وكالات – كتابات :
من خلال مساعدة “إثيوبيا” في صراعها القائم مع “قوات دفاع تيغراي”، التي تُمثِّل أقلية “تيغراي” العِرقية، تُحافظ “إيران” على ما يُسمَّى بعُمقها الإستراتيجي في المنطقة.
نشر معهد (الشرق الأوسط) الأميركي تقريرًا؛ لـ”بانفشه كينوش”، الباحثة في الشؤون الخارجية والزميلة في “المعهد الدولي” للدراسات الإيرانية، تناولت فيه مصالح “إيران” في “إثيوبيا”، والأمور التي تجعلها حريصةً على دعم الدولة الإثيوبية في مواجهة المتمردين في “تيغراي”.
العُمق الإستراتيجي الإيراني..
تستهل الكاتبة تقريرها بالقول إن؛ “إثيوبيا” بوابة “إيران” إلى القرن الإفريقي ومنطقة “شرق إفريقيا”، ومن خلال مساعدة “إثيوبيا” في صراعها القائم ضد “قوات دفاع تيغراي”، التي تُمثل أقلية “تيغراي” العِرقية، تُحافظ “إيران” على ما يُسمَّى بعُمقها الإستراتيجي في المنطقة لتعزيز نفوذها، وهذا الأمر يُمكِّن “إيران” من إبراز قوتها في القارات البعيدة، والانخراط في مناورات جيوسياسية في “إفريقيا”، بينما تحتوي خصومها والقوى المنافسة لها في الوقت نفسه.
وفيما يتعلق بـ”إيران”، ونظرًا لموجات الاضطرابات السياسية الأخيرة في البلدان الإفريقية، مثل: “تونس والسودان وجنوب إفريقيا”، حيث كانت تتمتع بنفوذٍ في السابق، ربما يكون للصراع في “إثيوبيا” علاقة بالسلوك الودود لرئيس الوزراء؛ “آبي أحمد”، تجاه “إيران”. ومنذ عام 2018، دافع البَلدان عن البرنامج النووي الإيراني والتدخل السياسي غير العسكري لإنهاء الصراع في “اليمن”، ومما شجَّع رئيسَ الوزراء؛ “آبي أحمد”، على التوجه نحو دول أبعد وأكثر صداقة مثل: “إيران”؛ هو عزلة “إثيوبيا” النسبية عن المبادرات السياسية والبحرية والأمنية التي تقودها الدول المُطلة على “البحر الأحمر”: “مصر والسعودية والسودان وجيبوتي وإريتريا”، بالإضافة إلى خلافات “أديس آبابا” مع الدول المجاورة مثل: “السودان”.
“واشنطن” ونواياها غير الموثوقة..
تُلفت “كينوش” أيضًا إلى أن “إيران” حاولت التعاون مع؛ “آبي أحمد”، في تحدياتٍ مشتركة أخرى؛ بما فيها نتائج الحروب الأهلية والمسلحة في “السودان والصومال”، ولتحقيق هذه الأهداف، شجَّعت “إيران”؛ “إثيوبيا”، على استخدام خبرة “طهران” في مكافحة الإرهاب.
والأهم من ذلك، حاولت “إيران” بناء ممرات للنفوذ في منطقة الصراع الإثيوبي في “تيغراي”، حيث تتعرَّض المصالح الأميركية للخطر، و”إثيوبيا” الآن، التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها شريك لـ”الولايات المتحدة”، تحذِّر “واشنطن” من المطالبة بوقف الصراع مع “قوات دفاع تيغراي”، ذلك الصراع الذي اندلع؛ في تشرين ثان/نوفمبر 2020، بعد تعرَّض قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية لهجوم شنَّته “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، واستولت بعد ذلك على عاصمة منطقة “تيغراي”، “ميكيلي”.
كما رفضت “إثيوبيا” محاولات “الولايات المتحدة” إيصال مساعدات إنسانية إلى “تيغراي”؛ بحجة أنها لا تثق في نوايا “واشنطن”، ومن شأن هذا تهيئة الفرصة لـ”إيران” لجذب “إثيوبيا” إلى دائرة نفوذها، وربما يُشجِّع “طهران” على قيادة عملياتها الخاصة ضد المتطرفين؛ مثل (القاعدة) و(داعش) و”حركة الشباب الإسلامية”.
تراجع إسرائيلي وفرصة تمدد إيرانية..
توضح “كينوش”؛ أن “طهران” تحتاج أيضًا إلى قوات الأمن الإثيوبية للوقوف إلى جانبها في مواجهة الروابط التاريخية القوية لـ”إسرائيل” مع الدولة الإفريقية، وبصفتها مورِّدَ أسلحةٍ لـ”إثيوبيا”، ذُكر أن “إسرائيل” رفضت طلبات من “أديس آبابا” بتزويدها بطائرات (كاميكازي) المُسيَّرة؛ ووفقًا لمصادر إخبارية في “إيران”؛ ونقلًا عن موقع المخابرات الإسرائيلية؛ (ديبكا)، أجرت “إسرائيل” اتصالاتٍ سابقة مع “تيغراي”.
وإذا كان هذا صحيحًا، فقد ترى “إيران” فرصة لعرض معداتها العسكرية على حكومة “إثيوبيا”، وهذا على الرغم من حقيقة أن الصراع العِرقي المُعقَّد مع “تيغراي”، قد يجعل من الصعب على “إيران” لعب دور مهم بوصفها فاعلًا بعيدًا.
ولكن من خلال تأمين وجود لها في الصراع الإثيوبي القائم مسبقًا مع “قوات دفاع تيغراي”، يمكن لـ”إيران” أن تُبرز بوصفها شريكًا بديلًا للحكومة الإثيوبية المحاصرة؛ فيما تقول “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”؛ إن “إيران” تُزيد من حدة الصراع بتقديمها المساعدة للحكومة الإثيوبية.
وربما تكون زيادة استخدام الطائرات المُسيَّرة التي قدمتها “إسرائيل” في “إفريقيا” أحد الأسباب التي دفعت “إيران” إلى إنشاء ممرات جوية إلى “إثيوبيا” لمساعدتها في الصراع وتزويدها بطائرتها المُسيَّرة الخاصة، وترفض حكومة “إثيوبيا” التقارير التي تُفيد أنها تلقت هذه الطائرات، ولكن الطائرة المُسيَّرة الإيرانية، (مهاجر-6)، ظهرت في مقطع فيديو يصوِّر رئيس الوزراء؛ “آبي أحمد”، في “مطار سيميرا” في منطقة “عفار”؛ بالقرب من “تيغراي”؛ في أوائل آب/أغسطس 2021، بعد أن استولت “قوات دفاع تيغراي” على “ميكيلي” وتعهدت بالاستيلاء على “أديس آبابا”.
سوق أسلحة لـ”إيران” في إفريقيا !
تُشير الكاتبة إلى أنه بإمكان “إيران” التفكير في بيع أسلحة لـ”إثيوبيا”؛ بعد أن خفَّفت “الأمم المتحدة” القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة الإيرانية؛ في تشرين أول/أكتوبر 2020، بموجب قرار “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة” رقم: (2231)، وكانت مصادر إخبارية مقرَّبة من (الحرس الثوري) الإيراني قد أكدت أنه إذا تمكنت الطائرات المُسيَّرة الإيرانية من المساعدة في قمع تمرد “تيغراي”، فإن هذا النجاح سيجذب العملاء لبيع الأسلحة الإيرانية في أسواق أسلحة إفريقيا المربحة.
ومن الواضح أن “إثيوبيا” الآن جزءٌ من مسرح أكبر يُعد لعرض القوة الإيرانية خارج حدودها، ولم تؤكد “إيران” هل أرسلت طائرات مُسيَّرة إلى “إثيوبيا” أم لا، لكن وكالة أنباء (تسنيم)؛ التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، تقول إن طائرة (مهاجر-6)، التي رُصدت في الدولة الإفريقية تُشبه الطائرات المُسيَّرة التي سلَّمتها “إيران” لـ (الحشد الشعبي) في “العراق”، وتلك التي بعثتها إلى “فنزويلا”، وتُعد الطائرات المٌسيَّرة رخيصة الثمن وسهلة التشغيل، ويمكن تزويدها بصاروخ أو قنبلة مثل صاروخ: (Ghaem) أو (Sadid) الإيرانية الصنع، كما أنها مزودة بأنظمة (Tiam and Taha 1400) للمراقبة والاعتراض، وتُنتج “شركة صناعات القدس الجوية” كميات كبيرة منها.
أهداف تجارية لا تقل أهمية..
وأهداف “إيران” الأخرى؛ في “إثيوبيا”، كبيرة تمامًا كأهدافها الأمنية، إذ تُريد “طهران” تعزيز تجارتها في أسواق إفريقيا المستقبلية، ومن خلال خط السكك الحديدية القاري في “شرق إفريقيا”، وبوصفها أسرع الاقتصادات نموًّا في “إفريقيا” في السنوات الأخيرة، تُريد “إثيوبيا” الحفاظ على “إيران” بوصفها ثالث أكبر سوق لها في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه تبقى “إثيوبيا” هي الوجهة الأولى للصادرات الإيرانية من السلع والخدمات.
وفي الأشهر العشرة الأولى؛ من عام 2018، صدَّرت “إثيوبيا” ما يقرب من: 31 مليون دولار من المنتجات إلى “إيران”. وفي عام 2017، بلغ رقم الصادرات الإثيوبية إلى “إيران”: 50 مليون دولار، في حين بلغ إجمالي الصادرات الإيرانية إلى “إثيوبيا” حوالي: 12 مليون دولار، وفي حين أن الأرقام تبدو متواضعة، إلا أنها مثلت جزءًا كبيرًا من صادرات “إيران” إلى “إفريقيا”؛ التي تُقدر بنحو: 300 مليون دولار.
وترغب “إيران” أيضًا في حماية تأثير قوتها الناعمة في “الاتحاد الإفريقي”، ومقره “أديس آبابا”، فضلًا عن حماية الاتفاقية الثقافية طويلة الأمد مع “إثيوبيا” السارية؛ منذ 1989، والتي تُروِّج للإسلام الشيعي في الدولة الإفريقية، بحسب التحليل، وبعد وقت قصير من اندلاع الصراع الإثيوبي، كانت “إيران” تجري محادثاتٍ دينية في البلاد.
وتختم الكاتبة بالقول: ومن الآن فصاعدًا، سيظل تقدم النفوذ الإيراني في “إثيوبيا” مشروطًا جزئيًّا بإحراز تقدم حقيقي في علاقتها مع “أديس آبابا”، وإلى أي مدى يمكن للبلدين عرقلة جهود القوى المنافسة لإحتوائهما، ويُشير هذا إلى أن نفوذ “إيران” الأمني في الدولة الإفريقية، ربما سيستمر في النمو طالما بقي الصراع مع التيغرانيين دون حلٍ.