ـ عندما منعتُ (أنا هادي حسن عليوي) العام 1982 من القاء محاضرات في الجامعات.. والكليات.. والمعاهد كافة (صباح.. مساء).. وانا احمل شهادة الدكتوراه بامتياز.
ـ ثم أحلتُ على التقاعد.. اوائل العام 1984.
ـ وفوراً منعنا من السفر.. أنا وعائلتي الى خارج العراق!!.
ـ فكان جهادي للعيش وعائلتي.. ان ابيع الكتب والمجلات على أرض بعض الكليات.. خاصة على ارض الكليات الاهلية في بغداد.. وعلى أرض معهد التاريخ العربي.. وعلى أرض الجامعة المستنصرية!!
ـ بعد ثلاثة أشهر اتصل بي عدنان الجبوري مدير مكتب وزير الثقافة والاعلام لطيف نصيف جاسم.. وطلب حضوري.. وخلال لقائي به قال لي: ان مركز التوثيق الاعلامي لدول الخليج العربي.. وهو منظمة اقليمية تضم العراق ودول الخليج جميعها.. ومركزه بغداد ويشرف عليه وزير الثقافة والاعلام العراقي.. بعد ستة اشهر ستنتهي مدة خدمة المدير العام الحالي عامر قنديلجي.. ويقول الوزير انك تصلح لهذا المنصب فان وافقت.. لا يوثر عل تقاعدك.. وراتب المركز ضخم يعادل ضعف راتب المدير العام.. وافقت.. فقال اذن سنصدر امرك الان مديراً للدراسات والبحوث في المركز خلال هذه المدة.
وهكذا صدر امر تعيني.. وباشرت العمل في المركز.. لم تمضي ستة اشهر حتى اعير خدمات ثلاثة مدراء اثنان من وزارة الاعلام وواحد من وزارة الخارجية. وثلاثتهم اعضاء قيادة فرق في حزب البعث.. نسب احدهم باحثا في مديرية الدراسات والبحوث.
ـ وهو عبد المطلب النقيب.. اعرفه منذ كان طالبا معي في العلوم السياسية.. طالب فاشل.. يتغيب كثيراً.. وكل سنة لا ينجح الا بالدور الثاني.. وهو يتباهى انه كان ينجح بالغش!!
ـ وفي الحزب فهو كذاب ومنافق.. وكل الحزبين يأخذ منهم هديا لإلغاء غياباتهم او عدم حضورهم للتكاليف الحزبية حتى الخفارات!!
ـ المهم خلال تواجده معي لم يداوم يوما.. ولم يعمل أي شيء خلال 3 سنوات.. وقدم بحثا منقولا لنشره في مجلة المركز..
ـ واخذ يوميا يقابل وكيل الوزارة نوري المرسومي ويحوك المؤامرات ليكون هو المدير الدراسات والبحوث.. ونجح وصدر امره.. لكن الغي فلا الوزير ولا مجلس ادارة المركز المتكون من وزراء اعلام دول الخليج وافق.. وبقيت انا مديرا للدراسات والبحوث!!.
ـ وبعد ثلاث سنوات من العمل الابداعي تم اقالتي من المركز بحجة مضحكة.. وهي انني غير حزبي.. علما ان المركز يعمل فيه اربعين موظفا فيه فقط 4 حزبين الثلاثة المعارة خدماتهم واخر نصير شاب صغير.. وكانت اقالتي مخلفة لنظام المركز.
ـ مهزلة المهازل.. انني لم أكن معارضاً لنظام البعث… ولم أكن عضوا في الحزب الشيوعي.. ولم اكن عضواً في حزب الدعوة العميل ـ كما يسمونه.
ـ فقط طلبت مني جريدة الجمهورية حال احتلال الكويت كتابة مقالة عن الكويت.. ولم اكتب أي شيء عن ازمة الكويت.
ـ وبعد القضاء على الانتفاضة الشعبانية.. واعلان صدام بإقامة التعددية الحزبية في العراق.. طلبت مني جريدة القادسية الكتابة في التعددية الحزبية.. كون الموضوع من اختصاصي.. فنشرت لي هذه الجريدة مقالات اسبوعية متسلسلة في التعددية الحزبية.
ـ لكن صدام رفض عنوان هذه المقالات.. وقال في اجتماع له مع مسؤولي وزارة الثقافة والاعلام في نيسان 1991.. بعيد القضاء على الانتفاضة الشعبانية: ان جريدة القادسية تنشر مقالات بعنوان ـ التعددية الحزبية في العراق.. لا يوجد في العراق تعددية حزبية.. نحن سنقيم التعددية الحزبية.. ولم يعترض ولا يرفض مضمون المقالات.
ـ فغيرت الجريدة العنوان الى (صفحات من تاريخ الاحزاب في العراق).. من جهتي لم اسلم بقية الحلقات.. وانتهى الامر.. وتوقفت انا عن الكتابة السياسية!!.. وغيرت عنوان كتابي الذي كان سينشر عن التعددية الحزبية في العراق.. الى (الاحزاب السياسية في العراق).. الذي تم نشره في بيروت العام 2001!
ـ وصمتُ.. وصمتُ.. وصمتُ!!
ـ حتى شطبت عضويتي من نقابة الصحفيين بأمر من رئيسها (عدي صدام حسين).. وجاء في قرار الشطب.. ان هادي حسن عليوي المتقاعد.. لم ينشط ويكتب في ميلاد القائد.. وثورة تموز!!
ـ بالمقابل جعلتُ: صمتي حكمةً.. وسبيلا.
ـ وجعلتُ: صمتي يتحدث عني بديلا.
ـ ولم أجعل فصاحتي.. وعلمي.. فتنة.. فيصبح صمتي على جبيني عاراً.
ـ ولم أبدو كالأصنام في صمتي.. بل صورة جميلة في سكوني.. وحركتي.
ـ ولا أنتظر أن أنظم لعالم الخرفان.. لتعد بي الأزمان.. فانا ولدتُ منذ أزمان.
ـ لم أتعلم أسوأ العادات.
ـ من مزايا صمتي.. لم أزور معتقلات وسجون صدام.
ـ وقيود الذل كسرتها.. بجوعي.. وجوع عائلتي.
ـ هذه هي مزايا (حقوق) ضاقت مساحتي فيها.. تلك هي مرايا حطمتها بيدي.
ـ حينما لم أجد لأسئلتي جوابا.. بعد أن حصلت على (وسام ).. درجته العذاب الجسمي والنفسي.
ـ فرضتُ الصمت على نفسي.. ليس خوفاً من السلطة وأزلامها.. بل خشية على عائلتي من بعدي!!
ـ في المقابل: بإبداعي.. وتصميمي.. وجهادي الأكبر.. وتصميمي بأذن الله.. كنت قادراً أن اعيش وعائلتي بكرامة.
– وفي ظهيرة اوائل أيلول / العام ١٩٩٧ رنً هاتف منزلي.. وانا تواً وصلت بيتي منهمكا.. لم ارفع سماعة الهاتف.. رنُ ثانية.. فسأل المتحدث.. انت دكتور هادي حسن عليوي.. أجبته.. نعم.. حضرتك عندك لقاء مع الاستاذ في الساعة الثالثة والنصف فجراً في بناية اللجنة الأولمبية.
– المهم.. في الوقت المحدد كنت أمام عدي.. تكلم عن كتاباتي التي أعجبته.. فهل مجاملة ام صدقا.. لا أدري.. وطلب مني المشاركة في الكتابة بجريدته.. قلت له إن كتبت سوف أسجن.. قال: أكتب ولا تخشى سوى السيد الرئيس.. قلت: أكتب عن الوزراء.. قال وهو المطلوب.
– بعد يومين نشرت مقالتي الوحيدة وشريت وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف.. على الحبل.. وأثبت انه لن يصلح للخارجية في وقت الحصار.. بل ادنته ادانات معززة بالحقائق.. بعدها نشر المقالة.. ذهبت لعدي.. وبعد حديث طويل اعتذرت فيه بالعمل في صحفه.. وشرحت له انني مريض.. ولا يمكنني ادارة صحيفة او أي عملٍ صحفي.. ورجوت رفع منع السفر عني فقط لأذهب الى إلى ليبيا للتدريس.
– وهكذا سافرت إلى ليبيا أستاذاً جامعياً.. وبقيتُ هناك صامتاً.
وفي تموز العام ٢٠٠١ جئت إلى بغداد لقضاء العطلة الصيفية بين عائلتي ككل سنة.. لكني وجدتُ عائلتي في وضع نفسي يتطلب بقائي.. فبقيتُ.
وفي ايار العام 2002 أتصلت بي اللجنة العلمية للمعهد العربي للدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه).. وطلبت مني ان اكون عميداً للمعهد.. وقال: دكتور ليس هناك أكفأ منك عميداً للمعهد!!.
ـ وافقت وباشرت العمل.. ولم يمضي شهران حتى اتصل بي هاتفياً هاشم حسن المجيد (مسؤول حزب البعث عن الكليات الاهلية.. وهو شقيق علي حسن المجيد).. وقاللي بلا مقدمات.. خلال 3 أيام تترك العمل وتغادر المعهد.. حاولت ان اعرف الاسباب.. لكنه لم يرد وأغلق هاتفه).
ـ اتصلتُ بالرئيس صدام حسين بناء على اقتراح اللجنة العليا للمعهد.. وشرحت الموقف.. اجابني الرئيس بنفسه سنتصل بك!!
ـ في اليوم الثاني اتصل بي ارشد ياسين المرافق الاقدم للرئيس.. وقال: دكتور انت كنت في ليبيا ووضعت المادي جيداً.. قلت له: انا لم اطلب تعين وانما اللجنة العلمية هي التي طلبت تعيني.. وقال بالحرف الواحد هذا معهد لتدريس ×الماجستير والدكتوراه.. ولا يوجد متفرغ له.. المهم لم يجيبني.. واغلق الهاتف!!
ـ في اليوم الثالث.. حضرت حماية هاشم حسن المجيد وأخرجتني من المهد بالقوة.. ونصبت شخصاً لا يمتلك شهادة الماجستير ولا الدكتوراه ولا استاذا في اية كلية او جامعة!!
ـ عيب معهد يخرج ويمنح شهادتي الماجستير والدكتوراه.. عميده لا يملك اية شهادة ولا يدرس مثل هؤلاء الطلبة!!
هكذا هي الدنيا!!
ـ لكنها جادت عليً الدنيا نعيماً
– وتعددت منابر التعبير في دنيا ما بعد 2003.
ـ اصبح صمتي.. تاريخاً.. وحباً.. وكراهيةً.. وتصريفا.. بذكاء.
ـ وعاد صوتي الهادر.. وقلمي الذي لم يفقد بريقه ولمعانه.. بل ازداد فصاحة.. وألقاً.. وصراحة.. لم نكن نقدر على اعلانها قبل 2003.
ـ وكانت كتاباتي وكتبي ونشري معمقاً.. تاريخاً حقيقياً.. وكلمات من نور.. وكتابات مركبة وجدتُ فيها ضالتي.
ـ فلم تعقيني على تسلط لساني في بعض الاحيان.. وسأقضي بقية العمر.. أتعلم كيف أنسى إساءة الظالم.. وكيف أنسج الحروف.. كي أنطق بها.
ـ وجاء الفرج الثاني في منح صمتي مزايا وحقوق السجناء السياسيين.. بمنح المعتقلين والسجناء السياسيين في 8 شباط 1963وما بعده.
ـ إلا ان مؤسسة السجناء السياسيين رفضت منحي أية مزايا وحقوق.. برغم انني معتقل وسجين سياسي منذ 2 تموز / العام / 1962 حتى 24 آذار / العام / 1966.. فلا تحسب هذه الحقوق والمزايا الا لمن اعتقل او سجن من يوم 8 شباط 1963 وما بعد هذا التاريخ !!!!!!!!!!!!
ـ فلم ينفع اعتقالي.. ولا سجني.. ولا تعذيبي.. الجسماني والنفسي.. ولا حتى صمتي!!
ـ قلتُ ونفسي: انا في كل هذه المآسي من أجل العراق.. وليس من أجل آخرين.. لا سياسيين ولا غيرهم.. ولا هم يحزنون!!.. فوطني يستحق الجهاد بلا امتيازات ولا بأوسمة.. أو انواط!
ـ فمن أجل العراق” وشعب العراق.. تعلمت كتابة تاريخه: بحقائقه.. والآمه.. وظلمه.. وقتله!
ـ عفواً يا عراق.. أرادوا قتلك.. ولم يدروا ان العراق حيٌ لن يموت.. ولن يقتل.. بأمر الله!!
ـ فكل من ارادوا قتل العراق.. انتهوا قتلاً.. وسحلاً.. وحرقاً.. وعاش البعض مرهوبا يتخفى في خفايا المعمورة.. لكن القتل وصله… واختفى بلا تاريخ.
ـ من أجلك يا عراق اليوم رقصتُ تفاؤلاً بانتصارك.. على الجهل.. والسراق.. ومدعي الدين.. ومدعي الاصلاح.. ومدعي التقدم.. وحتى مدعي المدنية!!
ـ ستبقى يا عراق شامخاً.. وانتهى الصمت.. والقافلة تسير.. ولا يهمها نبح الكلاب.. ورغم انف الاعداء.
ـ من أجلك.. يا عراق سأبقى حياً.. ولن أموت.. فالله يحب الحق ويعززه.. ويمده بالحياة!!
ـ ربي اجعلني ان ارى العراق.. شامخاً.. عامراً.. وبأيدِ أمينة.. وديمقراطية حقاً!!
ـ ما ان أنجزتُ كتابتي هذه.. حتى أخذتُ نفساً طويلاً.. وصمتُ.
فقال ليً صاحبي: صمتكً يا صاحبي: ملأ الدنيا كلاماً!!