بكربلاء اربعينية الحسين يهزمون الحسين بالسير مخذولين!

بكربلاء اربعينية الحسين يهزمون الحسين بالسير مخذولين!

كتب صفاء خلف : يخرج الحجيج الشيعة من مدنهم وقراهم إلى كربلاء، مشياً على الاقدام، تلبية لرغبة معلنة هي “الشفاعة” والقبض على “الجنة”، مأسورين بفكرة الراحة الابدية من الشقاء الدنيوي، يخطفون انفسهم من الواقع المرير إلى المتخيل السرمدي، يهربون بارواحهم المثقلة إلى خفة اداء “الواجب”، لكنهم لا يتلفتون ابداً إلى حقيقة الرجل المذبوح عطشاناً، والساعي وراء “كرامته” التي باتت معرضة للهتك.

يخرجون مشياً لإعلان الولاء السنوي للرجل الذي ثار من اجل ان لا يخضع ويكون شاهد زورٍ على عصر “انحطاط” السلطة، وتلاعبها بمصائر الناس. فيما هم -اي الماشين- لا يفكرون بـ”كرامتهم” المنزوعة من قبل السلطة، وان كانت شيعية، خرجت من مظلوميتهم، ويرون فيها طغيانا يستحق منهم “الثورة”، ولا يجدون في انفسهم العليلة بالعوز صدى لتلك الصرخة العظيمة العابرة للزمن، والآتية من صحراء الطف “هيهات منا الذلة”.
الحسين أُفرغ من قيمته الثورية التغييرية، وبات ذاك الرجل “الضعيف” الذي القت به المصائر الجائرة إلى القتل البشع، فاستحق من “الشيعة” عراقياً، النواح والندب والضرب بالزناجيل والرايات الرخيصة المستوردة من الصين الشيوعية “الكافرة” فقط، فاضحى “الحسين المنتصر” بـ”الدم” مهزوماً به.
لم يتحقق المسير السلمي المقدس في التاريخ الحديث، كمسير الشيعة إلى “الحسين” الثائر العظيم، الا مرة واحدة، عبر مسيرة الملح “الساتياجراها” السلمية التي قادها الرجل النحيف المتلفع بقماشة القطن، غاندي، ليحقق بها استقلال الهند، كحركة عصيان مدني واسعة النطاق، ارغمت المحتل البريطاني على الاعتراف بـ”الكرامة” الهندية، واستلهمها مارثن لوثر كينغ في اقرار “حقوق السود” في اميركا. لكن الشيعة لم يستثمروا مسيرتهم “العقائدية” في تحقيق “كرامتهم” يوماً.
اعتياد الاهانة يورث المهانة. ومن لا ينتفض لكرامته لا يستحق ان يكون حراً. فالحرية والكرامة شرطا تحقق الانسانية، ومن دونهما لا يكون الانسان سوى رقم مضاع في حديقة “الحيوان”. وللحرية شرط اقسى من الشعور بها، بأن نمسك الحقيقة بغض النظر عن كونها تتفق مع مصالحنا او تتعارض معها، فالمعيار هو تحقق “الكرامة”.
يخرج الحجيج “الزوار” الشيعة من مدنهم وقراهم إلى كربلاء مشياً على الاقدام، يهجرون مدنهم، قراهم، قصباتهم، وضيعاتهم، يقاسون البرد العاصف، الموت المزروع على الطريق، والمتربص بهم كـ”أعداء مذهبيين لدودين”، يسخرون أموالهم من اجل طعام وشرب، ويغالون كثيراً بفتنهم بـ”الحسين”، لكن لا احد منهم يفتتن به كـ”صيحة” كرامة وانتزاع حقوق ومكاسب، لكنهم يرون فيه “حسينهم” الخاص المضرج بالدم، والمستسلم لقدره “الالهي”، على قاعدة “ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني”.
فالدين العراقي الحسيني دينٌ، يطالب بالمعجزات، ولا يعترف الا بالاتكال على الغيب الذي لا يستجيب لرجاءاتهم المخذولة من اجل ان تنصفهم “الدولة” في الخدمات!
تعاني المدن الشيعية في العراق، كسائر المدن الاخرى المختلطة منها، والسُنية، من الاهمال الخدماتي المريع، من كفران السلطة بحقوق المواطنين، ولعل السُنة ليس في تاريخهم الموالي للسلطة ثائرٌ كـ”الحسين” نجدهم معذورين، لكن الشيعة المتورطين بالخيبة والظلم، منذ اعلانهم الولاء الاول للبيت العلوي، لا يستثمرون “الدم المقدس” المسفوح من اجلهم.
يعتقد المسيحيون ان “يسوع” مات من اجل الناس. تحمل العذاب على الصليب والاهانة المؤلمة، من اجل راحة البشر والتكفير عن خطاياهم، فكان ايقونة خلاصية.
الشيعة في ولائهم “الحسيني” يقتربون من هذا المفهوم الغنوصي، لكنهم يستعيدون عبر اللاشعور وفي عقلهم “الجمعي” التاريخي، تموز العراقي المضحي، المغدور الذي نزل إلى العالم السفلي، فيبس العالم، وذهبت البركة عنه، فيستعيدون ذكراه عبر شارع “الموكب” البابلي، معزين ونادبين، لكن روح التضحية لم تكن حاضرة في ارواحهم من اجل انفسهم. تموز العراقي ضحى من اجل ذاته. والحسين بن علي انتصر لكرامته. اما العراقيون لا تضحية تموز حفزتهم، ولا “دم الحسين” استثارهم لنصرة انفسهم على الضيم والموت اللاحق بهم.
السلطة اليوم في العراق، تغرق بفسادها، كما المدن التي تغرق بفيضانات الامطار. السلطة تهادن السراق، وتذهب الثروة الهائلة إلى العدم، فيما المدن خربة على اهلها، والموت المجاني يحصدهم، والسلطة “الشيعية” تتفرج، بل تغذي لدى “الشيعة” الشعور بالمهانة ازاء الموت، ولان العراقيين بطبعهم يعشقون “دور الضحية” نذروا انفسهم لليأس، وخرجوا إلى “الحسين” ماشين، يمرون بالمدن الخربة، يهجرون بيوتهم المتهالكة، والتي اصابها الفيض، ويزحفون في حشود بينما الموت يحصدهم، وليس فيهم من يستعيد ذاك “الحسين” المهمل، صاحب الصيحة الاثيرة ضد الظلم.
هناك من يلعب على الخروج الشيعي إلى كربلاء مشياً على الاقدام، على انه تحدٍ للقوى “الطائفية” التي تهدد العالم الشيعي بالزوال، ترسخ في اعماقهم التضليل، وان هناك اعداءً متربصين بالجوار. لكن لا احد يعمق لدى “الشيعة” الاحساس بالكرامة.
ايها السائرون إلى “الحسين”، لستم مأجورين بشيء من “شفاعته” حسب ايمانكم، ما لم تحولوا المسيرة السلمية العظيمة إلى انتفاضة حقيقية ضد السلطة التي تنهب اموالكم، وتخرّب مدنكم، وتترككم ترزحون تحت خط الفقر المدقع، فجلّ من يخرجون، محبطون، لا بصيص امل في ارواحهم، اكل الخوف والعوز منها الكثير، فيما جيل جديد لم يفتح عينه سوى على الحروب والخراب، يخرج لتنفيس غضبه، واحباطه، يتسلى كذباً بان للرجل الراقد بسلام في قبره، سيحقق احلامه في الرخاء والعمل والرفاهية.
عليكم ان تعوا جيداً ان “الحسين” لم يخرج لتندبوه، بل لتتعلموا كيف تدافعون عن كرامتكم، وعيشكم. انكم تهزمون “الحسين” بالسير مخذولين إلى كربلاء! اجعلوا من مسيرة “المشي” انتفاضة حقيقية للتغيير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة