خاص: كتبت- سماح عادل
أثيرت ضجة كبيرة في مصر حول فيلم “أصحاب ولا أعز”، وتركز الهجوم على الممثلة “مني ذكي”، وعلى مشهد داخل الفيلم، وأصبح الحديث عن الفيلم يتصدر وسائل التواصل الاجتماعي والصحف، وكان أغلب المهاجمين يدعون أن الفيلم يمس الأخلاق والقيم والمبادئ، لذا لم أسعى لمشاهدته، ثم غلبني الفضول في أن أشاهده.
رأيي أن تلك الضجة المبالغ فيها حول الفيلم ربما نتيجة لفراغ ما تعاني منه بعض فئات الشعب المصري، بدليل أن هناك أفلام تناولت قضايا أكثر حساسية من تلك التي تناولها فيلم “أصحاب ولا أعز” ولم يلتفت إليها أحد. وهناك مشاهد كانت أكثر جرأة في تاريخ السينما المصرية وحتى في الأفلام الحديثة، ولم يحدث شيء لذا ربما تكون كل تلك الضجة وسيلة لأهداف أخرى.
لكني هنا سأتناول الفيلم بحياد مشاهدة بعيدا عن كونه فيلم قد تمت مهاجمته أو لا.
الفيلم يحكي عن الأسرار، كيف يخبئ الإنسان أسرارا حتى عن أعز أصدقاءه، ربما لأنه يخجل من أسراره، وربما لأن الحياة ليست مثالية تماما، والإنسان طبيعته الضعف.
الحكاية..
يبدأ الفيلم بالإعلان عن حدث خسوف القمر، و”جنا” وزوجها “زياد” يستعدان للخروج، ثم “مي” تتشاجر مع ابنتها المراهقة “صوفي” لأنها وجدت في حقيبتها واقي ذكري، وغضب من زوجها “وائل” بسبب هدوءه حين يعرف بالأمر، و”مريم” الذي تمثله “مني ذكي” و وأشرف زوجها “إياد نصار” يستعدان للخروج، ويأخذان معهما طعاما مصريا. ثم يتقابل الجميع في شقة “مي” و”وائل”، ونعرف أن الأحداث تجري في لبنان وأن “مريم” وزوجها هما المصريان الوحيدان.
ويبدأ المرح يتفرجون على القمر، ويتبادلون بعض الأحاديث، ويتعاملون بحميمية أصدقاء يعرفون بعضهم منذ سنوات طويلة، فقط “جنا” هي التي تعرفهم منذ عاما أو أكثر. ويتلهفون على رؤية صديقة “ربيع” الجديدة ويحضر من دونها، وتغضب السيدات الثلاث لأنهن فقدن متعة الفرجة على الصديقة الجديدة.
خيانة..
ثم يثار موضوع خيانة صديق آخر، اكتشفت زوجته أنه يلاطف فتاة في عمر العشرينات. ويتابعون بعد أن التفوا على طاولة العشاء الحديث عن هذا الصديق “سامي”، ويعبر “زياد” عن تعجبه من أنه لم يأخذ احتياطاته، كان لابد وأن يخفي رسالة عشيقته، وتعترض “مي” وتبدأ تظهر فكرة أن يقومون بعمل لعبة خطرة، بعد أن تدور الاتهامات من النساء من جانب والدفاع من الرجال من جانب آخر. وحين يقول “زياد” ذلك يزداد الهجوم من النساء، ويبدأ الرجال في النظر لأعين بعضهم البعض حتى يتجنبوا غضب الزوجات. وحده “ربيع” هو من يبدو غير مهتم بهذه الاتهامات.
الانكشاف..
تطرح “مي” فكرة أن التليفونات تخبئ كوارث، وأنه إذا اطلع أحد الشريكين على تليفون الشريك الآخر ستنكشف أسوأ الأمور، وتقترح أن يضع كل واحد منهم تليفونه على طاولة العشاء، وأن يكشفوا أية رسالة أو مكالمة أو أيميل لباقي الأصدقاء. يعترض “أشرف” و”زياد” يتردد بينما “وائل” لا يحبذ الفكرة، لكن تتحمس “مريم” و”جنا” لا تبدي اعتراضا.
ويتناولون العشاء ببطء ويبدأ الكشف، من خلال الحوارات بينهم ومن خلال الرسائل، يخاف “أشرف” من أن تكتشف “مريم” أمر مغازلة له مع فتاة صغيرة فيطلب من “ربيع” تبديل التليفون والذي يتشابه مع تليفونه. يرفض “ربيع” ويجبره “أشرف” على ذلك، يحاول “زياد” إخفاء ارتباكه حين تحادثه “نيكول” وتدافع عنه “جنا” لأن “نيكول” ليست جميلة.
أول كارثة..
يكتشفون أن “مي” تريد أن تقوم بعمل عمليه لتجميل صدرها ولا تثق في زوجها دكتور التجميل، وأن “وائل” زوجها يزور طبيب نفسي ولا يثق فيها كونها معالجة نفسية.
وتبدأ أولى الكوارث بمكالمة من رجل ل”أشرف” يحادثه فيها عن علاقة غرامية بينهما، وتثور “مريم”، وتعترف بكل تعقيدات العلاقة الزوجية بينهما وتنهار. يحاول “أشرف” أن يدافع عن نفسه نافيا كونه مثليا، دون أن يجرح “ربيع” أو يحاول إفشاء سره، ويثور عليه “زياد” ويعامله بازدراء.
يأتي الدور على “جنا” ليكتشف “زياد” أنها تحادث حبيبها القديم، لكن نعرف أنها تحدثه بحياد عن علاقة أخرى يتورط فيها. وامراة أخرى تستغله، وحين تنكشف الأسرار يحملق الآخرون في صاحب السر بنظرات لا تخلو من إدانة.
و”زياد” كان سره أنه على علاقة ب”نيكول” وأنها حامل منه، لتنهار “جنا” بدورها وتتقيأ في الحمام وتحاول “مريم” دعمها نفسيا، في حين أن “مي” تصفع “زياد” وتخلع القرطين له، والذي كشف أحد أصدقاءه أنه اشتراه لإحداهن، لنكتشف أن “زياد” و”مي” بينهما علاقة ما.
تشابك الأسرار..
تتشابك الأسرار وتتعقد، وتتسارع الأحداث، ليفاجئ “أشرف” “مريم” بكشفه لرسالة “فيسبوك” التي يرسلها لها أحدهم ليسألها هل ترتدي ملابس داخليه أم لا؟، فتصارحه أنها علاقة افتراضية وأنها لا تتجاوز تلك الحدود، ويصر “أشرف” على أن تحادث “مريم” ذلك الرجل، لتساعده “مي” وتحادثه هي، لنكتشف أن “مريم” فعلا كانت تحادثه بشكل سري وعلى الشات، وترفض تخطي أية حدود أخرى. وتعترف له أن هذه العلاقة الافتراضية هي التي تجعلها تشعر بأنوثتها التي افتقدت الإحساس بها معه منذ سنوات. وتكشف “مريم” سرا آخر من أسرار حياتها الزوجية مبينة أن تلك العلاقة قد انهارت منذ سنوات.
خيانة زوجة..
ويستشعر “وائل” شيئا غريبا يدور بين “زياد” و”مي” لكن لا يتكلم، وتحافظ “مي” على سرها، رغم حماسها الشديد في كشف أسرار الآخرون، واندفاعها في اقتراح تلك اللعبة الخطرة، لنستشعر كمشاهدين بعض الشر فيها.
مثلية ورعب..
ويعترف “ربيع” في النهاية أنه هو المثلي، وأن ذلك السبب في أن الجامعة التي يعمل بها قد رفضت تجديد عقده، وأنه يخاف أن ينكشف أمره خوفا على والدته، ورعبا من ردود أفعال باقي الناس، ويصارح أصدقاءه أنه خاف أن يصارحهم لأنهم كانوا سيعاملونه بدونية.
تتفجر الأمور وتتعقد وتخرج “مريم” من المنزل غاضبة، و”جنا” أيضا تخلع خاتم الزواج، ثم وبدون أية فواصل أو وقفة أو أي تغيير يتعامل “زياد” مع “جنا” بود، وترحل معه في سيارته، وتركب “مريم” مع “أشرف” الذي مازال يوبخها وتشاكسه هي أيضا.
ويودعون “ربيع” مذكرينه أنهم سيتعرفون على “رشا”، ولا أفهم كمشاهدة ماذا حدث، أشعر بالارتباك ثم تخلع “مي” القرطين الذين سبق ورمتهما في وجه “زياد” وتندهش من رفض زوجها أن يلعب اللعبة.
خيال..
لأفهم بعد إعادة الفيلم مرة أخرى عند هذا المشهد أن ما حدث كان خيالا مده المخرج على استقامته، وأن الأصدقاء لم يقوموا بلعب اللعبة بالفعل، لكنه لم يقم بفعل أي شيء يوضح للمشاهد أن كل ما دار كان مجرد تخيل لما قد تكون عليه الأمور إذا لعب الأصدقاء تلك اللعبة الخطرة. وأنه تخيل ماذا سيحدث وبنى عليه الأحداث.
الإخراج جيد لكنه يعاني من ثغرة خطيرة حين لم يفصل ما بين الخيال وما جرى في الواقع، ولم يفسر للمشاهد بطريقة سينمائية محترفة كيف أن الأصدقاء لم يلعبوا اللعبة، وأن ذلك الجزء الكبير من الفيلم الذي جرت فيه اللعبة إنما هو تخيل لما قد يحدث، لكنه أيضا إذا كان خيالا فلما استعمل أشياء تم الكشف عنها في الجزء الخيالي مثل القرطين الذين ترتديهما “مي”.
كان أقرب للواقع أن تتفجر الأمور وتفجر تلك العلاقات وتنتهي نهايات تتوافق مع ردود أفعال الشخصيات، أو أن تتسامح الشخصيات مع ما اكتشفوه ويستأنفوا حياتهم كما هي بعد اكتشاف الأسرار المخزية. لكن أن تكون تلك اللعبة خيالا لم يحدث على أرض الواقع، ولم تنكشف الأسرار فلم يستطع المخرج إدارة تلك الفكرة كما ينبغي.
كان أداء الممثلين جيدا لكن كنت أتمنى أداء أكثر براعة، “منى ذكي” كانت مفتعلة في بعض المشاهد، “نادين لبكي” كان أدائها أفضل، “إياد نصار” مثل جيدا دور الزوج الذي مل من زوجته وكرهها.
أفكار مقتبسة..
على مستوى الأفكار الفيلم مقتبس من فيلم إيطالي، وهذه العلاقات ربما تكون إنسانية في نوع المشكلات لكن فكرة السماح للابنة المراهقة بأن تمارس الجنس ليس أمرا مقبولا على مستوى الرأي العام الجماعي في مجتمعاتنا الشرقية، ربما لذلك اختار المخرج لبنان لتكون مسرحا للأحداث لأنه يعرف أن أية دولة أخرى في المنطقة لا تسمح لبناتها أن تمارس جنسا بكل هذه المرونة التي أبداها “وائل”، واعتقد أن حتى المجتمع اللبناني لا يسمح بذلك بشكل علني وكأنه أحد المسموحات الاجتماعية.
لذا يمكن وصف الفيلم أنه قلد الفكرة واقتبسها كما هي دون أن يحاول أن يجعل هذه الفكرة تنبع من قيم المجتمعات الشرقية. لكن باقي المشكلات ربما تعاني منها المجتمعات الشرقية، خيانة الزوجة التي تشعر بالممل من طول سنوات الزواج وتراكمات الاحباطات بينها وبين زوجها، فتلجأ إلى صديقه المشترك وتقيم معه علاقة. والصديق الخائن الذي لا يعبأ بتلك السنوات الطوال التي عرف فيها صديقه، فلا يتورع عن إقامة علاقة مع زوجته.
وأيضا ذلك الملل ما بين “مريم” و”أشرف” هو يشعر أنها رجل تعامله بنديه وتناطحه، ولا يشعر أنها سيدة يستطيع أن يمارس معها الحب من منطلق الزوج والحبيب الذي يمتلك الحبيبة ويروضها ويخضعها، وأيضا مشكلة وجود الحماة التي تفسد تلك العلاقة الزوجية أكثر، ووجود الحادثة التي حصلت بسبب إفراط “مريم” في احتساء الشراب وتضحية “أشرف” التي جعلته يكره زوجته أكثر.
و”ربيع” وكون مثليته سبب شقاءه، فهو لا يقبل بمثليته والدليل على ذلك إخفاؤها، وأيضا خوفه الشديد من رد فعل المجتمع والأهل والأصدقاء، لكن هل لديه رفاهية القبول أو الرفض في مجتمع يعامل المثليين بشكل دوني ويحتقرهم.
وفكرة أن تعوض الزوجة اهمال زوجها لها التي امتد لسنوات، حتى دبلت مثل وردة لم تسقى، فتلجأ لعلاقة عاطفية لكنها افتراضية، لا تمتد لتصبح خيانة على أرض الواقع، وزوجها أيضا يعوض ابتعاده عن زوجته بعلاقات افتراضية مع فتيات.
علاقات مشوهة وأسرار مخزية ترجعها “مي” لتدخل التليفونات والانترنت والتطور التكنولوجي الذي ساهم في خلق تلك الأسرار، لكن التطور التكنولوجي والهواتف الذكية ليسوا السبب المباشر، وإنما ربما علاقات الزواج نفسها التي تسمح بتراكم الملل والمشكلات والتي تجعل الشريكان يصلان لمراحل من الجفاء والقطيعة بسبب سنوات طوال من المعيشة المشركة دون محاولة للتوافق والانسجام.
علاقات لابد أن تستمر لأن المجتمع يقدس الزواج ويعتبره العلاقة الأقدس في المجتمع، فيحاول الأفراد التنفيس عن رغباتهم والبحث عن ذواتهم في علاقات أخرى سرية، لم يقتلها الملل بعد ولم يفسدها روتين الحياة اليومية.
الفيلم..
“أصحاب ولا أعز” هو فيلم دراما، من إخراج “وسام سميرة” وبطولة “منى زكي، إياد نصار، عادل كرم، نادين لبكي، جورج خباز، وفؤاد يمين”. الفيلم مأخوذ من الفيلم الإيطالي “غرباء بالكامل”، تم إنتاج الفيلم بواسطة ثلاث شركات من لبنان- مصر- الإمارات. تم تصوير الفيلم في بيروت. تم عرض الفيلم على منصة نتفليكس في 20 يناير 2022.