18 ديسمبر، 2024 9:11 م

جمال عبد الناصر الحقيقة والوهم

جمال عبد الناصر الحقيقة والوهم

في عصر يوم 28 أيلول سبتمبر 1970 ، رحل جمال عبد الناصر ، إثر سكتة قلبية ، عن 52 عاما ( 53 عاما الا ثلاثة اشهر ونصف الشهر ) ٠ فهو من مواليد ١٥ كانون الثاني يناير ١٩١٨ ٠ وجرى لجنازته اكبر تشييع في التاريخ العربي او في تاريخ العالم، وكتب محمد حسنين هيكل على ضريحه : رجل عاش لامته اكثر مما عاش لنفسه ٠
وقد تعرض الرجل بعد وفاته لحملة تشويه واسعة ، وصار من الطبيعي ان يتم حشره مع عتاة الطغاة العرب : صدام والقذافي ٠٠٠ الخ ، مع انه ابعد ما يكون عن جرائمهم وفسادهم وخياناتهم ولا عقلانيتهم ، ولا أثر للعائلة او العشيرة او الطائفة في نظامه ٠ ولم يتدخل اولاده او اخوانه في اي شأن يخص الدولة ، ولم يحصلوا على اي امتياز ٠
اعدم جمال عبد الناصر في كل سنوات حكمه ٩ أشخاص فقط – وانا هنا أصف الاشياء ولا ابررها – وكلهم من الاخوان المسلمين ، ستة منهم بتهمة محاولة اغتياله – عام ١٩٥٤ – في منشية البكري ٠ وينكر الاخوان اي علاقة لهم بهذه العملية ويعتبرونها مسرحية من صنع عبد الناصر نفسه ، لكن الشيخ يوسف القرضاوي – احد قياداتهم – ينسبها لاحدى خلايا الاخوان والتي قامت بها دون علم قيادة الاخوان ( ابن القرية والكتاب ج٢ ص ٩٠ ) ثم يعود ويشكك بها ويحاول اثبات وجهة نظر الاخوان عنها ٠
اما الثلاثة الاخرون الذين اعدمهم عبد الناصر – عام ١٩٦٦ – فهم سيد قطب واثنان من قادة الاخوان والذين كانوا يخططون لقتل جمال عبد الناصر وقلب نظامه ( فريد عبد الخالق ( احد قادة الاخوان ) – شاهد على العصر – الحلقة ١٤ ) ٠ المفارقة ان سيد قطب ، وعندما كان مؤيدا لانقلاب عبد الناصر ومستشارا له ، وحين حدث اضراب عمال كفر الدوار – في ١٢ اغسطس ١٩٥٢ – اعتبره من صنع الاستعمار والصهيونية ، وطالب السلطة بضربهم بسرعة وبقوة ٠ وفي السجن كتب سيد قطب كتابه الشهير ( معالم في الطريق ) والذي يرى كثيرون ان منهج التكفير والهجرة قد تأسس عليه، او مايسمى بالاسلام القطبي ، وان معظم الحركات الارهابية قد خرجت من عباءته ٠ ويقال ان هذا الكتاب هو سبب اعدامه ٠ على اي حال ، ما كان لعبد الناصر ان يعدم رجلا باهمية ومكانة سيد قطب !!!!
ثمة وقائع قُتل فيها سجناء او ماتوا تحت التعذيب ، وتُشير الدلائل ان عبد الناصر لم يأمر بها وانه عرفها بعد وقوعها ، ولكن هذا لا يبرئه او يعفيه من المسؤولية ابدا خاصة وانه عاقب مرتكبيها بعقوبات تتراوح بين الطرد او وقف الترقية ، وهي ما لا يتناسب مع جريمتهم البشعة ٠ وبالمناسبة فان للكاتب المصري محمود السعدني كتابا يستحق القراءة عن تجربته في السجن هو : الطريق الى زمش ، يرسم فيه باسلوبه الكوميدي عالم الاحزاب والسجون في الخمسينات والستينات ٠
كان نظام عبد الناصر تجريبيا ، بدأ بالتحالف مع الاخوان والتعويل على العلاقات مع امريكا ، ثم الصدام مع الاثنين ٠ ومن اضطهاد الشيوعيين وقتل القائد الشيوعي المثقف شهدي عطيه تحت التعذيب ، الى اقامة الاتحاد الاشتراكي وضم الشيوعيين اليه ٠ ومن التوجه الاسلامي الى تبني الاشتراكية العلمية ٠ ومن نظام الدوائر الاربع الى القومية العربية ٠ ومن قبول التفاوض مع اسرائيل الى تبني المقاومة الفلسطينية ٠ حتى 23 يوليو كانت حركة الجيش ثم صارت ثورة ، ومجلسها – أي قيادتها – كان اسمه ( مجلس القيادة ) ثم صار ( مجلس قيادة الثورة ) . وفي كتابه فلسفة الثورة – الذي صدر عام 1954 – سمى الخليج بالفارسي ثم سماه بالعربي عام 1956 ٠
وعموما فان عبد الناصر حكم مصر من فوق ، وكانت الجماهير تحبه وتكره نظامه ٠ وقد وصف المفكر السوري ياسين الحافظ موقفه منه – والذي كان يشاكله موقف كثير من المثقفين العرب آنذاك – قائلا : موقفي من الناصرية : دعم ونقد ، ترجي ويأس ٠
اما اهم خطايا عبد الناصر : سكوته عن فساد وفوضى نائبه عبد الحكيم عامر ، والذي انتهى باكبر هزيمة لمصر والعرب في التاريخ ٠ ضيقه بالرأي الاخر ، والذي جمَّع حوله الانتهازيين وابعد المخلصين ٠ عدم اقامته الوحدة – عام ١٩٥٨ – على اساس فيدرالي ، فبدت سوريا كما لو انها اقليما ملحقا بمصر ، بل ويديره المشير عامر وضباطه المصريون ٠ سجنه شخصيات ثقافية لا يجوز سجنها وتحول السجون الى اماكن رهيبة ٠ فرضه الاقامة الجبرية على سلفه الرئيس نجيب طيلة مدة حكمه ( والذي ابقاه السادات فيها ايضا حتى ١٩٧٤) ٠ استبعاده زملاءه اعضاء مجلس الثورة ، حتى لم يبق معه سوى اكثرهم انتهازية ( انظر كتاب السادات في زمن ناصر : هذا عمك ياولدي جمال ( المقرف بانتهازيته )، وانظر مذكراته بعد وفاته. : البحث عن الذات ) ٠
لكن النقطة الاكثر سوداوية في المشهد ، ولو انها حدثت بعد وفاته ، تطوع صهره أشرف مروان للعمل مع الموساد ، وابلاغهم بموعد حرب اكتوبر ٠ ولاكاديمي اسرائيلي معروف كتاب اسمه : الصهر ، وفيه معلومات صادمة ٠ ويبدو انه كان حانقا على عبد الناصر ، الذي سد الطريق امام اطماعه ، بل وفكر بتطليق ابنته منه ٠