اوضحت الهيئة القضائية للانتخابات في محكمة التمييز الاتحادية بان المعيار الاساسي لإبعاد المرشح من المشاركة في الانتخابات أن تكون الجريمة المحكوم عنها من (الجرائم المخلة بالشرف) وهذه الجرائم محددة بموجب إحكام المادة (٢١ / ٦) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ وهي (السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانه والإحتيال والرشوة وهتك العرض) إضافة الى جرائم اخرى وصفت بانها مخلة بالشرف بصدور قرارت تشريعية) ولايمكن اعتبار جريمة معينة مخلة بالشرف الا اذا ورد بخصوصها نص تشريعي،وفيما عدا ذلك تعتبر جرائم عادية لا يجوز قانوناً استبعاد من صدر بحقة حكم بموجبها من المشاركة بالانتخابات..
ونحن لانؤيد ولانتفق مع ماجاءت به محكمة التمييز للأسباب التالية:-
١- ان الجرائم المخلة بالشرف لم تحدد في المادة (٢١/ ٦) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩-اي لم ترد على سبيل الحصر وانما وردت على سبيل المثال لاستعمال المشرع حرف الكاف(كالسرقة والاختلاس…) وحرف الكاف حرف له عدة معاني وهنا جاء للتشبيه كما في قوله تعالى ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة) وقول الشاعر انتِ كالوردة لمساً وشذا-جادها الغيثُ على غُصن نَضر.وهو مافعله المشرع العراقي في المادة (٧٧) من قانون العقوبات العسكري ذي الرقم ١٩ لسنة ٢٠٠٧ اذا استعمل التشبيه بحرف الكاف واضاف بعض الجرائم اذا نصت(كل من ارتكب جريمة مخلة بالشرف كالتزوير والاختلاس والسرقة وخيانة الامانة والنصب والاحتيال وشهادة الزور واليمين الكاذبة والرشوة واللواط والمواقعة سواء كان فاعلاً ام مفعولاً به او وسيطاً يحكم عليه باسقاط جميع الحقوق التي اكتسبها كونه طالباً في المدارس العسكرية وبحرمانه من حق دخول تلك المدارس) وهذا مايؤيده القاضي الدكتور حيدر علي نوري بمقاله على موقع مجلس القضاء الأعلى بتاريخ ٨ / ٣ /٢٠٢٠ من ان هذه الجرائم وردت على سبيل المثال لا الحصر في ق ع ع وان للقاضي سلطة مطلقة في تقدير جرائم عادية بأنها مخلة بالشرف .
٢- لقد تضمن قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ جرائم مخلة بالشرف غير المادة ( ٢١ / ٦) كجرائم التخريب الاقتصادي بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم ٦٠٩ لسنة ١٩٨٧. كالمواد المنصوص عليها في الجرائم الماسة بأمن الدولة..
٣- ان مجلس القضاء الأعلى سبق وان اعتبر (الدگة العشائرية) جريمة مخلة بالشرف بعد ان تم تكييفها وفق قانون مكافحة الإرهاب النافذ رغم عدم وجود نص تشريعي.
٤- ان المشرع العراقي لم يعرف الجريمة المخلة بالشرف ولم يبين المقصود بها بقدر ماتطرق اليه ديوان التدوين القانوني في قراراته ونذكر منها للاستئناس :
اولاً – فتواه ذي الرقم أ ج ١/ ٣٢١ في ٢٣/ ٩/ ١٩٦٢موضحاً ماياتي:
آ- تعريف الجريمة المخلة بالشرف : وهي التي تخل باعتبار وسمعة مرتكبها في الهيئة الاجتماعية وتجعله منبوذاً من مواطنيه.
ب- من الجرائم المخلة بالشرف ماساقها قانون الخدمة المدنية رقم ٢٤ لسنة ١٩٦٠ على سبيل المثال في الفقرة (٤) من المادة (٧) وهي جرائم السرقة والاختلاس والتزوير والاحتيال ومافي نحوها كجرائم خيانة الامانة والرشوة وغيرها.
ج- كذلك تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف الجرائم المتعلقة بالآداب والأخلاق العامة المنصوص عليها في الباب (٢٣) من القانون المذكور.
ثانياً- وبين في فتواه ذي الرقم أ ح ١ / ٣٢١ في ٢٠/ ١٢ / ١٩٦٥ بنصها الآتي( لم يعرف قانون رد الاعتبار الجريمة المخلة بالشرف ولم يعين الجهة التي تقررها رغم انه عرف الجريمة السياسية وعين الجهة التي تقررها ، كما ان القوانين الاخرى التي ذكرت الجرائم المخلة بالشرف في نصوصها كقانون الانضباط وقانون الخدمة المدنية وقانون انتخاب النواب وقانون ادارة الالوية وقانون الجمعيات وغيرها لم تضع تعريفاً لها ، وانما اكتفت بضرب الامثلة عليها ببعض الجرائم كالتزوير والاختلاس وخيانة الامانة والرشوة لا على سبيل الحصر وانما لبيان الجرائم المخلة بالشرف.لذلك يمكن القول بأنها الجرائم التي تدل على سوء سلوك مرتكبها وتكشف عن استهتارة بالمثل العليا والأخلاق الحميدة بحيث توجب احتقاره وتفقده احترام الناس وتجعله بعيداً عن ان يكون موضع ثقتهم .ولما كانت الفقرة ج من المادة الرابعة من قانون تقاعد الشرطة والأمن رقم ١٤ لسنة ٦٤ قد أعتبرت التزوير والسرقة والأختلاس والرشوة وخيانة الأمانة وغيرها من الجرائم المخلة بالشرف، فان عبارة (غيرها) الواردة في تلك المادة تعني أن الجرائم المخلة بالشرف لاتقتصر على الجرائم المذكورة فقط، وانما تشمل الجرائم التي تماثلها وتشابهها، فعليه تعتبر جريمة شهادة الزور امام المحاكم المنصوص عليها في المادة (١٤٥) ق ع ب وجريمة استعمال وثائق مزورة امام المحاكم المنصوص عليها في المادة (١٥٥) ق ع ب من الجرائم المخلة بالشرف ، لأنها لاتخرج عن كونها صورة من صور التزوير تدمغ مرتكبها بسوء السلوك وتجعله بعيداً عن الثقة.)
ومما تقدم نستنتج ان الجرائم المخلة بالشرف لم ينص عليها المشرع على سبيل الحصر وانما نص عليها على سبيل المثال وترك للمحكمة ان تقيس على ذلك وتعتبر من الجرائم العادية جرائم مخلة بالشرف حسب استنتاجها والظروف المحيطة بها وبالمتهم لان العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالالفاظ والمباني فليس من العدل والانصاف ان جريمة الزنا او اللواط او الاغتصاب او تزييف العملة او تعاطي المخدرات والاتجار بها والقتل بدافع دنيء وامثالهم هي جرائم غير مخلة بالشرف بل ان هناك من اساتذتنا من له راي اكثر من ذلك عندما يذكر انه يفترض ان جميع الجرائم العمدية هي مخلة بالشرف .
ولو وجهنا سهام النقد والعتب الى المشرع العراقي وهو سبب موضوعنا فاننا نستغرب كل الاستغراب عن سبب الغاؤه قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم ٦١ لسنة ١٩٨٨ بالقانون رقم ٤٤ لسنة ٢٠٠٧، الذي كان يعتبر الهروب من الخدمة العسكرية جريمة مخلة بالشرف، وسبب استغرابنا هو ان الوطن ملك لجميع ابناءه وليس ملك لحكومة سابقة بعينها او شخص بعينه والدفاع عن الوطن واجب مقدس في زماننا هذا ايضاً وفي المستقبل ومن المصلحة ان تبقى جريمة الهروب من الخدمة العسكرية جريمة مخلة بالشرف وعلى اقل تقدير ولو في حالة الحرب لان هذا يؤثر على مكانة وسمعة بلدنا بين البلدان.
وعليه كان على محكمة التمييز الاتحادية ان توسع من مفهوم الجرائم المخلة بالشرف لان ماذهبت اليه لايتفق مع السياسة الجنائية في مكافحة الفساد لاسيما وان بلدنا العزيز ومع تجربة الانتخابات البرلمانية قد فقد آلاف المليارات قبل ان يصنف بالمراتب الاخيرة دولياً فيما يخص الفساد، وعليه نقترح على المشرع العراقي تحديد الإطار العام للجرائم المخلة بالشرف والتشديد عليها ويترك التكييف والتطبيق للمحاكم ، ولمحكمة التمييز الرقابة على التكييف..