم تنجح بسرعة، حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي. في صيف عام 2013، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاقية، مارست موسكو ضغوطاً اقتصادية هائلة على كييف وضيّقت على الواردات إلى أوكرانيا. على خلفية ذلك، جمّدت حكومة الرئيس الأسبق يانوكوفيتش، الذي فاز بالانتخابات عام 2010، الاتفاقية، وانطلقت بسبب ذلك احتجاجات معارضة للقرار، أدت لفراره إلى روسيا في فبراير/ شباط عام 2014.
استغل الكرملين فراغ السلطة في كييف من أجل ضم القرم في مارس/ آذار عام 2014. كانت هذه علامة فارقة وبداية لحرب غير معلنة. وفي نفس الوقت، بدأت قوات روسية شبه عسكرية في حشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا من أجل انتفاضة. كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوهانسك، يترأسهما روس. أما الحكومة في كييف، فقد انتظرت حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2014، لتطلق عملية عسكرية كبرى أسمتها “حرباً على الإرهاب”.
في يونيو/ حزيران من نفس العام، التقى الرئيس الأوكراني المنتخب للتو، بيترو بوروشينكو، وبوتين لأول مرة بوساطة ألمانية وفرنسية، على هامش الاحتفال بمرور سبعين عاماً على يوم الإنزال على شواطئ نورماندي. خلال ذلك الاجتماع وُلدت ما تسمى بـ”صيغة نورماندي”.
آنذاك، كان بإمكان الجيش الأوكراني دحر الانفصاليين، إلا أنه في نهاية أغسطس/ آب، تدخلت روسيا – بحسب الرواية الأوكرانية – بشكل هائل عسكرياً. موسكو تنكر ذلك. الفرق العسكرية الأوكرانية قرب إيلوفايسك، وهي بلدة تقع شرق دونيتسك، تعرضت للهزيمة. هذه كانت لحظة محورية. لكن الحرب على جبهة موسعة انتهت في سبتمبر/ أيلول بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مينسك.
بعد الاتفاق، تحول الصراع إلى حرب بالوكالة تدور رحاها حتى اليوم. في مطلع عام 2015، شن الانفصاليون هجوماً، زعمت كييف أنه كان مدعوماً بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف، وهو ما نفته موسكو. منيت القوات الأوكرانية بهزيمة ثانية جراء الهجوم، وذلك في مدينة ديبالتسيفي الاستراتيجية، والتي اضطر الجيش الأوكراني للتخلي عنها بشكل أشبه بالهروب. آنذاك – برعاية غربية – تم الاتفاق على “مينسك 2″، وهي اتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.
في خريف عام 2019 كان هناك بصيص أمل، إذ تم إحراز نجاح في سحب جنود من الجهتين المتحاربتين من بعض مناطق المواجهة. لكن منذ قمة النورماندي التي عُقدت في باريس في ديسمبر/ كانون الأول عام 2019، لم تحصل أي لقاءات. بوتين لا يرغب في لقاء شخصي مع الرئيس الأوكراني الحالي، فلودومير زيلينسكي، لأنه – من وجهة نظر موسكو – لا يلتزم باتفاق مينسك. ومنذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2021، يطلب الرئيس الروسي بشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية. لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب.
لابد أن نعود إلى مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي حينما انتهت مجزرة بيسلان بمئات القتلى، فحينها حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن الحادثة ستؤدي إلى تناحر عرقي بين القوميات في شمال القوقاز.
وكان مفهوما ما الذي تخبئه كلمات الرئيس الروسي. وانتظر المراقبون وقوع صدام عرقي في شمال القوقاز بين الشيشان والأوسيت أو صدام ديني بين المسيحيين والمسلمين في الجمهورية التي شهدت المذبحة. ولكن الأسابيع التي تلت أثبتت خلاف ما لمح إليه بوتين.
فقد وقع التناحر بين القوميات في روسيا حقيقة، ولكن ليس في شمال القوقاز بل في أكبر المدن الروسية: موسكو وسان بطرسبرغ ويكاترنبرغ، حيث تمكن المتطرفون الروس منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري من قتل ثلاثة من قوميات آسيوية في أسبوع واحد وذلك بعدما أحرقوا خمسة محال تجارية للقوقازيين في مدينة يكاترنبرغ وسط روسيا.
وبهدوء لا يتناسب مع وحشية الجريمة، تناقلت وسائل الإعلام الروسية كيف قامت مجموعة من الشباب الروس بذبح طالب فيتنامي وتقطيعه إربا إربا، وهو مصير مشابه لما لقيه أوزبكي وصيني على يد نفس الجناة وفي ذات الأسبوع.
وحينما عرضت صحيفة أزفيستيا لحوادث القتل الثلاث عرجت على ما وقع في مارس/ آذار الماضي للطالب السوري الذي دفعه النازيون أسفل عجلات القطار حينما كان يقف مسالما على رصيف المحطة فتحول إلى أشلاء في لحظات.
وقبلها بشهر واحد لم تكن دماء الطفلة الطاجيكية قد جفت حين ذبحها النازيون الروس أمام أعين أبيها الذي سقط مغشيا عليه.
يمكننا أن نسترجع مسلسلا لا ينتهي من مصارع وجروح مئات المهاجرين في روسيا على يد النازيين الذين شحنتهم عنصرية إرهابية لا تثأر لقضية وإنما تحركها كراهية للون بشرة حملها أبرياء جاؤوا للدراسة أو للعمل من دول إسلامية وأفريقية وآسيوية. أما الجناة فما زالوا يعيثون في الأرض فسادا، يتربصون بضحيتهم القادمة.
سكوت السلطة الروسية عن ملاحقة العنصرية يأتي لإحلال التوازن في المجتمع الذي يريد الثأر لمقتل أبنائه
بين الرهبة والإرهاب
من الناحية النظرية يمكن أن تكون النشاطات العنصرية وليدة الخوف من تكاثر الأغراب في الدولة، فيتم مقابلة الخوف بالتخويف وإرهاب الأغراب لترك البلاد. لكن السؤال الآن: ما هي المخاوف التي دفعت بتيار من الحركة القومية الروسية إلى إرهاب الأجانب؟
لعل أكثر الدوافع التي يعول عليها الباحثون هي ظاهرة القوقازوفوبيا، أي الخوف من الأعداد المتزايدة من القوقازيين المتغلغلين في الحياة التجارية بالمدن الكبرى لدرجة أنهم يحتكرون تجارة التجزئة، وهو حضور يتجاوز مدلوله الاقتصادي إلى أبعاده النفسية والاجتماعية حيث يصطدم بهم المرء في كل ركن صغير في المدن الكبرى.
وتقدر صحيفة مسكوفسكي كومساموليتس (يوم 18/10/2004) أن هناك 15 مليون مهاجر بمهارات عمل عالية ومن جنسيات مختلفة تغرق سوق العمل الروسي في قطاعات مختلفة تعميرية وتجارية تتصدرهم الجالية القوقازية.
ويرتبط بالقوقاز وفوبيا ظاهرة أكثر تفصيلا وهي الشيشان وفوبيا. ويقصد بها الخوف من الانتقام الشيشاني سواء بقتل الجنود الروس في أرض الشيشان أو بقتل عشرات المدنيين الروس في المدن الرئيسية.
وهنا قد يصدق البعض فكرة سكوت السلطة الروسية عن ملاحقة العنصرية لإحلال التوازن في المجتمع الذي يريد الثأر لمقتل أبنائه.
وتنضوي الظاهرتان السابقتان تحت رداء أكثر اتساعا مرتبط بالخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا، وذلك في ظل مبالغة مقصودة تشي بتنامي مكانة الإسلام في المجتمع الروسي وتضاعف دوره السياسي.
ولعل واحدة من أكثر المشكلات التي تواجه القوميين المسيحيين في روسيا ذوي التوجهات المتطرفة ما يعلن عن تزايد عدد معتنقي الإسلام من السلافيين.
ففي حديث لموقع BBC الروسية على الإنترنت (15/10/2004) صرح ممثل مجلس الإفتاء الروسي الشيخ نفيع الله عشيروف أن ما بين 2500 و20 ألفا من أصول روسية اعتنقوا الإسلام خلال العام المنصرم فى مدينة موسكو وحدها. ويقدر الموقع الإسلامي الروسي “إسلام.رو” أن نصف هذا العدد من النساء.
وعلى هامش ثلاثية الخوف السابقة تقبع ظاهرة النيغروفوبيا، أي الخوف من تغلغل السود من الأفارقة والآسيويين في المجتمع الروسي وتزايد حالات الزواج والصداقة بينهم وبين الفتيات الروسيات
تنامي الحركات المتطرفة يشكل تهديدًا للأمن القومي الروسي
وهنا تتداخل عوامل اجتماعية كالكبرياء العرقي لدى المتطرفين واستحقار الملونين لتدفع برياح إضافية في أشرعة الحركة العنصرية.
وترتبط أهمية العناصر السابقة بالأزمة الديمغرافية في الدولة، فعدد السكان يتناقص بمعدل يكاد يقترب من المليون نسمة سنويا سواء لأسباب تناقص المواليد (تأخر الزيجات، تفضيل الصداقات على الزواج وتعطيل الإنجاب، عدم الاستقرار الأسري والاجتماعي..إلخ)، أو الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل. وفي المقابل يتدفق على روسيا سنويا عدد لا توجد عنه إحصاءات ولو تقريبية.
ورغم وجود أسس أيدولوجية للتطرف القومي في روسيا، بعضها مرتبط بمبادئ التنظيم العنصري العالمي المعروف باسم “الدم والشرف” (Blood & Honor) فإن ذلك لا يخفي حقيقة هامة بسيطة وهي وجود خواء عقائدي وأخلاقي لم تفلح أية شعارات في ملئه بعد سقوط الشيوعية وبعد الكنيسة، ولا منعه من التغلغل الفعلي في المدرسة أو الجامعة.
يضاف إلى ذلك الخواء ترد اجتماعي يتصدره تفكك أسري وغياب مراقبة، ناهيك عن الفراغ المقترن بالفقر لدى قطاع واسع من الشباب الذي يستهويه تقليد العنف المتلفز والمقروء.
تاريخ روسيا تاريخ اعتماد إن لم نقل استغلال للقوميات الأخرى التي ضمت قسرا إلى حدودها
تطور الظاهرة
من خلال متابعة الظاهرة خلال إقامتي في روسيا حتى نهاية التسعينيات ومراقبة الشؤون الروسية خلال السنوات الماضية، يمكن القول إن العنصرية الروسية مرت بمرحلتين:
المرحلة الأولى (1996-2000)، وفيها ظهرت الحركة العنصرية مموهة تحت حزب قومي روج لنفسه إعلاميا، ثم شبت عن هذا الحزب جماعات عرفت باسم جماعات حليقي الرؤوس أعلنت عن وجودها بمظهر مميز (سترات جلدية سوداء، رأس حليق، التسلح بالمدى والعصي، السير في مجموعات صاخبة) وبشعارات تصل إلى كل مكان تعلن “روسيا للروس فقط”.
ثم تطور النشاط إلى إرسال خطابات تهديد بالقتل إلى نزل الطلاب ومساكن المهاجرين، ثم التحرش بالغرباء في الطرقات والجامعات والاعتداء عليهم بالسب، لتنتهي هذه المرحلة باعتماد الاعتداء الجسدي أسلوبا لترجمة الأفكار العنصرية.
المرحلة الثانية (2000-2004)، وفيها تأكد المتطرفون من غض السلطات الروسية الطرف عن نشاطهم فقويت قلوبهم وانتقلوا إلى مستوى قتل الضحايا وحرق أسواق الأجانب التجارية ونبش قبور المسلمين وحرق بعض مساجدهم.
وهكذا تمكن الفاشيون الجدد خلال هذه الفترة من قتل ما يزيد عن 100 شخص وجرح نحو ألف آخرين. وفي هذه المرحلة تكاثر عدد أفراد الجماعات الفاشية من أقل من 10 آلاف إلى 50 ألفا (جاء الرقم الأخير على لسان السفير الأميركي في موسكو أثناء نقده لتنامي العنف على أسس عرقية في روسيا).
كما توسعت الرقعة الجغرافية للمناطق التي ينتشر فيها الفاشيون الروس من أومسك في سيبيريا شرقا إلى كالينغراد في أقصى الغرب، لتمثل بهذا أكبر مساحة جغرافية ترتع فيها العنصرية في العالم.
وتطورت الأهداف من الأفراد إلى نزل الطلاب، فتمكن العنصريون –حسب شهادات الناجين- من إضرام النار في 250 طالبا مغتربا سقطوا بين قتيل وجريح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 في حادث أعلنت السلطة الرسمية أنه تم بتماس كهربائي ولا علاقة له بالنشاط العنصري.
القومية وتفكيك الدولة الروسية
من لم يقرأ روائع دستيوفسكي عن دقائق حياة المجتمع الروسي في القرن التاسع عشر ربما يعرف مقولته المعبرة عن التعددية الثقافية في روسيا بقوله إن هذا البلد دوما يبدو أوروبيا للآسيويين وآسيويا للأوروبيين.
ويمثل الشعار الرسمي للدولة الروسية بعد سقوط السوفياتية طائرا له رأسان يرنو بأحدهما نحو الشرق ويتطلع بالآخر نحو الغرب، في دلالة بليغة على قبول التعدد في دولة أوروآسيوية تحتضن أكثر من مائة عرق وتعيش بين جوانحها عشرات الألسنة والمعتقدات.
أما اليوم فالصورة جد مختلفة، إذ تفيد استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات صحفية وأكاديمية (كمؤسسة “الرأي العام” الروسي) ارتفاع نسبة الشباب المتعاطفين مع الحركة العنصرية إلى 37%، وأن 16% من الشباب الروس مستعد للمشاركة في حركة الفاشية الجديدة سواء بمقابل مادي أو اقتناعا بأيدولوجيتها.
ويجب ألا يغيب عنا ما تمثله القدوة السياسية لهؤلاء الشباب من أهمية كبرى، فأثناء حملته الانتخابية للرئاسة منافسا لبوتين في مارس/ آذار الماضي صرح نيقولاي خريتانوف بأن موسكو “يجب أن تطهر من الأغراب”.
أما البرلماني الشهير جيرونيفسكي صاحب التوجهات القومية فحينما سئل في برنامج حواري على قناة RTR في الصيف الماضي عن التعددية الثقافية في روسيا والتي أفرزت شعراء عظاما مثل بوشكين، أجاب “ومن بوشكين هذا؟ ذلك الأسود الذي لا نعرف من أين جاء إلى روسيا!”.
كما أن الرئيس الروسي لم يعد يوجه في خطبه للشعب الروسي أي نقد للجماعات العنصرية، وهو الذي أعلن في أبريل/ نيسان 2002 أن “تنامي الحركات المتطرفة يشكل تهديدا للأمن القومي الروسي، وأن المشتركين في إشعال العنف في البلاد وضرب وقتل الأجانب سينالون عقاباً كذلك الذي يناله أعضاء الجرائم المنظمة”.
شعار “روسيا للروس فقط” هو الفرصة التي تنتظرها عشرات القوميات للاستقلال عن دولة تنتشر بها إرهاصات التفسخ وتعلق في سمائها سحب الحرب الأهلية
وإذا أضفنا إلى ما سبق تقاعس الشرطة عن ملاحقة هذه الجماعات وإطلاق يدها فيما تقوم به من أعمال إجرامية، فلن نستغرب عندئذٍ جواب زعيم الحركة العنصرية في مدينة يجينفسك (وسط روسيا) على سؤال صحيفة أزفيستيا واسعة الانتشار عن موقفه من حادثة ذبح الطفلة الطاجيكية في سان بطرسبرغ، حين قال “وما الغريب في هذا؟! السؤال هو: ماذا يفعل الطاجيك على أرضنا؟”.
وفي النهاية لا يمكن إلا أن نقرر أنه رغم الذروة التي وصلتها الحركة العنصرية الروسية الآن فإنه مكتوب عليها الفشل في المستقبل المنظور، فما ينادي به القوميون من جعل روسيا للروس فقط هو مطلب يغالط مسار تاريخ روسيا وجغرافيتها في آن واحد.
فتاريخ روسيا تاريخ اعتماد إن لم نقل استغلال للقوميات الأخرى التي ضمت قسرا إلى حدودها، وجل الثروات النفطية والمعدنية التي تعتمد عليها روسيا الآن هي لدى قوميات غير سلافية.
كما أن أهم المواقع الإستراتيجية لروسيا تقع في جمهوريات لا تسكنها أغلبية روسيا والقوقاز الشمالي والشرق الأقصى على الحدود الصينية واليابانية ومناطق الحدود مع فنلندا..إلخ).
إن شعار “روسيا للروس فقط” هو الفرصة التي تنتظرها عشرات القوميات للاستقلال عن دولة تنتشر بها إرهاصات التفسخ وتعلق في سمائها سحب الحرب الأهلية.