25 فبراير، 2025 5:30 م

قنبلة تفجر الصمت.. ما الذي أستفزّ الناس في فيلم “أصحاب ولا أعز”؟

قنبلة تفجر الصمت.. ما الذي أستفزّ الناس في فيلم “أصحاب ولا أعز”؟

 

كتب: يوخنا دانيال

منذ اللحظة التي شاهدت فيها “منى زكي” تخلع الكيلوت بحركات موحية ومتقنة في فيلم “أصحاب ولا أعز” .. قلت لمن كانوا معي أنها ستتعرض إلى حملة شعواء على هذه اللقطة. وهذا ما حصل بالفعل ولم يتوقف التفاعل السلبي مع هذا المشهد. علما أني قد شاهدت النسخة الأصلية الإيطالية من الفيلم منذ أكثر من خمس سنوات وكتبت عنها على صفحتي السينمائية..

وأعلم أن الفيلم قد عرض في مهرجان القاهرة ونال الجائزة الكبرى ولم يتعرض إلى أي هجوم.

وبالطبع في ذلك الوقت لم أتوقع أن يتم نقل الفيلم إلى لغات أخرى، وخصوصا إلى اللغة العربية. لأن البيئة العربية هي بيئة الستر والإخفاء.. إذ أن كل شيء عندنا مباح، لكن في السر حفاظا على العائلة وقيمها.. بالضبط كما في أفلام المافيا.. حيث تترافق العائلة والتديّن مع الجريمة المنظّمة بكل أنواعها.

 

قنبلة تفجر الصمت..

وهكذا أصبح هذا الفيلم قنبلة تفجّر الصمت وثقافة الستر التقليدية التي مضى عليها آلاف السنين في مجتمعاتنا.. خصوصا أن هناك مقولة متوارثة تقول وإن ابتليتم بالمعاصي فاستتروا.. وبالطبع لا نعرف ما هي هذه المعاصي المقصودة بالمقولة.. هل هي المخدرات أو الرشوة أو السرقة أو الخيانة الزوجية أو القتل.. لكن بعض هذه الأمور ليست شخصية.. وهناك حق عام وقانون يعاقب عليها.. فهل يكفي الستر أو الاعتراف أمام كاهن.. كي نتخلص من الخطأ أو الخطيئة؟!

لكن لماذا تحوّل مشهد الكيلوت إلى مشهد أيقوني استفزّ عشرات الملايين في مصر أكثر من الحكايات الأخرى في الفيلم، وحتى بضمنها حكاية المثلية الجنسية أيضا. وللجواب على هذا التساؤل نقول أن فنانة ناعمة مثل “منى زكي” ترتبط دائما بأذهان المشاهدين في مصر بنموذج الفتاة العاقلة الهادئة.. التي لا يمكن أن تخطيء في أفلامها، ولا حتى في حياتها الواقعية.. خصوصا مع شيوع مصطلح #السينما_النظيفة المهادنة للقيم الدينية. في أعقاب غزو الفكر الديني المتزمت لمصر منذ نهاية السبعينيات.. مع غزو البترو- دولار السعودي وسياسة الانفتاح الاقتصادي.

واعتقد جازما أن اختيار “منى زكي” لهذا الدور كان مدروسا ومتعمدا من قبل المخرج والمنتج.. بفضل ما تتمتع به الفنانة من شعبية هائلة، وتفوّقها الفني، وصورتها السينمائية والاجتماعية الراسخة بين المشاهدين.. كي تحقق في دورها الجريء هذا أكبر قدر من الصدمة الجماهيرية.. وهذا الذي حصل بالفعل.. مما أعطى الفلم دعاية وقوة إضافية بين الناس.. خصوصا في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

إن ارتباط فكرة الشرف في العالم العربي بالمرأة، وغشاء البكارة بالتحديد، هو العامل الأكبر الذي استفزّ الناس، وخلع الكيلوت مسبقا يعني عمليا الاستعداد لممارسة الجنس مع شخص آخر غير الزوج. وهذا حفزّ أذهان المشاهدين ولا وعيهم إلى ما يعتقدون أنه الطبيعة اللا أخلاقية لهذا التجمّع على العشاء. إضافة إلى أن فكرة تنامي العلاقات الافتراضية، عن طريق السوشيال ميديا، وإمكانية تحولها إلى ممارسات جنسية وخيانات واقعية، أضافت بعدا جديدا لمشهد خلع الكيلوت، فأصبح في النهاية معادلا للخيانة.

كما أن مزج الشخصية السينمائية مع شخصية الفنانة الواقعية ضاعف من مشاعر الخطر واللا يقين بين المشاهدين.. هذا الخطر الذي بدأ  يتنامى شيئا فشيئا بينهم مع بدء هذه اللعبة الجهنمية.. وكذلك مع معاقرة “منى زكي” للخمر بشراهة طوال الفيلم.. وهكذا أصبح المشاهد في مصر المسكون بنظريات المؤامرة على الدين والوطن محاصرا في زاوية ضيقة.. بسبب قيام ممثلته المحبوبة بهذا الدور..

وأتساءل كيف كان سيكون موقف هذا الجمهور فيما لو نقل المخرج إلى اللغة العربية المشهد الأصلي الذي ترفع فيه هذه الشخصية فستانها أمام الجميع كي تريهم أنها بالفعل من دون كيلوت!.. يا ترى ما كان سيكون حجم الصدمة عندها؟ إذ أن النسخة العربية استعاضت عن هذا المشهد الجريء جدا بمشهد البداية الأخف.. الذي يوحي بخلع الكيلوت ووضعه في حقيبة اليد.. علما أن مشهد رفع الفستان أيضا في النسخة الإيطالية لا يتضمن عريا.. بل إيحاءا بالتعري.

حضور منى ذكي..

وبصراحة.. فإن حضور أو كاريزما “منى زكي” لعبت دورا أساسيا في انتشار الفيلم ونجاحه الواسع.. وأصبح اسمها مرافقا وعلامة فارقة في الفيلم.. ومع أنها الفنانة المصرية الوحيدة مقابل ستة فنانات وفنانين رائعين من لبنان والأردن.. فقد كانت هي الصوت الأعلى، والشخصية الأكثر مرحا وجذبا لأنظار المشاهدين. وبالطبع فقد لعب الفنانين الآخرين أدوارهم ببراعة فائقة وبأعلى درجات الإقناع.

وهكذا فككنا هذه الصدمة العفوية بين المشاهدين إلى عناصرها المختلفة.. التي يقبع معظمها في أذهان المشاهدين وعقلهم الباطن وموروثهم الفكري والديني والأخلاقي التقليدي.. وبالطبع فإن هذا الفيلم الذكي استطاع أن يحفزّ الجميع على النقاش والتحليل وإبداء الرأي.. وسيكون درسا ممتازا لتربية المشاهدين وتطوير أذواقهم الفنية ومفاهيمهم عن أهمية السينما ودورها الاجتماعي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة