خاص: إعداد- سماح عادل
من أين يأتي الهوس الذي ينتاب قارئ ما نحو كاتب ما، حين ينتهي من قراءة نص له؟، هل هو هوس بشهرة هذا الكاتب، هل هو محاولة للتماهي مع ذاته، أم محاولة لامتلاك ذات الكاتب، هل يلعب الخيال بالقارئ فيغريه بتبادل الأدوار بينه وبين الكاتب الذي أعجبه. أم هو حاجة عاطفية بحتة، لقارئ يشعر بفراغ عاطفي فيحاول إشباعه، وإسقاط مشاعره على كاتبة تمثل في عينيه نموذج للأنثى الذي يشتهيها، أو العكس.
هل هذا الهوس مرتبط بسن المراهقة والشباب، ذلك الوقت الذي نحاول فيه تكوين مفردات ذواتنا، ونبحث عن من يساعدنا على ذلك أو نتشبه به، كلها أسئلة تدور في أذهاننا وسنحاول معا تفسيرها.
هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:
- ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
- ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
- كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
- هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟
الرغبة في امتلاك ذات الكاتب..
يقول الشاعر والكاتب اليمني “محمد الشمري”: “نعم تعرضت لأكثر من حالة، بداية كنت أعتقد أن صغيرات السن هن من يعشن هذا الهوس، وكنت أتعامل معهن بلطف، دون صد جارح، وأركز على توضيح أهمية المشاعر الجميلة والتمتع بها، لكن مع التفريق بين الإعجاب بالكتابة والوقوع تحت تأثيرها، وبين الإعجاب بشخصية الكاتب، ومع مرور الوقت أتمكن من الخلاص والوصول لنتيجة إيجابية مريحة لي ولهن. الأمر هنا لا يعني ملائكيتي مطلقا، لكن لأني لا أجد أي ميل نحو صغيرات السن، بعيدا عن كوني أكبر منهن، لكن لا أجد أدنى لذة حتى في مجرد الحديث المهووسِ، ولو أني كذلك لا أحب لقب “عمو” ههههههه.
الأمر كما قلت ليس مقصورا على الصغيرات كما كنت أعتقد، هناك من الراشدات بل والكبيرات، وهنا يكون تعاملي مختلفا، أسعى جاهدا لتحويله إلى مربع الهوس بجمال الكتابة وبأن هذا يدل على حساسية مفرطة في الذوق الجمالي لديهن، بالتأكيد أفشل أحيانا، وقد أضطر للمسايرة قليلا حتى نصل معا للحظة الواعية، ونتحول لأصدقاء”.
وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما يقول: “هذا النوع من الهوس، يمكن تقسيمه إلى هوس بشهرة الكاتب، هوس من نوع التماهي بأسلوب الكاتب وهوس من نوع الرغبة في امتلاك ذات الكاتب، ربما يلعب التخييل عاملا مهما في هذا الهوس، حيث يتيح مساحة واسعة مريحة، لبناء علاقة متحررة من الحاجة للتفسير والتبرير، بل إنه يمنح العلاقة عامل الجذب المفقود في العلاقة الواقعية، الأمر هنا ينطبق على الرجال والنساء”.
وعن مروره بهذا النوع من الهوس كقارئ يقول: “الغريب هنا، أني لم أجد هوسا نحو كبار الكتاب وعظمائهم، رغم دهشتي اللانهائية بكتاباتهم، وأحيانا بشخصياتهم، خصوصا أولئك الذي في حياتهم تناقضات ملهمة كاشفة ومثيرة، ووجدت اندفاعا لم يصل حد الهوس نحو كاتبات في الواقع الافتراضي، ربما بسبب كسرهن للصورة النمطية التي وضعتها للكاتبات، في ظل وضع اجتماعي يحاصر الرجال قبل النساء، لكنهن كسرن التابوهات، وللأمانة سعيت للتعرف عليهن والاقتراب من شخوصهن، لكبح جماح الفضول لا أكثر، أحيانا نقترب لدرجة معينة، لكنه اقتراب فضولي، ربما للتأكد من صدق كتاباتهن ههههه”.
وعن كون هذا الهوس يعني أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته يقول: “سأجيب عن هذا السؤال من واقع كتاباتي، إذ لا أستطيع الحكم على الآخرين أو التعميم.
معظم كتاباتي إن لم تكن كلها ذاتية التجربة، وفيها الكثير مني، حتى تلك التي تبدو ساذجة! هناك نصوص وقصص نسبة الخيال فيها عالية، لكن روحها تشبهني كثيرا، لذلك اعتبرني مفضوحا، مهما ادعيت أو حاولت لبس طاقية الإخفاء اللغوية، من هنا يجد بعض القراء فسحة أو شرخا للتسلل إلى زاويا عميقة في بيت شخصيتي، لكني عنيد، وصعب عصي على التملك”.
كنس خراب روحي..
ويقول الكاتب السوري “أنس الغوري”: “أنا لست بكاتب، وما أكتبه هو ما أعيشه. الكتابة بالنسبة لي هي كنس خراب روحي. لا أحفل ولا أراقب وأنتظر من خارج ذاتي شيء، لذا أنا أجهل كل ما يتعلق بعوالم الكتابة. بيد أن ما أكتبه كله ضمن دائرة (الذات) كما أسلفت.
لم اتعرض لمثل هذا الهوس أبداً، ولا أعلم ما هي الأسباب!، ربما لأن حرفي فقير ومشوه ولا يتجاوز “الأنا”! كل ما كتبته لا يتجاوز عن عمل يتيم حوته دفتين، وهو نوفيلا، نصوص ومقالات ببعض الصحف.
كنت أعري ذاتي وحوادث أيامي من مبدأ المواجهة، أي حتى أتجاوزها لابد من أن أصطدم بها حتى أتجاوزها. أيضاً، حتى يدرك الآخرون كم الألم المصحوب من فعلٍ ما مشابه، وبذلك ربما يجنبوه الآخرون الموجودين ضمن دائرة عيشهم”.
ويضيف: “أحببت بعض الكتاب والكاتبات من خلال أعمالهم، كنت ومازلت بقراءاتي أبحث بعين مجهرية عن البعد الإنساني بالعمل، كذلك السيكولوجي. أحاول أن أجد الدافع والواعز الباعث على الحرف الذي يُحفر بالذاكرة، وكان للقلب بمثابة ترياق.
لأنني كائن فضولي ومسكون بالقلق والهاجس الإنساني والوجودي، أسعى سعياً محموم أشبه بالتحقيقي لمحاولة رؤية ترجمة الحرف على السلوك للكتّاب المعاصرين وأن لا تكون حروفهم مطلية بألوان قوس قزح!”.
ويواصل: ما يبعث على الطمأنينة أنه في كتّابنا المعاصرون من هم خير مثال للرسالة الإنسانية السامية، وهم كثر. أذكر منهم على سبيل الاحتفاء: “حبيب عبد الرب سروري، نتالي الخوري غريب، مها حسن، عيسى مخلوف، محمد خضير، يوسف وقاص، هاني نديم، أحمد الويزي”، وأسماء أخرى ما أظن تسعفني بها هذه المساحة!
وعن من رحلوا، كنت لا أكتفي بقراءة أعمالهم، بل أسعى للسير والمقالات، ما كُتب عنهم، ومن خلال كل هذا أسعى للترجمة وقراءة ما خلف الحرف والنظر بإمعان ما تحت اللحاء”.
الكاتب إنسان سوبر..
ويقول القاص والروائي السوداني “محمد خير عبد الله”: “بالنسبة لي الكتابة جاءتني. لمَ أسعى لها كنت موظف وتم رفدي وصرت عاطل وأصحابي معظمهم كتاب، لذا لم أكن مغرما لمعرفة الكتاب. حتى حياتي الخاصة لا أحد يعلم تفاصيلها، وحين نشرت بعض الكتب ظللت اسمع أشياء عن تفاصيل حياتي غريبة بعض الشيء، وصارت لي خطوات كثيرة عند البعض.
وأنا لا أضع صورتي على كتبي ولا سيرتي، وأحيانا حين أقابل أحد معارفي ويناديني باسمي ويكون قربه شخص قرأ لي أرى إندهاش. مثلا ذات مرة ناداني شخص وقربه فتاة اندهشت وصارت تصيح باسمي. كانت فرحه جدا اتصلت بوالدها أخبرته أنها قابلتني، وهذا حدث لي كثيرا. ومن المضحك أن اتصلت بي فتاة تقول لي: “أنا ضعيفة أمام الكتاب وأنا أحبك ياليتك تقابلني”. ولأن الناس يظنون أنك تكتب عن حياتك وهذا ليس حقيقي لأنك ممكن تكون عكس َما تكتب ولكن يوجد هوس بالكتاب”.
ويضيف: “تخيلي أنا أسمع قصص كثيرة عن حياتي وكل قصة عندها معجبين، يبدو أن القاري في ذهنه أن الكاتب إنسان غير طبيعي، إنسان سوبر، وبعض الكتاب لهم دور في رسم هذه الصورة عند القارئ”.
الإعجاب بأسلوب وإحساس الكاتب..
ويقول الراوئي الكردي العراقي “أريان صابر الداوودي”: “الكاتب هو إنسان، يحمل الغرائز والعواطف في أعماقه، بل هو أشد الناس إحساساً.
اسم الكاتب منتشر بين القراء، وبالتأكيد اليوم وبوجود وسائل التواصل أصبح الكاتب متاحا للجميع وبالأخص قرائه، فهو رهين الرد على الرسائل وبالتأكيد بعضهن يتقربن من خلال تلك الرسائل من الكاتب، وأنا شخصياً حدث معي هذا الأمر، لكن الكاتب أدرى بالعلاقات بعيداً عن نسبة ثقافة الطرف الآخر، ربما نقبل أحداهن لتكون صديقة في عالم التواصل ولكن… أتعجب من الدخول إلى الحب بعد المراسلة الأولى”.
ويواصل: “بعض القراء ومن الجنسين، يشعرون بأن الكاتب في كتاب ما، في نص ما، كتب شيء يخصهم، شي وكأنما يتحدث عنهم، لذا يتقربون من الكاتب لقراءة المزيد من كتاباته، ولا نستطيع أن نجزم أن كل شخص يرسل أو يطلب الإضافة أنه وقع في حبنا”.
وعن هوسه كقارئ يقول: “أنا يعجبني أن أكون قريباً من كل زميل يحمل القلم، لا يهمني جنس المقابل فأنا يهمني النص الذي يرفعني إلى السماء، ولا أجد منطقاً للتعرف على أحدهم والتقرب من خصوصياته لغاية في قلبنا”.
ويؤكد: “في الكاتبة السرية، الفرق شاسع بين الراوي والقاص، الراوي والروائي، النص المكتوب أمام القارئ ليس شرطاً أن يكون جزءاً من حياته الخاصة، فالكاتب يبحث وينقل ما يدور في ذهنه، كما قلت سلفاً القارئ ربما يعجب بأسلوب وإحساس الكاتب”.