كثيرا مانتسائل عن اسباب ابداع العرب وتفوقهم في الدول الغربية اكثر من اولئك العاملين داخل اوطانهم .
يعزو البعض ذلك الى الاستبداد وفقدان حرية العمل والكلمة والبعض الاخر يعتقد بان التخلف والعادات الاجتماعية هي السبب وراء هذه الظاهرة .
ولكنهم ينسون اهمية النظام المتماسك والتنظيم العلمي لمؤسسات الدولة والمجتمع .
اننا في البلدان العربية نفتقد النظام والتنظيم في حياتنا واعمالنا ، وقد ثبت علميا ان التفوق والابداع لا يتعلق بالموهبة فقط ، بل ان هناك عوامل اخرى لاتقل اهمية عن النبوغ الفردي ، وقد ركز الباحثون على الدور المهم الذي تلعبه التأثيرات الاجتماعية والتنظيمية التي يمكن أن تسهل أو تحد من الإنجاز الإبداعي للأفراد .
فالتنظيم العلمي الرصين لمؤسسات الدولة والمنظمات الاجتماعية وهيئات البحث يعد من اوليات العمل الابداعي على المستوين الجماعي والفردي ، حيث يعمل كل شخص على وفق مهام محددة ضمن حلقات مترابطة من العمل الجماعي . وهذا الشكل من التنظيم يوفر الحوافز اللازمة للخلق والابداع من خلال الالتزام التام بتعليمات وضوابط العمل . ولذلك فان النظام الدقيق المبني على اسس علمية هو الذي يخلق اجواء التفوق والابداع .
وهذا مانجده في الدول المتقدمة . اما في الدول المتخلفة او النامية فلا نجد مثل هذا النظام المحكم ، بل غالبا مايتم العمل على وفق الاهواء والاجتهادات الشخصية البعيدة عن الضوابط والمعايير العلمية المحددة سلفا”.
ان الارتباط بمؤسسة رصينة وكفوءة يعطي الشعور بالثقة والتفوق وبالتالي النجاح الفردي والجماعي ، وعليه فان التنظيم الجيد المبني على وصف دقيق للوظائف هو اساس التميز والابداع .
في الانظمة الديكتاتورية يقوم الخوف مقام التنظيم العلمي في تسيير العمل ، واذا ماصاحبه حوافز مادية يمكن ان نلاحظ بعض الانجازات على المستوى الفردي ، الا انها لاترقى الى مستوى الطموح لخلق قاعدة رصينة من الابداع والتفوق المستدام .
غالبًا ما يكون التنظيم العلمي المتقدم هو المناخ الداعم للابتكار والابداع .
لقد اصبحت الاختراعات والإبتكارات الفردية والجماعية الثروة الحقيقية لعالم اليوم وهي اساس التقدم والتطور .
ولذلك نجد أتساع الفجوة الحضارية بين الدول المتقدمة والعالم العربي . ويتضح ذلك من خلال مؤشر الابتكار العالمي الذي ينشره المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال ، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية ، وفيما عدا دولة الإمارات العربيّة التي حلت في المرتبة 38 عالمياً والاولى عربيا على الترتيب العام لهذا المؤشر. فان قطر جاءت في المرتبة 49 والمملكة العربية السعودية في المرتبة 55، والكويت المرتبة 56، والبحرين المرتبة 66 ، والمغرب المرتبة 72، وتونس المرتبة 74 ، وعُمان المرتبة 77 ولبنان المرتبة 81، والأردن المرتبة 83 من مجموع المرتبات البالغة 130 دولة ، في حين تذيّل العراق والسودان واليمن القائمة .
واضافة الى ماذكرناه أعلاه من غياب التنظيم العلمي الرصين ، فإن مانشاهده الان من التسلط الديني والتطرف وفقدان الحرية والاستقرار في العالم العربي قد تسبب بهجرة الكثير من المبدعين العرب . حيث اصبحت البيئة العربية الحالية طاردة للمبدعين والمبتكرين العرب .
ان طريق التغلب على هذا المأزق يحتاج الى جهود جماعية مكثفة لنزع ثياب التخلف ومايرافقها من روح التعصب المبني على الجهل المطبق والتغيير الكبير في سلوك الإنسان العربي الحالي .
وان هذه المهمة التي تبدو صعبة المنال يمكن تحقيقها اذا ماعلمنا بان الانسان العربي قادر على التنمية والارتقاء ، وله تاريخ طويل من الحضارة والابداع ، وهو بحاجة فقط الى النهج التنويري العقلاني لاحداث نقلة نوعية لتجاوز الأفكار القبلية الموروثة والمسؤولة عن التخلف وصولا الى الاصلاح الشامل على المستوى الفكري والثقافي والعلمي .