كان العراقيون نمورا حين انتزعوا استقلالهم من الاستعمار البريطاني ..رصفوا الدرب الى الحرية بالجماجم وعبدوه بالدم وتصوروا انهم بلغوا منتهى غاياتهم فسلموا قيادهم بيد سلطات عدة …بعضها جاء بالوراثة وبعض آخر بثورات شعبية وجاءت اخرى بالقوة والغدر وصولا الى مجيء سلطات اختارها الشعب عن طريق الانتخابات ..
ولأنك اذا اردت ان تختبر شخصية رجل عليك ان تمنحه السلطة والقوة كما قال الرئيس الامريكي ابراهام لينكولن فقد اختبر العراقيون رجالا عدة فشل اغلبهم في الاختبار اذ كانت السلطة لديهم غالبا عدوا للديمقراطية ، وكانت القوة لديهم دائما عدوا للحرية …
ومع مرور العقود واختلاف الاجيال ، خضع العراقيون لترويض قاس كما النمور وكانت خطة الترويض تقوم على التجويع والترهيب ، هذه الخطة السحرية التي يخضع لها اكثر النمور شراسة ليصبح في النهاية طوع امر مروضه ..هو لايحبه في قرارة نفسه لكنه يخشاه ويحتاجه لسد رمقه فهو محبوس داخل قضبان الخوف والجوع الابدية وحياته تتوقف على مدى رضى الحاكم عنه…
بهذه الطريقة ، مرت على العراق ازمنة سيئة وكان اسوأها زمن اصبح فيه الصغير كبيرا والكبير صغيرا ، وغدا فيه الجاهل عالما ، والعالم جاهلا ..ومات فيه اصحاب المواهب والكفاءات ، وقفز على قمته الجهلاء ..لاتستغربوا بعد الآن اذن ان يتسلم رجل عدة مسؤوليات حساسة دون ان يحمل شهادة واحدة تؤهله لأي منها او خبرة كافية تجعله افضل من يديرها …هذا الرجل هو آخر من حمل لواء السلطة في العراق وابتدع نظام الكلمة الاسبوعية اقتداءا برؤساء البيت الابيض ليصرح لشعبه وليس ل(يصارحه ) بمافي جعبته ..انه يستخدم الترغيب تارة والترهيب تارة اخرى محاولا التعبير عن صورة مبهرة للحاكم الديمقراطي الذي اختاره الشعب وعاود اختياره وربما سيعاود اختياره فهو خلطة سحرية لاتتكرر وصاحب يد فذة قادرة على الامساك بخيوط متعددة لمسؤوليات (شي ميشبه شي ) ..
الغريب انك لوفتشت في اعماق ابناء شعبه سيقولون لك انهم لايحبونه ، لكنه افضل الموجودين ، فقد كشفت السنوات الاخيرة زيف ولصوصية واجرام الاخرين..والاغرب ان المالكي لم يكن افضلهم في عملية كشف الوجوه فتحت ملامح وجهه التي يحاول ان يسبغ عليها البراءة تمتد انياب ذئبية تتحين الفرص لتنهش اجساد من يقف في طريقه لمعاودة حكم الشعب وسوف تنهش الشعب ذاته كما حصل في تجارب سابقة فالدكتاتور لايطيق المعارضة والمعارضون في حكمه خونة واعداء ومتآمرون اشرار ويجب ان يموتوا او يتم تسقيطهم سياسيا ..كما ان الدكتاتور قد لايسرق الاموال ليحولها الى حسابه فهي اصغر السرقات في المجتمع لكنه يمارس اقبح السرقات واكبرها حين يوجه جهود الدولة وكل اموالها الى بنوك للدعاية له .. ماحاجته اذن الى السرقة وهو يملك حرية التصرف المطلقة في كل شيء ولايعوزه الا التصفيق والهتاف ليرسخ دكتاتوريته ؟!..
اعتقد ان الدكتاتورية تستشري وتجد لها ارضا خصبة مع شعوب تحيط بها النيران من كل جانب ولاتحاول ان تصرخ وتحاصرها النكبات من كل مكان ولاتحاول ان ترفض ..ويحكمها الشر وترضى ويسود فيها الصغار وترضخ ويذبح فيها الشرفاء كل يوم ..وتصمت ..فهل سنسمح لها بذلك ؟..هل تم ترويضنا وماعدنا تلك النمور الشرسة …هل صرنا نخشى فقدان مروضنا خوفا من ان يأتي من هو اكثر منه قدرة على ترهيبنا وتجويعنا لنرضخ اكثر ؟…هذا هو السر اذن ..لقد اعتدنا العيش داخل القضبان لنستجدي ابدا رضى حاكمنا …