25 فبراير، 2025 4:45 م

مع كتابات.. سعيد الصالحي: الرواية باتت عالمي الذي أرتبه كيفما شئت وأضع فيه رؤاي وأفكاري

مع كتابات.. سعيد الصالحي: الرواية باتت عالمي الذي أرتبه كيفما شئت وأضع فيه رؤاي وأفكاري

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“سعيد الصالحي” كاتب فلسطيني أردني، من مواليد عمان في ١٩٧٤، حاصل على بكالوريوس في علم الحاسوب ويعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وناشط في الحياة الاجتماعية. صدرت له رواية “ظل الغراب”.

كان لنا معه هذا الحوار الشيق..

** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– لقد ولدت أحمل شغف الكتابة ولكنني كنت صغيرا ولم أعرف لماذا أحمل كل هذا الحب للغة العربية؟ وعندما أصبحت شابا كنت أنظر إلى محبتي لهذه اللغة بنوع من الشوفينية والاعتزاز العرقي، وكنت وما زلت اعتقد بأنها الجوهرة الوحيدة والخالدة في تاريخنا العربي الطويل، كنت دائم الاهتمام باللغة العربية وكنت حريصا أن استخدم مفرداتها المختلفة كلما كان ذلك ممكنا في حياتي اليومية بعيدا عن لهجتي العامية التي أكن لها محبة كبيرة.

وكنت في حالة صراع متواصل ومتصاعد مع ذاتي متى سأكتب؟ وماذا سأكتب؟ وكان دائما يطاردني السؤال القاتل، من أنت حتى تكتب ويقرأ لك الناس؟ فأعود عشرات الخطوات إلى الوراء منكبا على القراءة كأني كنت أهرب إليها وكنت بواسطتها أعيش تجاربا وأزور عوالما وألتقي شخصيات أتعلم منها الكثير، وبالطبع كنت أضيف المعرفة إلى روحي المتعطشة لها وكنت أزيد من رصيد مفرداتي اللغوية فرحا كمن يزيد في رصيده البنكي من الذهب والنقود.

أستطيع الجزم أن محبتي للغة العربية وارتباطي بها عاطفيا والقراءة المستمرة هما المفتاحان الذين استطعت بهما فتح أقفال باب الكتابة وعندما خطوت أولى خطواتي داخل باب الكتابة تركت خلفي عالم الخوف والتردد وأصبحت أكثر حرية وشجاعة وذقت سحر الكلمات وعرفت قوة الأقلام.

** في رواية “ظل الغراب” لما اخترت الغراب تحديدا ليكون أحد أبطال الرواية؟

– الغراب ليس دخيلا في ثقافتنا العربية سواء الثقافة الشعبية أو الروحية الدينية، فقد اختارته هذه الثقافات في الكثير من المواضع وأظهرته ونعتته بصفات وأسماء يستحق بعضها وظلم ببعضها الآخر، وحكت عنه عشرات القصص والمواقف ومعظمنا قد عزى إليه العديد من الهزائم والاخفاقات، حتى أصبح شعارا للخيبة يتوسط أعلام نكبتنا الملونة بألوان مختلفة.

فالغراب كان بطلا وسيظل أحد أبطال الأسطورة في كل العصور عابرا للأجيال ومتمددا فوق جغرافيا عالمنا العربي، كأنه من الحقائق القليلة التي اتفقنا جميعا عليها، وعلى صعيد الرواية كانت الغربان طوال إقامتي في بنغلادش تزور شرفتي باستمرار وكانت الضيف الوحيد الذي يأتي لزيارتي خلال فترة الحظر التي فرضتها السلطات البنغالية أسوة بباقي دول العالم.

وبالفعل بدأت أتودد لهذه المجموعة من الغربان عن طريق إطعامها وكنت أجد السلوى والمتعة في هذا النشاط اليومي الذي اقترب من درجة العادة، لو لم يتحدث الغراب لما ابتدأت الأسطورة ولما تشابكت الأحداث ولما أطلقت العنان لروحي لأكتب. ومن خلال الغراب وددت أيضا القول  أن الإنسان ليس مصدر المعرفة الوحيد في هذا الكون وأن الكثير من المخلوقات الأخرى لديها عالمها الخاص ولديها إرثها وقيمها ولديها رؤاها خاصة لعالم الإنسان وقادرة على التواصل معه في إطار وحدة الكون الحتمية.

فالغراب بطل من أبطال الرواية فهو من سمى بطل الرواية الآدمي، وهو من حمل سر الصندوق وبذات الوقت كانت له حياته الخاصة بتفاصيلها الشخصية والأسرية والمجتمعية، وكانت هذه التفاصيل بمثابة النقوش الملونة الجميلة في ثوب الرواية الأسود.

** في رواية “ظل الغراب” لما اخترت إطار الفانتازيا وأن يحدثك الغربان ويحمون صندوق الكتب؟

– الرواية من حيث الفكرة العامة تناقش وتتساءل حول تأثير الموروث الشعبي على معظم القضايا الإنسانية سواء من الناحية الاجتماعية أو الفكرية، ولهذا الموروث فعل السحر على الشخصية في بعض الأحيان، مما يدفع هذه الشخصية للتصرف خارج المألوف وخارج حدود المنطق، أي أنه يكون في تصرفاته اليومية خياليا، وكأن وجدانه تفتق على شخصية أو شخصيات جديدة مختبئة في داخله طوال الوقت، فالغراب عندما يتحدث ويعطي النبؤات برأيي ليس بالأمر الصعب وغير القابل للتصديق إذ أن الإنسان المتغير والمتقلب والذي لا يثبت على قيمة أخلاقية معينة بات هو الفنتازيا وهو الخارج عن حدود المنطق.

خلال سرد الرواية لم تقف الفنتازيا عند الغربان أو الكلاب فالحدث العالمي الذي كتبت خلاله فصول الرواية كان نوعا من الخيال أيضا، فقد خرجنا جميعا من بوابة حياتنا اليومية لنلج نحو عالم آخر أو ربما ننزلق فيه، فمن كان يتخيل كل ما جرى؟ وإن كان ما جرى كوما فإن محاولات الفهم والتبرير كوم آخر، وكذلك محاولة التغلب على الخوف والاستعداد للنجاة من معركة نواجه فيها خصما أسطوريا كالهيدرا أو ميدوزا والتي لم يصفها الناجون يوما لأنهم لم يعودوا.

كنا طوال هذه الأزمة نعيش الفنتازيا ونؤكل خبزها ونتجرع مر شرابها ونقنع أنفسنا بأن هذه الأيام ستمضي، فالرواية كانت صورة الواقع في المرآة وكانت الصورة تأتي في الواقع تحاول أن تحمي صورة الماضي الذي كان يعدنا بغد أكثر بهاء وجمالا وكأن هذا الغد لن يأتي أبدا.

** رواية “ظل الغراب” رغم أن الصندوق كان يحتوي كتبا صوفية قيمة ولفافة بها بعض الرموز إلا أنك لم تتطرق للمكتوب في هذه الكتب وللمعرفة القيمة التي تحويها لما؟

– من الناحية التاريخية فإن الكتب التي أشرت إليها في الرواية للشيخ الصوفي القشيري هي كتب مفقودة تماما ولا يوجد أي معلومات عن متونها فلم أحاول ضمن السياق السردي للرواية بالبحث عما ممكن أن تحتويه هذه الكتب، بل كان جل تركيزي على اللفافة السرية التي تحمل رسالة غامضة مشفرة من الشيخ إلى مريديه، فلقد أقام “بدر الخير” وهو شخصية محورية في الرواية الدنيا ولم يقعدها للحصول على اللفافة التي تحمل مفتاح حل الرسالة الغامضة، كانت معرفة شيخه بين يديه من خلال كتبه ولكنه بحكم فطرته أنجذب نحو الأسرار وركض نحو الغموض والظلام تاركا المعرفة الواضحة في الكتب التي بين يديه، فباتت لفافة بسيطة أهم بنظر “بدر الخير” من الكتب التي لم يكن يحلم حتى بخياله أن يقلب صفحاتها في كلتا يديه وأن يقرأ علوم شيخ من شيوخ مذهبه.

وهذا للأسف واقع حالنا في العالم العربي ما زلنا مأخوذين بالأساطير والأحاجي والتنبؤات المستقبلية بدل أن نضع طاقتنا في العلم والعمل والتغلب على ما وصلنا إليه، ببذل الجهد بدل من انتظار عطايا تتساقط علينا من السماء كالمطر لا حول فيها لنا ولا قوة، فنحن قوم نخاف المعرفة ولا نعرف كيف نتعامل معها حتى عندما تكون في متناول أيدينا.

** حكيت في روايتك عن الاغتراب وعن تداعيات جائحة كورونا حدثنا عن ذلك؟

– ما كشفته هذه الجائحة بالنسبة لي وللكثيرين هو حقيقة الاغتراب الداخلي الذي نعيشه في أوطاننا، فالغربة لا تعني الابتعاد عن الموطن الأصلي لأي سبب كان فنحن نحمل أوطاننا معنا أينما ذهبنا ونشعر بالحنين الدائم لها، ولكن عندما يتملكنا الإحساس بالاغتراب الداخلي لأي سبب كان فحينها نشعر بالوحشة والخوف وعدم التوازن، فهذه الجائحة كشفت لنا الكثير من الزيف والخداع الذي كنا نعيشه كل يوم دون أن نلقي له بالا.

لقد قضيت فترة الحظر في بلد غريب ولم يكن الحال مختلفا بالنسبة لكل من عاشه داخل حدود وطنه حبيس جدران منزله ومتخفيا وراء قناع الوجه، حتى عندما يتحدث مع أفراد أسرته، لقد جعلت منا هذه الجائحة كائنات غير اجتماعية وعندما لا يختلط الإنسان مع المجتمع الذي يحب مكرها أو برغبته فهو في غربة أيضا ولكن هذه الغربة حزينة ومقيتة لأنك أجبرت عليها وتمارسها بكل يقين أن هذه الغربة ستعود بك إلى حياتك الأولى وأنها ستحملك إلى ذاتك مرة أخرى، وكل يوم يمر تكتشف كم كنت واهما، وأن هذا هو نمط الحياة الجديد الذي ستكمل به حياتك، بحيث ستكون مغتربا في كل مكان وحتى حين تتوسط أفراد أسرتك حول المدفأة في بيتك الصغير.

** تغنيت أيضا بمسقط رأسك الأردن وذكرت وطنك فلسطين كما عبرت عن شغفك بدول أخرى كالعراق ومصر. احكي لنا؟

– أنا ابن تاريخ الوطن العربي ولست ابن الجغرافيا الضيقة لهذا الفضاء العربي، فأنا كإنسان عربي لا يحدني المكان وجواز السفر، وتنتقل مشاعري كيفما شاءت في البلاد العربية حاملا معي أمي، وأمي هي لغتي العربية التي لا تموت والتي تزداد شبابا كل يوم كأنها الوحيدة التي اكتشفت أكسير الحياة، فأنا لا أرى بلادنا العربية إلا بعين المحب والعاشق المتيم الذي يزداد كل يوم تعلقا ومحبة بالإنسان العربي قبل التعلق بالتراب والسماء والخرائط والأعلام.

ولكل قطر عربي نكهة ومحبة من نوع خاص فأنا أعشق اليمن كعشقي لتونس وأشعر أن مصر هي أمي كأي مواطن مصري يردد هذه الأغنية فهو يغنيها في القاهرة وأنا أردد معه من عمان فكل الأقطار العربية بالنسبة لي فلسطين، فكل مواطن عربي أصيل يحمل فلسطين بين جنباته كقلبه الذي يعيش به ولم تكن فلسطين في أي يوم من الأيام مجرد بلد عربي محتل، ففلسطين التاريخية هي الشريان الذي يحمل عروبتنا في كل ناحية من  وطننا العربي.

وكل ما أتمناه أن يتعافى عالمنا العربي من كل ما هو خبيث وغير نافع وأن تحلق شعوبنا العربية في سماء الإبداع والتميز في المستقبل القريب وأن تتخلص كل الدول العربية من المحن المختلفة التي تمر بها وأن يحل السلام والمحبة في كل الأقطار العربية وأن ننعم جميعا بزيارة القدس العربية محررة في أقرب وقت.

**ما تقييمك لحال الثقافة في عمان وهل تدعم الكتاب الجدد؟

– لا يختلف الأردن كثيرا عن باقي الدول العربية من الناحية الثقافية وليس لدي أي معلومات فعلية من أي جهة كانت عن معدل القراءة لدينا، ولكنني كمتابع عادي للمشهد الثقافي الأردني ألاحظ تحسنا في إقبال الناس على معارض الكتب، وكذلك لفت انتباهي انكباب شريحة لا بأس بها على القراءة بلغات أخرى عديدة، وبشكل عام ساهمت شبكة الانترنت في توفير الكتب الالكترونية التي بات الوصول إليها سهلا ومتاحا في أي وقت.

أما فيما يتعلق بدعم الكتاب الجدد فأنا على قناعة بأنه دعم شكلي يتوقف عند حد شراء عدة نسخ من العمل من قبل بعض المؤسسات، وأحيانا يكون الدعم بالمساهمة في بعض الأمور المادية وبرأيي هذا جيد ولكنه غير كاف ولا يرتقي لمستوى الطموح والأهم هو الدعم المعنوي والإعلامي للكاتب وأعماله.

** هل واجهتك صعوبات في النشر؟

– انتشار العمل الأدبي بالنسبة لأي كاتب هو الهدف وهو الحلم والطموح، ولكن هذا الانتشار في بلادنا لا يعتمد على جودة المحتوى وعمق المضمون بل يعتمد على الآليات التقليدية التي تنتهجها دور النشر عند التعاطي مع هذه المادة الأدبية، إذ لا يهمهم المادة الأدبية بقدر اسم نجم الشباك الذي يكتبها، وفي عالمنا العربي نرى النجاح للأعمال الأدبية بأثر رجعي بمعنى أنه عند سطوع اسم روائي معين في عمل ما نرى تهافت دور النشر على توزيع أعماله القديمة بطريقة جديدة وبشكل يليق باسم الروائي بعد نجاحه، نفس المادة الأدبية التي كانت تعامل فيما مضى كمادة عادية مثلها مثل سواها.

بالطبع ما زلنا نواجه صعوبات جمة في النشر داخل الأردن وخارجه.

** ما تقييمك لحال النقد في منطقتنا وهل يعاني من مشكلات؟

– قلت في أكثر من مناسبة أن النقد هو ضمير الأدب وهو الحارس الأمين على ثقافتنا العربية، فالنقد العربي متباين من حيث المستوى من ناحية المادة الأدبية، فالنقد العربي لكل ماله علاقة بالشعر مثلا متقدم جدا لأن الشعر هو أول ما عرفناه في حياتنا الثقافية العربية، فنجد هنا أن النقد الشعري أيضا قد واكب تطور الشعر وتطور معه، ولأن الرواية العربية تحديدا تعتبر حديثة العهد فما زلنا نستنسخ تجارب الآخرين النقدية ونسعى لمحاكاتها في بلادنا العربية، ولكنني على يقين تام بأننا سنؤسس مدارسنا النقدية الخاصة في المستقبل القريب.

** هل لديك أعمال أخرى ولما استهواك مجال كتابة الرواية؟

– روايتي الأولى “ظل الغراب” ليست إلا فاتحة طريق فأنا عاكف هذه الأيام على مشروع جديد وهذا المشروع يتطلب بحثا طويلا فأنا أعمل عليه بكل هدوء وصبر، وأشغل نفسي بعض الأحيان في كتابة بعض المقالات هنا وهناك، فالعمل الأدبي بصفة عامة قد تملكني وخصوصا الرواية فقد باتت عالمي الذي أرتبه كيفما شئت وأضع فيه رؤاي وأفكاري التي أحب أن أشاركها مع أكبر قدر من الأصدقاء والمحبين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة