ما هو محل الاجتهاد إن لم يكن اجتهادا مع النص ؟ وما هي حدود حجية الإجماع ؟

ما هو محل الاجتهاد إن لم يكن اجتهادا مع النص ؟ وما هي حدود حجية الإجماع ؟

بقلم محمد مختار ( باحث وكاتب )

يقع بعض المسلمين في حيرة حين تظهر لهم مسائل فقهية تحتاج إلى إعادة نظر في الحكم الشرعي لها ويكون قد صدر حولها إجماع من قبل، فهل هناك حالات يمكن فيها للمسلمين استنباط أحكام جديدة تخالف الأحكام التي أجمع عليها فقهاء المسلمين ؟ وهل هناك حالات يجوز فيها مخالفة الإجماع ؟ وهل الإجماع قاصر على عصر الصحابة فقط؟ حول هذه الأسئلة ذهبت كل مؤسسات الافتاء في العالم الاسلامي  إلى أن الإجماع هو اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة نبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عصرٍ على أي أمرٍ كان . بل أن دار الإفتاء المصرية أن الإجماع هو الضابط لهوية دين الإسلام، إذ يحافظ على ما اتفق عليه المسلمون من الثوابت التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان، وتنبع الحاجة إليه من الحاجة إلى قطع دابر التحريف في الدين بتحويل الظني إلى قطعي لا يقبل المنازعة فيه. واعتبرت دار الإفتاء المصرية أن معنى حجية الإجماع: أنه يجب على كل مكلف الأخذ به، والعمل بموجبه، واعتقاد أن الحكم المجمع عليه حق لا يجوز مخالفته، ولا إعادة الاجتهاد في مستنده.

وحول مزاعم بعض المذاهب من أن الإجماع مختص بعصر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كما هو مذهب الظاهرية. قالت أمانة الفتوى في دار الإفتاء المصرية إن القول مردود؛ لأن الأدلة التي استند إليها علماء الأصول في إثبات حجية الإجماع متناولة بعمومها لأهل كل عصر؛ عصر الصحابة، وعصر التابعين، وهكذا، فيكون قصر الإجماع على عصر الصحابة فقط تخصيصا بلا مخصص، وهذا لا يصح، فإن أهل الحق في كل عصر، وليس فقط في عصر الصحابة. وذهبت دار الإفتاء المصرية إلى أنه متى ثبت الإجماع فهو حجة شرعية ، ملزمة لجميع المسلمين ، ولا يجوز لأحد الخروج عنه بدعوى الاجتهاد أو بغير ذلك من الدعاوى . واستشهدت دار الإفتاء المصرية في ذلك إلى ما ذهب له الإمام السرخسي من أن :”الإجماع موجب للعلم قطعاً بمنزلة النص ، فكما لا يجوز ترك العمل بالنص باعتبار رأي يعترض له : لا يجوز مخالفة الإجماع برأي يعترض له بعدما انعقد الإجماع بدليله

وقد ذهبت كل دور الافتاء في العالم الاسلامي بلواتفق الفقهاء على أنه لا اجتهاد مع النص. ولكن إذا لم يجتهد المسلمون مع النص فما هو محل الاجتهاد؟ وإذا لم يكن النص محلا للاجتهاد فما معنى الاجتهاد وفي أي شئ يدور حوله اجتهاد المجتهدين؟ وهل هناك اجتهاد إلا مع النص؟ وهل هناك في الأثر الشريف ما يؤكد مقولة أنه لا اجتهاد مع النص؟ وهل هناك من بين أمور المسلمين ما لم ينزل فيها نص فيجوز في هذه الأمور الاجتهاد دون غيرها؟ أم أن العكس هو الصحيح وأنه قد جاء في الأثر الشريف أنه هناك مجالا للاجتهاد ولم يحدد هذا الاجتهاد بوجود نص من عدم؟ جاء في الحديث الشريف عن أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. فكيف سيجدد هذا المجتهد الدين بدون الاجتهاد مع النص؟ وهل المولى سبحانه وتعالي أكل للمسلمين الدين أم أكمل لهم الدنيا ؟

يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة المائدة : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : هذه أكبر نعم الله عز وجل ، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ; ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف .

وفي الحديث النبوي الشريف عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل، فقال: (لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصًا) – تمرًا رديئًا – فمر بهم، فقال: (ما لنخلكم؟)، قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم )، وهو الحديث الذي يمكن أن نحمله على أن شؤون الدنيا متغيرة والمصالح فيها مرسلة يمكن الاجتهاد حولها وأن ما جاء في الاية الكريمة بقوله تعالى :” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ” أن الذي كمل هو الدين وأن الدنيا بطبيعة خلقها منقوصة ومتغيرة لا يمكن أن يتوقف الإنسان فيها عن الاجتهاد في شوؤن معيشته ودنياه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة