17 نوفمبر، 2024 1:45 م
Search
Close this search box.

في عيدها الــ 95 الصحافة البابلية وتحدي البقاء

في عيدها الــ 95 الصحافة البابلية وتحدي البقاء

حسنين الحسون ، زيد الاصيل
لم يخطرْ ببال ” كريم مظفر ” ذو الرابعة والستون عاماً والذي يعملُ حلاقاً ، أن لا يجد الصحيفة التي تعود على قرأتها كل اسبوعاً في يوم اصدارها ، ليتفاجئ أكثر حينما أخبرهُ بائعُ الصحفِ ، أن الصحيفةَ توقفتْ عن الصدورِ ، وأغلقتْ أبوابها.
فتلك الصحيفة حسب” مظفر ” لم تكنْ مجرد ورقٌ يقرأه فحسب ، بكل كانت تربطهُ معها ذكريات ، لعدة سنين مضتْ .
مظفر لا يستسيغُ “حاله حالَ الكثير من القراء الذين تجاوزت أعمارها العقد السادس “اذ أنهم لا يتقنون استخدام الأجهزة الإلكترونية ويعانون من صعوبة في القراءة على شاشات الهواتف الذكية أو اللوحات الرقمية الحديثة، فضلاً عن عدم أمتلاكهم صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويعود تاريخ اصدار أول صحيفة في محافظة بابل وفق الدراسات التي تؤرخ للصحافة في الحلة ، إلى يوم الخميس 27 كانون الثاني عام 1927 م ، حيث صدر العدد الأول لصحيفة (الفيحاء)وهي محلية أسسها المؤرخ السيد عبد الرزاق الحسني في عهد المتصرف عبد العزيز المظفر وعرفها بأنها “صحيفة أدبية علمية جامعة تصدر مرتين في الاسبوع” ، لتتوالى بعدها صدور الصحف الحلية طيلة تلك العقود الماضية ..
ويقول المؤرخ والصحفي محمد هادي : أن الفرق بين صحافة الأمس الورقية وصحافة اليوم كبيراً ولامجال للمقارنة على الإطلاق وما نشاهده اليوم مجرد محاولات تستمد ديمومتها من بعض الجهات الداعمة ، وعدا ذلك فكل الصحف لا تسدد تكاليف طباعتها وحتى الاعلانات ، نجد مردودها مخجلاً ، اما صحف الاحزاب فقد فشلت رغم انها توزع بالمجان.
وذهب ” هادي ” إلى الرأي القائل أن الصحافة الورقية ستطوي صفحتها الاخيرة وتصبح مجرد ذاكرة في قلوب من عاش سنوات تألقها الذي حولته التكنلوجيا الحديثة من ” أنترنيت وفيس بوك” الى مجرد ذكرى ، كاشفاً عن عدد مبيعات النسخ الذي وصل إلى 21 الف نسخة يوميا من الصحف الواصلة للمحافظة من العاصمة بغداد ، بينما لا يتجاوز المباع منها الان سوى 60 نسخة فقط ، في حين أن عدد الصحف والمجلات والمنشورات المطبوعة وصلت لأكثر من 107 مطبوعاً بعد العام 2003 ، لم يتبقى منها سوى مطبوعات على اصابع اليد.
وشدد ” هادي ” على ضرورة تصدي الشباب للعمل الصحفي وإكمال المشوار الذي عملنا فيه لسنوات بعدت وسائل محلية وعلى مستوى البلد ، كانت ايام مطرزة بالتعب الجميل ، مستدركاً أن ساحة الابداع تبقى مجالاً للتنافس الشريف وأن القمة تسع جميع من يمتلك القدرة على تقديم الافضل والاكثر تميزاً.
وتشير الدراسات إلى أن التوجه اليوم أصبح باتجاه الإعلام الألكتروني والتطور التكنولوجي الحاصل وسرعة تناقل الاحداث والمعلومة ، إضافة إلى الاستخدام الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي ، الأمر الذي أدى إلى انحسار كبير في إصدار الصحف الورقية وانخفاض عدد قراءها مقارنة بسابق الأيام .
الأمر الذي أرجعه ” عدنان الحسيني ” وهو صحفي ورئيس تحرير جريدة صباح بابل ( الفيحاء سابقا ) إلى أن المتلقي اليوم أصبح يبحث عن السرعة في الحصول على المعلومة دون عناء ، وأصبح هناك ” استسهال” في البحث عن الاخبار العاجلة إضافة إلى الطفرة التي أحدثتها التكنولوجيا والموبايل الذي يعد أسهل وسيلة للحصول على الخبر .
واضاف الحسيني أن الصحافة لم تعد كسابق عهدها ، لكنها تتمتع بالدقة في نقل الاخبار ومصادرها ، عكس صحافة الموبايل التي قد يقع فيها المدون أو ناقل الخبر في بث إشاعة ما ، وتنتقل كالنار في الهشيم ، بحسب الحسيني ، الذي أكد على أن الصحفية كانت في السابق تعتمد بصورة كلية ومباشرة من قبل العديد من الوسائل الإعلامية.
وعن العمل في الصحافة الورقية وما يميزه عن السابق ، كشف الحسيني ، أن أساس الصحافة هي الصحافة الورقية ، إذ تعد المدرسة التي يجب ان يتخرج منها الصحفي ، وضرورة معرفة مدارس التحرير الخبرية ، مؤكدا ” من لم يتخرج من الصحافة الورقية لا يعد صحفياً ولا يحسب في مضمار الصحفيين”.

وشهدت الصحافة المقروءة انتعاشاً ملحوظاً بعد تغيير النظام البائد في عام ٢٠٠٣ والتحرر من سلطة الحزب الواحد والتقيد بخطوط يفرضها من هم في الحكم ، وقد وجد الصحفي مساحة واسعة وحرة في مختلف مجالات شؤون المحافظة والعراق .
من جانبه بين رئيس فرع نقابة الصحفيين العراقيين في بابل الصحفي يوسف الجمل دور الهيأة الادارية لنقابة الصحفيين في العمل على تكريس دور الصحافة البابلية والتأصيل لها من خلال اقامة ندوة عن تاريخ الصحافة البابلية على هامش مهرجان بابل الدولي الخامس عشر ، وقد خرجت بمقررات منها ضرورة جمع النتاج البابلي الورقي الذي تكفل بجمعه متحف الحلة المعاصر الذي أفرد قسماً خاصاً للصحف .

وأضاف الجمل ، أن على الرغم من سيطرة الفضائيات والاذاعات ودخول الإعلام الرقمي بقوة الى الساحة الإعلامية ،إلا أن الصحافة الورقية ما زالت تقاوم وأنا على ثقة تامة بعودة الصحافة الى سابق عدها ، كما عاد الكتاب الى
الواجهة، فقد عانى الكتاب لسنوات من تدهور في مبايعاته إلا أنه عاد بقوة في السنوات الاخيرة لتزدهر وتزداد المبيعات ، راهناً الأمر بعملية تعاطي الصحف والعاملون فيها بإبتكار آليات جديدة لتسويق العمل المقروء وأبتكار زوايا و صحفات تعيد القارئ الى معشوقته .
فيما أعلن مركز الإعلام الرقمي في العراق “وهو مؤسسة غير حكومية” أن 25 مليون عراقي يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد ، وزاد “عدد مستخدمي مواقع التواصل خلال العام 2021 نحو 4 ملايين مستخدم عن العام الماضي وفقاً لآخر إحصائية لمؤسستي” Hootsuite و We are social ” المتخصصتين”.
وأشار المركز إلى “وجود 20 مليون مستخدم على منصة فيسبوك، و13 مليون مستخدم نشط على أنستجرام، و11.25 مليون مستخدم على سناب شات، و1 . 30 مليون مستخدم لتويتر، و1.20 مستخدم لشبكة لينكدان بالإضافة إلى17 مليون مستخدم لفيسبوك ماسنجر”.
أما الصحفي حيدر الچلبي رئيس فريق “فايف برس ” لصحافة الموبايل ، فقال ” حقيقة قبل دخول الموبايل للعراق كان هناك وقت كبير يستغرقه الصحفي لانتاج مادته الصحفية وأرسالها قد تصل الى يوم كامل ، أما بعد دخول الموبايل وتطور كاميراته صار العمل أسهل بكثير خاصة بموضوع الوقت.
ويضيف الچلبي ” صحافة الموبايل تعطي متعة خلال العمل وسرعة انية في معالجة القضايا بسرعة كبيرة اذا ماعرفنا ان السويشال الميديا هي المكان الاكثر استقبالاً لنتاج صحافة الموبايل، لذلك اخترتها كنوع من سرعة الانتاج والمعالجة خاصة بعد ما اصبحت صورتها مقبولة تلفزيونيا.
اما الصحافة الورقية فحقيقة مع الاسف لم تعد ذات تأثير اطلاقاً بعد دخول السويشال ميديا حسب راي الچلبي ، مشيرا الى أنها تعالج القضايا وتؤثر يوميا بينما الصحف أغلبها تصدر اسبوعيا وتكاد تكون المواضيع منتهية لذلك اصبح تأثيرها معدوماً.
ويشدد الچلبي ، حتى التلفاز اليوم لا يؤثر فبدأت الوسائل تتجه لنشر محتواها على مواقعها الالكترونية وهذا يدل ان الموبايل والتلفاز يشتركان في تأثيرها عبر السويشال ميديا.
محذرا ” من ان الإعلام الألكتروني سيكون فوضوياً مستقبلا في ظل عدم وجود قوانين عراقية تتعامل مع السويشال ميديا وتأثيرها وتقنن استعمالها مع ضمان حرية التعبير طبعاً ، ويتمنى أن لا نصل للإعلام الألكتروني الفوضوي ، حسب راي الچلبي .
وتشير الإحصاءات ” أن الزيادة الحاصلة في أعداد مستخدمي كل المنصات يعود إلى تداعيات جائحة كورونا والإغلاق والحظر الذي شهده العراق لمواجهة هذه الأزمة وتحول عمليات البيع والشراء والدراسة والعمل وغيرها إلى وسائل الاتصال الاجتماعي ، بينما تشير احصائيات اخرى الى ان 3 بالمئة فقط من المجتمع يقرأ الان المواد المطبوعة من كتب ومجلات وصحف .
وتبقى أمنية ” مظفر ” أن تعود صحيفته التي كان يعشقها للأصدار مرة أخرى ، فهو يرى ان الصحيفة هي عصارة النخبة من الصحفيين والكتاب ، فضلا عن كونها مصدر أثراء ثقافي متنوع ، وغزير .

أحدث المقالات