18 ديسمبر، 2024 11:13 م

كلمة بحق الراحل طارق حرب

كلمة بحق الراحل طارق حرب

لا شك أن رحيل الخبير القانوني (طارق حرب) يعد خسارة كبيرة ليس للأوساط القانونية فحسب بل وللوسط الثقافي والمعرفي والتاريخي ، حيث يمكن أعتباره خزانة معرفية جيدة يمكن الرجوع أليها عند الحاجة والأستفسار عن أية معلومة قانونية وتاريخية ، والخسارة كانت كبيرة أيضا لعشاقه ومحبيه من رواد شارع المتنبي الذي أعتادوا على وجوده في هذا الشارع الذي يعد رئته الثالثة ومكانه المفضل ، حيث يلتف حوله المعجبين من شباب وشابات كبار وصغار هذا يلتقط معه صورة وذاك يسأله وآخر يستفسر منه. ولا أعتقد أن هناك فضائية عراقية ومحلية لم تلتق بالراحل الكبير (حرب) أو تجري معه حوارا وخاصة عندما يتعلق الأمر بالدستور وبتفسير أحد فقراته وبنوده . ولا بد من الأشارة بأن الراحل طارق حرب برز من بعد سقوط النظام السابق ، فمليء الدنيا والفضائيات والأوساط الأعلامية وشغلها بتفسيراته وحله للمعاضل القانونية حيث تمكن من أن يضع حدا للأجتهاد بها من هذا وذاك. حيث كان بحق موسوعة قانونية ومعرفية وكان قوي الحجة في مجال تخصصه كرجل قانون لا يشق له غبار. وبرزت مواهبه القانونية وسطع نجمه وذلك من خلال تفسيره الدقيق لما بين سطور و فقرات وبنود الدستور العراقي الذي كتب بزمن الأحتلال الغاشم للعراق ، والذي يحتاج فعلا لرجل بقامة الراحل (طارق حرب) ليخرج الشيطان من بين بنود وفقرات ذلك الدستور المأزوم والملغوم بكل شياطين الأرض!. حتى عد الراحل الكبير (حرب) ، مرجعا قانونيا لتفسير وحل ما يستعصى فهمه وحله قانونيا ودستوريا، فعنده الخبر اليقين وعنده الحل والتفسير المنطقي والقانوني لكل معظلة قانونية. ومن المفيد أن نذكر هنا بأن الراحل (حرب) يعد شخصية عصامية حيث كافح وأجتهد لأكمال دراسته عندما كان مطوعا بالجيش العراقي وهو برتبة نائب عريف! وكان حبه وشغفه بالعلم والمعرفة دافعا له بأن يكمل دراسته الأعدادية ومن ثم الألتحاق بكلية القانون في الجامعة المستنصرية ليتخرج منها الأول على دورته وعلى كل الجامعات في العراق! ومن ثم حصل على شهادة الماجستير في القانون من جامعة بغداد ، وبعدها على شهادة الدبلوم العالي بالقانون من جامعة الأسكندرية في مصر. ولكن ومع الأسف سحبته السياسة الى مستنقعها الآسن وزج نفسه بها وهذا ما لم نكن نتمناه له! ، تلك السياسة التي توصف من قبل البعض بأنها أشبه بالعاهرة! ، وهي فعلا كذلك وعلى الذي يدخلها ويزج نفسه بها أن يتحمل تبعاتها! ، فوجد نفسه وهو يدخل معتركها الصعب وكذبها وثرثرتها ونفاقها ، حتى أضطرته أن يدافع تارة عن هذا السياسي وتارة عن ذاك لا لمصلحة أو لمكسب أو لحضوة ! بل كان يصفق ويصطف مع من ينتخبه الشعب! ، ولكن خصومه وحتى البعض من متابعيه والمعجبين به لم يفهموا ذلك بل أعتبروه نوعا من النفاق والتزلف لهذه الشخصية ولتلك العمامة! . والمعروف عن السياسة بالعراق ليس لها أصول وقواعد وذوق وفن وخاصة من بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق ، حيث أصبحت السياسة مهنة الذي لا مهنة له! لاسيما بعد أن أكتشف الجميع بأنها مهنة ممكن أن تدر على صاحبها الملايين وبالأمكان أن يصبح مليارديرا أذا أجاد فن السياسة بكل قذارتها وباطلها ودونيتها وكذبها ونفاقها! ، فصارت وكما يقال بلهجتنا الدارجة ( الكرعة وأم الشعر تحجي بالسياسة) ، ليس حبا وفهما لها ولا من أجل مصلحة الوطن والشعب بل طمعا بما ستدر عليه من نعم وخيرات وبما ستفتح له من ابواب موصدة ومن مغارات علي بابا! . والسياسة بالعراق لا تعرف سماع الرأي الآخر ولا تحترم الصوت الآخر فالصوت والرأي الآخر عند السياسيين العراقيين يعني ، العدو المبين الذي يجب أقصاءه بأية طريقة! وهذا هو جوهر المفهوم والصراع السياسي بالعراق!. ومع الأسف رغم معرفة الراحل (حرب) بكل ذلك ألا أنه سمح لنفسه أن ينجر الى الكثير من المناقشات والمهاترات والثرثرة السياسية مع هذا وذاك وعبر الفضائيات ، ووضع نفسه في كثير من الأحيان بمواقف لا يحسد عليها ولا تليق به وبشخصيته وسمعته. فالكثيرين ممن تستضيفهم الفضائيات بصفة محلل أو متابع أو ممن يمثل هذا الحزب وذلك التيار، وممن يكونون طرفا في المناقشات السياسية لا يجيدون غير الصياح والسب والشتم وتقريع الطرف الآخر وحتى ( الفشار) بكل بذاءات اللسان وهذا ما شاهدناه في عالم السياسة العراقية من بعد 18 سنة من الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق ، فغالبية من نراهم ونسمعهم ممن يتكلمون بالسياسة والتحليل هم في الحقيقة يفهمون السياسية بالعراق بأنها ليس النقاش بالحجة والدليل والوقائع بقدر ما يفهمونها بأنها ( الصياح والعياط والسب والفشار)! حتى تسكت خصمك والطرف الآخر . وحتى سياسيينا فغالبيتهم لا يفهمون ويعرفون السياسة بمفهومها الثقافي والفكري بقدر ما يفهمون بأنها تعني أقصاء الآخر سواء بالحق بالباطل وبأي وسيلة وطريقة!. وكما ذكرت آنفا ، لم يستطع الراحل (حرب) تجنب هذه المهاترات والمناقشات السياسية بل وقع ضحية للكثير منها، وتحديدا في الحلقة الأخيرة من برنامج ( الحق يقال/ الذي يقدمه الأعلامي عدنان الطائي/ من فضائية utv) ، حيث دخل الراحل (طارق حرب) في نقاش حاد مع الأعلامي (نجاح محمد علي) ، ووصل الأمر بينهما الى السب والشتم و و و حتى عانى الأعلامي عدنان الطائي مقدم البرنامج ، كثيرا في تهدأئتهم وتحديدا تهدأة الأعلامي (نجاح محمد علي) الذي أنهال بما لا يليق بالكلام على الراحل (طارق حرب) ، حتى ظن الكثيرين بأن هذه المقابلة كانت سببا في وفاته! ، فقد أثرت كثيرا على صحته لا سيما وهو قد قارب الثمانين من العمر! ، ولربما عجلت بوفاته قهرا وكمدا على ما سمعه من كلام قاسي من الأعلامي (نجاح محمد علي)!. قال الرسول العظيم محمد عليه وعلى أله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام ( رحم الله أمرأ عرف قدر نفسه) ، فالراحل الكبير (حرب) كان له قدر ومكانة كبيرة في كل الأوساط القانونية والأدبية والثقافية والتاريخية ، ولكنه عندما خرج عن تخصصه كخبير قانوني وزج نفسه بعالم السياسة أرى وقد يتفق معي الكثيرين بأنه فقد الكثير من قيمته وقدره الثقافي والفكري والمعرفي! . أخيرا نقول : مع كل ذلك يعد رحيل الخبير القانوني طارق حرب خسارة كبيرة من الصعب تعويضها ومليء فراغها . رحم الله طارق حرب وجعل الجنة مثواه.