الجزء الثاني
مضت ايام وهي تستحي او تخجل من هكذا طلب كونهم مازالوا متأثرين ببعض عادات وتقاليد الريف في القرية التي تمنع المرأة من التعلم او العمل في حينها.. ولكنها تشجعت وابلغته بذلك فقال لها اننا لن ارفض لك طلب ولكنني اخاف على صحتك وخاصة النظر ومع هذا هذه ثلاثة دنانير يمكنك توصية ابنة جيراننا لشراء ماكنة خياطة مناسبة لك.. فرحت ام عماد لذلك لسببين اولهما محبة زوجها لها والثاني انها سوف تساعده في جمع مبلغ مالي معين لحالات الطوارئ…
وبعد يومان اوثلاثة استلمت ام عماد ماكنة الخياطة الجديدة وبدأت تتعلم عليها تدريجياً وماهي الا اسابيع قليلة وبعد ان تزوجت ابنة جيرانهم حتى فرغت المنطقة من وجود خياطة وكانت النساء في ذلك الوقت يعتمدون كليا على خياطة الملابس لانه لم يوجد هناك شيء اسمه ملابس مستورد فالتجار يستوردون القماش فقط والنساء يذهبن الى بائع القماش ويسمى بزاز فيشترن ما يحتاجون منه وبعدها يذهبن الى اقرب امرأة خياطة في منطقة سكناهم…
اكتسبت ام عماد شهرة واسعة في منطقة سكناها ولترتيبها وتعلمها انواع الفصالات والموديلات تعدت شهرتها منطقة محلت سكنها وادي حجر وقامت تأتيها النساء من كل احياء المدينة واصبحت من القلائل المشهورات في هذا المجال وكانت ابنتها التي تجاوزت سن التاسعة من العمر هي المساعد لها وبما ان راتب ابوعماد مع وارد الخياطة اصبح جيد قرروا استئجار بيت مستقل لهم وبنفس المنطقة لأنها قريبة على عمل الزوج ومدرسة الابن….
مرت الايام والسنين وعماد عبر الصفوف الاولى الثلاث وهو الان في الصف الرابع الابتدائي وهنا حصلت له قصة لا يمكن نسيانها عندما قام احد المعلمين بأسئلة الطلاب عن مستقبلهم وماذا يرغبون لكن هذا المعلم تبدوا عليه ملامح العنصرية ويميز دوما بين طلابه ابناء الريف القرويين وبين ابناء المدينة المتأثرين بالوقع الحضري فعندما وصل الدور الى عماد سأله ماذا يعمل والداك وببراءة الطفولة قال له ان ابي عامل في معمل النسيج ووالدتي خياطة فضحك هذا المعلم وقال ماذا يتمنى ابن الخياطة ان يكون في المستقبل غير انه يتعلم القراءة والكتابة فقط ثم يترك المدرسة ليبحث عن مهنة خدمية اخرى فضحك جميع الطلاب واعتبرها عماد استهزاءه به…
وبعد مدة قامت ام عماد بإبلاغ زوجها بانها استطاعت توفير مبلغ الف وخمسمائة دينار من راتب ابوعماد ومجهودها في عمل الخياطة وقرروا شراء منزل جديد لهم فساعدهم مختار المحلة وجيرانهم الطيبين بذلك واشتروا لهم منزل مساحته ثلاثمائة متر في اطراف الحي وكان منزل كبير فيه اكثر من ستة غرف ورغم بناءه بالطريقة الشرقية الا انه متكامل ومريح جدا خاصة ان اغلب اقاربهم من القرية اصبحوا يزورنهم عندما يأتون لحاجاتهم الضرورية الى المدينة…
وفي لحظة فراغ فكرت ام عماد بعائلتها وكيف اذا تزوجت ابنتها بعد سنوات وليس لديها سوى ولد واحد وبهذا تكون بحاجة الى الانجاب فاستشارت احد نساء الجيران وهي من اقاربهم ايضا ان ترشدها بمعرفتها الى طبيبة نسائية تخصصية في هذا المجال فأشارت عليها الى طبيبة مشهورة تقع عيادتها وسط المدينة في منطقة اسمها السرجخانة او شارع نينوى وهذه المنطقة تعتبر تجارية مهمة وفيها عيادات اطباء وصيدليات كثيرة ويقصدها اهالي المحافظة من كل الاقضية والنواحي والقرى الاخرى.. قامت ام عماد باستشارة زوجها ووافق فوراً رغم قناعته بان المال والبنون هي من ارزاق رب العالمين…
راجعت تلك الطبيبة وكتبت لها وصفة علاجية ومع مرور الوقت وهب الله سبحانه وتعالى لعائلة السيد صالح ابنتان وولد اضافة للابن الكبير عماد وابنتهما البكر…
مرت الايام والسنين وابوعماد عامل في معمل النسيج ونتيجة لخدمته الطويلة التي تجاوزت العشرين سنة قررت الدولة تمليكه دار سكنية في منطقة المنصور القريبة من عمله فقام ببيعه وبيع داره التي يمتلكها منذ سنوات عديدة ومع ما توفر له من مبلغ تم شراء دار في منطقة سكنية اخرى تكون اسعار العقارات فيها مرتفعة بعض الشيء لأنها تعتبر من المناطق الراقية.. انهى عماد دراسته الثانوية بتفوق وبمعدل عالي جدا وتم قبوله في كلية الهندسة في جامعة الموصل.. ولكن الظروف المحيطة به اصبحت صعبة جدا وخاصة التغيرات الدولية التي فرضت نفسها على المواطن البسيط بعد ما قرر مجلس الامن الدولي وبأوامر امريكية فرض حصار جائر على العراق وكان هذا القرار المخزي وصمة عار في تاريخ الهيئة العامة للأمم المتحدة ويعتبر قرار جائر يندي له الجبين كونه يحارب شعب بأكمله بسلاح الفقر والجوع واصبح الموظف والعامل لا يستطيع سد رمق عائلته براتبه الموجود وبما ان عائلة ابوعماد اصبحوا اربعة ابناء والابوين بعد زواج ابنتهما الكبرى ولكن هؤلاء الابناء بحاجة الى مصروف يومي اضافة للمأكل والملبس والمشرب لانهم جميعا طلاب مدارس وفي مراحل مختلفة..